مينتهيش الدرس في أكتوبر
• السطور الجاية فيها لمحات عن أعظم حدث في تاريخ مصر الحديثة.. لمحات متفرقة بيجمعهم خيط واحد قوته في اسمه: "حرب 6 أكتوبر 1973".
• من 9 سنين تقريبًا بدأ شغفي الشخصي بدارسة كل ما يتعلق بحرب 6 أكتوبر.. لأ الموضوع مش بس اللي بنسمعه أو بنقراه أو بنتفرج عليه.. الحكاية وراها حكايات تانية لا تقل عظمة عن اللي ظهر.. طول مدة الـ 9 سنين اللي فاتت عرفت معلومات وتفاصيل مهمة والغريب إن معظمها منشور في كتب مصرية قديمة وكانت متاحة للناس بشكل عادي لكن ماكنش ليها نصيب من الانتشار!.. مع الوقت ومع الحجم الضخم للمعلومات اللي بدأت أعرفها واللي زادت عن كونها ينفع تبقى معلومات يحتفظ بيها صحفي أو حتى ينشرها قررت أصيغ ده كله في عمل درامي يوثق الملحمة دي بشكل يخلي الذكرى الحربية الأهم دايمًا في البال لينا وبالذات للأجيال الجديدة اللي للأسف فيه جزء مش قليل منهم محتاجين يعرفوا عن أكتوبر إنها أكبر بكتير من يوم أجازة.. الحقيقة حاولت إن السيناريو ده يخرج للنور بس لم أوفق بس برضه لم أيأس وعندي يقين إن في يوم من الأيام عملي أو غيره من الأعمال هيظهروا عشان يكونوا أفضل رد على السفسطة السنوية اللي بيعملها العدو وبينفي فيها حدوث نصرنا أو هزيمته.
• اللي ييجي على مصر مش بيكسب.. الشعب العبقري أبو تركيبة مختلفة ده وفي نفس الوقت متجانسة مجرد ما يحس بـ لمحة خطر على بلده الكل بيبقى واحد.. عشان كده الجزء الأهم في حرب أكتوبر 73 إنها كانت ملحمة شارك في كواليسها كل المصريين من كبيرهم لصغيرهم لحد ما اتحقق النصر.. زي المجند النوبي العظيم اللي اسمه "أحمد إدريس".. قبل الحرب بفترة بسيطة، وخلال التجهيز ليها اللي كان بيتم في منتهى السرية كان فيه قلق من القيادة إن العدو يلقط الإشارات اللي بيبتعها الجنود المصريين للقيادة أو اللي بتيجي من القيادة للجنود!.. ده كان قلق طبيعي جدًا، ومشروع!.. أصل تخيل إن كل مجهودك اللي بتعمله ممكن يروح في لحظة لو تم فك الشفرة اللي بتتكلم بيها!.. القلق ماكنش عند القيادة بس لكن برضه عند بعض الجنود اللي منهم الجندي المصري الصغير "أحمد إدريس".. في يوم راح "أحمد" للقائد بتاعه في الوحدة اللى موجود فيها، وقال له أنا عندي فكرة.. ليه ماتبقاش اللغة النوبية هي لغة إرسال الإشارات، ولو العدو حاول يفك الشفرة بتاعتها هيلاقي نفسه قدام لغة مالهاش أبجدية موثقة!.. القائد بلغ الفكرة للقادة، والقادة بلغوها للرئيس "السادات" اللي قال فورًا وبسرعة: (هاتوا الصول ده).. لحظات، وكان "أحمد إدريس" واقف قدام الرئيس "السادات" بيشرح فكرته بمنتهى التفصيل.. الرئيس ضحك لدرجة إن "أحمد" افتكر إنه قال حاجة غلط.. الرئيس ماداش أى رد لـ "أحمد" وطلب منه إنه اللي اتقال بينهم يفضل سر ومحدش يعرفه نهائيًا.. "أحمد" نفذ الأمر، ولما كان حد بيسأله في الوحدة بتاعته عملت إيه مع الرئيس أو كان عايزك ليه كان بيرد إنه كان بيسأله عن بيوت النوبة القديمة وأهل النوبة بعد التهجير.. أيام بسيطة وفوجئ "أحمد" إنه مكلف ومعاه 344 جندي مصري نوبي على دراية تامة باللغة النوبية إنهم يتولوا إرسال الإشارات بالنوبي!.. وحصل فعلًا!.. من الكلمات اللي كانت بتستخدم يقولوا مثلًا فيه 20 "أولوم" يعني "تمساح" بالنوبي ومعناها بالعربي دبابة.. فيه 30 "أسلانغي" يعني "ثعبان" بالنوبي ومعناها بالعربي يعني عربية مصفحة، وهكذا!.. الحاج "أحمد إدريس" اتوفى قريب عن عُمر 84 سنة بعد ما أثبت هو وغيره إنهم أبطال مصريين من دهب محدش يقدر عليهم والتاريخ هيفضل فاكرهم للأبد بالخير.
• في وقت الحرب بيتوحد ولاد البلد في نفس الصف، واللي بيقدر يقدم حاجة لبلده بيقدمها بدون تأخير.. عامل بقى ولا فلاح ولا موظف مش بيبقى مهم وقتها وظيفتك إيه قد ما بيبقى الأهم وطنيتك هتخلّيك تعمل إيه.. عشان كده ماكنش غريب لما تعرف إن الفنانة الجميلة الراحلة "نادية لطفي" من أكتر الأسماء اللي هتلاقوا ليها دور مجتمعي عظيم خلال حرب 6 أكتوبر.. كانت بتجمع الفنانين والأدباء المعروفين زي "فؤاد المهندس"، "جورج سيدهم"، "نجيب محفوظ"، "يوسف السباعي"، وغيرهم عشان تخلّيهم يزوروا الجنود المصابين في المستشفيات، ويرفعوا من روحهم المعنوية.. كمان جمعت "نادية" شهادات الأبطال المصابين في حرب أكتوبر، وحطتهم في فيلم "جيوش الشمس" عشان تبقي لقطة وثائقية تاريخية لحد النهاردة.. "نادية" برضه خلال حرب 6 أكتوبر نقلت مقر إقامتها بشكل كامل لمستشفي القصر العيني عشان تراعي أبطالنا الجرحى والمصابين من خلال تطوعها في التمريض، وكررت نفس الموضوع برضه في مستشفي المعادي، وكانت بتمسح بلاط المستشفى.. كمان الفنان القديرة الراحلة "فاتن حمامة" أثناء حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر وعلى مدار كذا سنة تعاونت مع أعضاء جمعية الهلال الأحمر بناءً على طلبها هي الشخصي عشان تكون ممرضة مشرفة على أبطال الحرب في أكتر من مستشفى، والحقيقة إن التصرف ده كان بالغ الأثر الإيجابي في نفوس كل الجنود المصابين.. دور إنساني نبيل قاموا بيه بدون أى توجيه وبدافع وطنى بحت دعموا من خلاله مصابي وأسر شهداء 6 أكتوبر في لفتة كان لها وقعها وقتها ولحد النهاردة.
• بعد ما خلصت حرب أكتوبر رجع كل بطل من أبطال مصر اللي حققوا النصر لمحافظته أو قريته محدش منهم عايز يعمل شو إعلامي أو بروباجندا أو يظهر عشان يتكلم عن اللي عمله.. دول مش أكتر من ناس بسيطة كان عندهم هدف وحلم وحققوه.. بلدهم نادت فلبوا.. بس فيه نموذج عظيم منهم كلنا عارفينه من خلال صورته بس مش كلنا نعرف حكايته.. أول جندي يرفع علم مصر على أرض سيناء في حرب أكتوبر.. الجندي "محمد العباسي".. في بداية السبعينات وبعد حرب أكتوبر مباشرة انتشرت وسط الشارع المصري أغنية مطلع كلماتها بيقول: (محمد أفندي رفعنا العلم، وطولت روسنا ما بين الأمم).. في البداية كان الناس فاكرين إن الأغنية مجرد حكاية شعبية بتحكي قصة بطل مجهول بيعبر عن عظمة الجنود المصريين في الحرب.. لكن أصل الموضوع إنها أغنية اتعملت عشان الجندي المصري "محمد العباسي".. "محمد أفندي العباسي" اتولد في قرية القرين الباسلة في محافظة الشرقية، ودخل كتاب القرية وحفظ القرآن الكريم، ثم أخد الشهادتين الابتدائية والإعدادية من مدارس القرين، ودخل التجنيد أثناء حرب أكتوبر.. بيحكي "العباسي" في واحد من لقاءاته التليفزيونية من حوالى 3 سنين عن لحظة رفعه علم مصر على سيناء عقب العبور وقال: (كنت جندي مشاة واترقيت لحد رتبة رقيب وكنت أول واحد يتشعلق على الدوشمة الحصينة من خلال الألغام والأسلاك الشائكة قبل فتح ثغرة من الأساس.. بعدها سيطرنا على النقطة الحصينة وكنا فرحانين، وبنسأل بعض إزاى إحنا عايشين وإحنا بنقول إننا أول الضحايا.. جه قائد الكتيبة ناجي الجندي ناحيتي، وماكانش بينا ألقاب وكده.. قال لي مبروك يا محمد قولتله مبروك يا ناجي، فقال لي خد العلم وارفعه يا بطل.. فعلًا أخدت العلم بفرحة جامدة ومسكته وطلعت على الساري نزلت العلم الإسرائيلي وقطعته ودوسته برجلي وبدأت أرفع العلم المصري).. عم "عباسي" اتوفى قريب هو كمان.. اتوفي بعد ما ساب لولاده وأحفاده ذكرى خلدها التاريخ وهتخليهم رافعين راسهم إن جدهم اسمه "محمد العباسي".
• بطولات مجهولة عملها مئات وآلاف الأبطال اللي ممكن يكونوا مجهولين للغالبية العظمى مننا لكن وبسبب بسالتهم وشجاعتهم وقصصهم عملوا الفرق في انتصار أكتوبر المجيد.. أبطال معجونين بـ تراب ومحبة مصر، وهما اللي بمنتهى التفاني عملوا النصر.. دول 11 بطل منهم مع إن كل واحد نزلت منه نقطة عرق في أكتوبر يستحق نكتب عنه بس ده جزء بسيط جدًا من أبطالنا يخلّيك تعرف قد إيه إن جيشنا فيه رجالة وحوش:
1 - الشهيد "مبارك عبد المتجلي".. واحد من مشاهير لعبة كرة السلة في فترة الحرب مع إسرائيل وفي نفس الوقت كان واحد من أبطال الصاعقة المصرية لحد ما استشهد عند جبل شهابي بسلاحه الأبيض.
2 - الشهيد "إسماعيل إمام".. قاتل في القوات الجوية بداية من 6 أكتوبر لـ 17 من الشهر نفسه سنة 1973، ووقع 6 طائرات فانتوم إسرائيلية.
3 - الشهيد "فتحي عبد الرازق".. نجح في تدمير عشرات الدبابات الإسرائيلية في القطاع الأوسط من ميدان القتال.
4 - الشهيد "مجدي قلادة".. واحد من المشاركين في صناعة الأجزاء الهندسية للكباري اللي عبرت عليها الجنود لسيناء.
5 - الشهيد "نبيه جرجس".. ساهم في فتح ثغرات داخل خطوط العدو عن طريق إزالة الألغام الموجودة في محيط خط بارليف.
6 - الشهيد "نشأت".. واحد من جنود الإشارة اللي رفضوا إخلاء موقعهم وفضل صامد في معارك القطاع الأوسط في سيناء لغاية استشهاده.
7 - الشهيد "غنيم".. من خلال اللانش اللي تولى قيادته قاتل لمدة 90 دقيقة متواصلة، وأخذ 12 قنبلة من طائرات الفانتوم، واستمر يناور ببسالة لغاية لحظة استشهاده.
8 - الشهيد "عدلي مرسي".. واحد من أبطال البحر اللي قاتلوا في معركة الصواريخ.. قدر يوقع 3 طائرات هليكوبتر إسرائيلية حاولت قصف لنشه، وبعدها استشهد.
9 - الشهيد "سيد هنداوي".. قاد دبابته في القطاع الأوسط في سيناء وهي محروقة، واقتحم بيها وحدة إسرائيلية بتضم قوات المشاة فانفجرت فيهم.
10 - الشهيد "فاروق".. استشهد بعدما قاتل لمدة 96 ساعة متواصلة وقدر لوحده يأسر طاقم دبابة إسرائيلية ثم استشهد.
11 - الشهيد "الكسار".. كان مشهور بعمل الكمائن للدبابات الإسرائيلية واستشهد بعدما دمر لوحده 4 أطقم دبابات.
• دروس 6 أكتوبر عمرها ما هتخلص ولا ليها مدة صلاحية.. الملحمة اللي أكدت لينا إن معدن الإنسان وأصله ووطنيته بيبانوا في وقت الشدة.. وقتها مش بيبقى فيه خيارات كتير.. أنت يا إما معاها يا إما ضدها.. اللي بيختاروا صف بلدهم بيشيلهم التاريخ بين صفحاته والناس في قلوبهم، واللي بيختاروا يقفوا قصادها هما اللي بيخسروا.. بتقف بدونهم، وبتكمل طريقها كإنها مش شايفاهم.. ربنا يرحم كل شهداء الوطن ويحفظ تراب مصر.