الطريق الآخر
ممكن تفضل تحلم بحاجة وتحط كل تركيزك في اتجاه إنك تحققها بس تحس إن فيه حيطة اسمها "الظروف" ظهرت قدامك ومفيش فرصة إنك تلف حواليها عشان تتجاوزها لدرجة تخليك تشك أصلًا إن ده كان الطريق الصح أو الحلم الصح.. وقتها بيبقى قدامك اختيار من اتنين.. يا إما تفضل تخبط راسك في الحيطة على أمل إنها تتهد، أو إنك ترجع لورا كام خطوة بشكل مؤقت وتعمل تعديل مسار للحلم وتسيب القدر يشوف شغله!.. مش كتير يعرفوا إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر -وعكس ما انتشر من فترة قريبة- كان طالب متفوق دراسيًا في الثانوية العامة.. مع ملاحظة إن كلمة متفوق دي أقصدها بمعايير التفوق في الزمن ده في الثلاثينات.. بمعنى؟.. طالب ثانوية الشاب جمال حصل مجموع درجات 138.5 من 290 درجة.. الدرجات دي بتحقق نسبة 47.7% في حين إن نسبة النجاح كانت وقتها 40% بس ودي كانت النسبة اللي معظم الطلبة المتفوقين بيحققوها!.. وبناءً على ذلك فهو بمعايير وقتها كان ناجح وحصل على شهادة البكالوريا في القسم الأدبي وكمان مجموعه بيؤهله إنه يدخل كذا كلية من معظم الكليات الكبيرة والمهمة.. جمال وقبل ما يخلص الثانوية كان بيحلم بالكلية الحربية.. الحلم اللي كان بيكبر يوم عن التاني في عقله وبمجرد ظهور النتيجة راح قدم فورًا.. عدى من الكشف الرياضي والطبي ولكن للأسف سقط في كشف الهيئة!.. في اللحظة دي انهارت قدام عينيه كل أحلامه اللي كانت في باله بقالها سنتين على الأقل.. في التوقيت ده من نص الثلاثينات كان فيه قرار غير معلن هو تعمد عدم دخول أولاد الفلاحين للكلية الحربية!.. والنتيجة؟.. فرصة سعيدة يا جمال وشوفلك كلية تانية.. ولإنه مش هينفع يفضل بدون كلية دخل في سنة 1936 كلية حقوق في جامعة فؤاد الأول اللي هي جامعة القاهرة حاليًا وبدأ دراسته فيها ولسه في قلبه حتة مرار من اللي حصل بس هعمل إيه يعني ما الحياة لازم تمشي.. بعد حوالي 6 شهور على الناحية التانية وفي مكان تاني خالص كان بيحصل موقف مايعرفش جمال أي حاجة عنه ولا عن اللي بيعملوه ولا عمره كان هيعرف!.. الحكومة المصرية وقعت اتفاقية مع الاحتلال الإنجليزي اسمها معاهدة 1936 من ضمن بنودها السماح بزيادة أعداد ظباط الجيش المصري من الشباب كدفعة استثنائية بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم وكانت الدفعة دي هتشارك مع الإنجليز في الحرب العالمية!.. فورًا وبعد توقيع المعاهدة تم الإعلان عن قبول الدفعة الاستثنائية من الشباب في الكلية وكان جمال وقتها قضى تيرم كامل في كلية الحقوق فسحب ورقه وقدم الكلية الحربية وتم قبوله ومرت السنين لحد ما بقى رئيس مصر بعد 17 سنة تقريبًا من رفضه في الكلية!.. هل كان جمال عبد الناصر يتوقع وهو في عز لحظة الرفض إن نهاية القصة إنه هيكون رئيس أكبر دولة في الشرق الأوسط وإفريقيا؟.. مستحيل وأكيد كان محبط ومكتئب وشايفها ضلمة.. هل الملك نفسه وهو بيوقع على الاتفاقية كان ييجي في باله ولو بنسبة 1% إن هو بيوقع بإيده على ورقة هتكون بشكل غير مباشر سبب في إنهاء حكمه والملكية من مصر؟.. مستحيل برضه وإلا ماكنش وقعها أساسًا.
لما بنعوز حاجة بنحلم وبنخطط وبنعمل حسابنا في كل التفاصيل من أول لآخر خطوة.. بمعايير العقل والمنطق بتوعنا النتيجة لازم تكون الوصول، لكن بالمعايير الربانية الوضع مختلف.. فيه حكايات تانية بتدور في خلفية المشهد غالبًا مش هتكون عارف عنها ولا عن أصحابها حاجة ولا هما كمان عارفينك، وفي نفس الوقت كلهم بيسعوا عشان يحققولك اللي أنت عايزه حتى لو ماشوفتش ده في لحظتها!.. كلنا تروس في حياة بعض بتحركنا أقدار ربنا في الاتجاه الصح، والظروف الصح، للوصول الصح.. عليك السعي والإخلاص في الحلم والهدف، وعلى ربك اختيار التوقيت الأنسب.