يتناولن حبوبا لمنعها وسط مصارعة الموت والمرض.. معاناة نساء وفتيات غزة الصامتة مع الدورة الشهرية
43 يومًا مرت على عملية طوفان الأقصى، التي وصفتها إسرائيل بالخسارة الأكبر في تاريخها، ومنذ ذلك الحين يعيش الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة حياة غير إنسانية من تعرض مستمر لا يتوقف لاعتداءات وحشية وسلب لكافة مقومات الحياة، من قطع المياه والكهرباء والاتصالات ومنع الوقود وكذلك الإمدادات الغذائية والصحية.
وفي غضون ذلك تتراوح الفترة الطبيعية بين الدورة الشهرية والأخرى للنساء ما بين 21 و35 يومًا، ما يعني أن كل أنثى في قطاع غزة مر عليها آلام الحيض في ظل الطقس البارد والظروف المصاحبة للحرب، فالبحث عن الفوط الصحية داخل غزة بات بالأمر المستحيل في ظل خلو الأسواق من المستلزمات الغذائية والأدوات الصحية، خاصة تلك التي تتمثل في النظافة والصحة النسائية، حيث تحتاج الفتاة أو المرأة الحائض لـ 20 فوطة صحية بحد أدنى خلال أيام الدورة الشهرية، وينصح الأطباء بتغييرها عدة مرات في اليوم الواحد، مهما كانت كثافة دم الحيض وما فاقم الوضع سوءًا هو عدم توفر مياه نظيفة في القطاع لمدة تجاوزت الشهر، مما أجبر العديد من نساء غزة على اتخاذ إجراءات وتدابير قد تتسبب في أمراض طويلة المدى، خاصة خلال فترات الحيض.
فرصة وجود مكان آمن وبه مياه للاغتسال معدومة في قطاع غزة، وكذلك العثور على فوط صحية، مما أجبر م. ن «رفضت ذكر اسمها» على تناول حبوب منع الدورة الشهرية، غير مبالية لما تشكل تلك الخطوة من خطر على صحتها، فعندما دقت الحرب الأبواب أول شيء خطر ببالها هو تخزين الفوط الصحية ليكفيها لبضعة أشهر حتى يتسنى لها استقبال دورتها الشهرية، حتى قبل تدبير الطعام، ولكنها لم تعثر عليها بالأسواق.
«في كل لحظة أنا معرضة للموت، فما المانع من تمرير الأيام حتى لقاء رب كريم ؟.. ما الخطر الذي ينتظرني؟ تركنا بيوتنا وكلنا ننتظر الموت ونعيش كل دقيقة مع ألم فقد جديد، أيا ما كان أثر الحبوب بالنسبة لي عادي».. خيار تناول الحبوب كان الأسهل للفتاة، في ظل واقع تعيشه تصف إياه بالكابوس، فكيف الحال مع الدورة الشهرية أيضًا؟.
وبسؤالها عن المضاعفات الجانبية التي يعرضها لها الحبوب، قالت «م.ن» لـ القاهرة 24 بأن الوضع لا يسمح للذهاب إلى دورات المياه باستمرار، فلا يوجد تعقيم ولا نظافة، ولا جسدها على استعداد لتحمل وجع جديد، فلا رفاهية للراحة وهم يفرون من منزل إلى آخر هربًا من القصف، الحبوب تزيل عنها بعض العبء وهي في غنى عنه»، على حد قولها.
جلطات في الساق وتقلبات مزاجية
جلطات في الساق، ارتفاع في ضغط الدم، التهاب في المرارة أو مجرى البول، بجانب التأثير على الحالة المزاجية والعصبية للفتيات والسيدات، كلها مضاعفات جانبية لتناول حبوب منع الحمل وما شابه مما يسبب توقف الدورة، وفقًا لما أوضحه الدكتور تامر محمد، استشاري نساء وتوليد، في حديثه مع القاهرة 24، بسبب ندرة المياه والشح الشديد في الغذاء، بالإضافة إلى عدم توفر الدعم الطبي الكافي لتأكد من امكانيه تعاطي العلاج.
«آلام لا توصف.. بالعادة تكون موجعة ولكن ليس بهذا الشكل»، في ثاني أسبوع من بداية الحرب على قطاع غزة، كانت سارة عاشور على موعد مع دورتها الشهرية، والتي قالت عن آلامها حينها بأنها لا توصف، فبالعادة تشعر الفتاة خلال تلك الفترة بوجع لا يطاق تستدعى أن تدفئ جسدها جيدًا للتخفيف من وطأة الوجع، ولكنها حينها كانت نازحة من منزلها وتنام ليلًا على طبقة من الأرض بالأسفل من البلاط.
الإفصاح عن الآلام الجسدية والنفسية التي تسبق الدورة الشهرية للنساء إثر انقباضات الرحم، حق مسلوب من فتيات وسيدات غزة وقت الحرب، تصفها الفتاة التي تزحف نحو الـ 23 عامًا من عمرها بالرفاهية، وبصوت مرتجف توضح: وقتها كان الوضع كتير صعب والجو بارد بالليل كل الوجع طلع عليا، الآلام النفسية التي تسبق الدورة حادة ولا يوجد رفاهيه تفصحي فيها عن تعبك ووجعك، كل المشاعر متداخلة، مرعوبة على أهلي وخايفة على حالي..الانقباضات والأشياء التي تصير بتلك الفترة بتزيد مع كل ما تخافي من صوت صاروخ، وانتِ أصلا جسدك منكمش خالص».
1.1 مليون أنثى في غزة
ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في دراسته الصادرة في يوليو 2023، وصل عدد سكان قطاع غزة حوالي 2.23 مليون نسمة، من بينهم 1.10 مليون أنثى، ونحو 11% من الأسر الفلسطينية في القطاع ترأسها الإناث.
جرت العادة بمنزل سارة، أن يقوموا بتخزين الفوط الصحية بالمنزل، مما جعلها سعيدة الحظ خلال تلك أيام، فالفتاة التي تتمكن من الحصول على فوط صحية داخل قطاع غزة، أصبحت سعيدة الحظ الآن؛ فحتى الآن لم تتأثر الفتاة من خلو الأسواق منها، وصارت توزع مما لديها على باقي الفتيات التي تعرفهن، مضيفة: «البلاد يندر بها الفوط، ففي أول الحرب كانوا يوزعوا فوطتين فقط على كل بنت بمدارس الإيواء، فكانت تضطر البنات إلى غسل الفوط واستخدامها مرة أخرى، وهناك بنات أخرى اضطرت إلى تناول حبوب منع الدورة الشهرية دون استشارة طبية.. غير المتزوجات لم يتعودوا أن يكون لهم طبيب نسائي خاص، وبالحرب الأطباء منشغلون بحالات أكثر صعوبة».
من جانبه، يقول استشاري النساء والتوليد، إن وقت نزول الدورة الشهرية يحدث بعض الانقباض في عضلات الرحم للمساعدة على نزول بطانة الرحم التي تكونت في النصف الثاني من الدورة السابقة، والتي كانت تستعد لاستقبال جنين في حاله حدوث حمل، أما مع عدم حدوثه تنفصل تلك البطانة، وهنا يختلف الشعور بالألم من سيدة إلى أخرى كما أنه يتأثر بعدد من العوامل كحجم الرحم ووجود التهاب في الحوض وجود بطانة رحم مهاجرة وما شابه، وفي اعتقاده أن المشكلة الكبرى التي قد تواجه سيدات غزة، هو تكرار الالتهابات المهبلية نتيجة لصعوبة تبديل الملابس الداخلية باستمرار وندرة وجود الفوط القطنية النظيفة، وهذا مصحوب بزيادة نسب حدوث التهابات مجرى البول.
الإمدادات ضرورة لبقاء النساء والفتيات على قيد الحياة
قدّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن هناك ما يقرب من 493 ألف امرأة وفتاة تم تهجيرهن من منازلهن في غزة، في أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة عقب طوفان الأقصى، كما تزايد عدد الأرامل في القطاع، حيث أصبحت نحو 900 امرأة تعيل أسرهن بعد وفاة شركائهن الذكور، محذرة من أن هذه الأرقام ستستمر في الارتفاع إذا لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، داعية إلى وقف فوري لإطلاق النار للأغراض الإنسانية وإيصال الإغاثة، دون عوائق، بما في ذلك الغذاء والمياه والوقود والإمدادات الصحية التي قالت إنها ضرورية لبقاء النساء والفتيات في قطاع غزة على قيد الحياة.