الجمعة 01 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المكالمة الأخيرة

الجمعة 30/يونيو/2023 - 07:02 م

• الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كتب قصة قصيرة مستوحاة من قصة حقيقية حصلت في الأرجنتين.. القصة ورغم قصرها لكنها حققت انتشار ونجاح واسع يليق برواية أكتر منه ما يكون لقصة قصيرة!.. في بداية الثمانينات كان فيه حرب غير معلنة بين الأرجنتين وبين بريطانيا اسمها حرب الفوكلاند.. اتسمت الحرب بالاسم ده نسبة إلى جزر فوكلاند، وسبب الحرب هو خناقة بين الدولتين على إقليمين اثنين واقعين في جنوب المحيط الأطلسي تابعين لبريطانيا هما: جزر فوكلاند وأقاليم جورجيا الجنوبية، وساندويش الجنوبية.. اللي حصل إن الأرجنتين هي اللي بدأت باحتلال جزر فوكلاند ودي كانت البداية عشان تقوم الحرب بين الطرفين!.. سيبك من تفاصيل الحرب ومين اللي غلطان ومين صاحب الحق ومين اللي كسب.. للأسف مش دايما في الحروب بتبقى الدوافع شريفة، واللي بيتظلم على طول الخط هما الأبرياء سواء المدنيين أو العسكريين اللي بيلاقوا نفسهم بين يوم وليلة على جبهة حرب ما يعرفوش سببها ولا هدفها بس لمجرد إن قيادتهم عايزة كده!.. المهم إن من ضمن جنود الأرجنتين اللي حاربوا شاب لطيف عنده 19 سنة!.. كان معروف عن الشاب ده إنه خجول وبيتكسف من نسمة الهوا!.. مش الخجل اللي هو العادي لأ الخجل اللي بيقلب بحساسية مفرطة بتخليه يخلي باله من أي حرف قبل ما ينطقه أو أي فعل قبل حتى ما يفكر فيه!.. الموضوع على قد ما يبان حلو لكنه لو دققت هتلاقيه شيء صعب جدا!.. بس وقت الحرب جه ولازم يتجند.. راح فعلا سلم نفسه وساب والدته اللي مالهاش غيره ومالوش غيرها لوحدها وراح يحارب.. بعد ما الحرب خلاص حطت سطورها الأخيرة وبدأ جنود الأرجنتين يرجعوا من جزر فوكلاند اتصل الشاب بوالدته على تليفون بيتهم عشان يستأذنها في حاجة!.. قال لوالدته إنه بيستأذنها ييجي البيت ومعاه زميله في الكتيبة!.. مش فاهمة يعني اشمعنى زميلك ده بالذات؟.. الشاب رد وقال إن زميله ساكن في منطقة بعيدة شوية عن بيتهم وعشان ياخد المسافة من مكان الحرب لبيتهم مرة واحدة الموضوع هيبقى مرهق جدًا عليه فهو بيقترح وبيطلب منها إنها تسمح إنهم يستضيفوه عندهم في بيتهم لحد ما يقدر يشد حيله ويقدر يتحرك ويواصل طريقه!.. الأم حست إن فيه إن في الموضوع برضه فضغطت على ابنها أكتر وسألته هو يقصد إيه بجملة يشد حيله! أو يستعيد عافيته!.. هنا اضطر الشاب إنه يصارح والدته وقال لها إن زميله ده أصيب في الحرب إصابات بالغة وبسببها فقد رجله اليمين وذراعه الشمال وفقد عين من عيونه!.. الأم ورغم فرحتها برجوع ابنها سليم ومعافى لكنها ماقدرتش توافق على طلبه باستضافة زميله وقالت له إنها مش هتقدر تستحمل منظر زميله بإصاباته المتعددة دي وطلبت منه إنه يعتذر له ويتحجج له بأى حجة.. الشاب قفل المكالمة مع والدته وبعدها بلحظات طلّع مسدسه وضرب نفسه بالنار وانتحر!.. والسبب؟.. إن الشاب ابن السيدة هو نفسه الجندي المصاب في الحرب اللي فقد رجله ودراعه وعينه بس ماكنش قادر يصارح والدته بكده وكان حابب يمهد لها باختراع قصة زميله الوهمي عشان لما تشوفه ماتستغربش لكن صراحتها معاه خلاّه متأكد إنه لو كان راح لها بالمنظر ده كانت هتفضل متعذبة طول عمرها ومخبية عليه عشان تجامله.. اللي هو لأ.. أنا مش هكون عبء على والدتي ولا على حد وهسيب الحياة وهمشي!.. وانتحر.. والعنوان؟.. الحساسية!.

• الشخص الحساس بيحسبها مليون مرة قبل ما يطلب، وقبل ما ينطق، وقبل ما يعمل.. بيخاف إنه بدون قصد يدوس على مشاعر وخواطر غيره ويسبب لهم أذى نفسي ولو للحظة.. لا بيمس كرامة حد، ولا بيقبل إن كرامته تتمس.. عكس التنابل.. التنبل أناني ومعندوش فلاتر تمر عليها أفعاله، وكلامه، ومش بيفرق معاه الأثر اللي بيسيبه في غيره الأهم عنده مصلحته.. في نفس الوقت وارد تقابل ناس يستفزوا مشاعرك عشان يصدر منك رد فعل يتهموك بعده إنك حساس زيادة عن اللزوم!.. طب وبالنسبة للفعل بتاعكم أخباره إيه!.. الحساسية مش تهمة، لكن اللي يستحق تعديل مسار هو إنك تكون إنسان متبلد، صاحب قلب قاسي وأنت فاكرها نضج، وجمودية، وجدعنة!.. الشاعر الفرنسي شارل بودلير قال: لا تحتقروا حساسيّة أحد، حساسية كلٍّ منّا هي عبقريته.

تابع مواقعنا