الجمعة 01 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تهجير إجباري.. أخطاء في التعميق تقضي على الأسماك وأرزاق صيادي أكبر بحيرة في مصر | تحقيق

أحد صيادين بحيرة
تقارير وتحقيقات
أحد صيادين بحيرة المنزلة
الأحد 21/يناير/2024 - 05:31 م

لم يكن يتخيل الخمسيني طه محمد حسن أن يترك مهنة الصيد التي ورثها عن عائلته ويعمل بها منذ أكثر من 5 عقود، فهو تربى مع والده وجده في بحيرة المنزلة، التي تعد أكبر البحيرات المصرية، ثم أكمل مسيرة أسرته حتى حدث ما لم يتوقع.

ويقف طه محمد، ابن الجمالية بمحافظة الدقهلية، حافي القدمين على مقدمة مركب الصيد، ممسكًا بعود صلب طويل من الغاب، يغمسه في عمق بحيرة المنزلة بعد أن أدار المحرك، لم تكن مهمته هذه المرة الصيد؛ فهو ترك هذا العمل منذ عامين: "البحر دا اتربيت فيه وحياتي فيه، لكن البحر هو السمك، ولما يختفي السمك يبقى هنصيد إيه؟!".  

مشروع تعميق وتطوير البحيرة

ويوثق هذا التحقيق تعرض طه وأكثر من 30 ألف صياد في بحيرة المنزلة الواقعة على امتداد أربع محافظات مصرية لخطر التهجير الإجباري من البحيرة، وفقدان عملهم؛ بسبب تأثيرات بيئية خطيرة لمشروع تنفذه الحكومة المصرية لتعميق وتطوير البحيرة، بدأ منذ عام 2016، فيما يزعم الصيادون أنها أدت إلى انخفاض مخزون البحيرة من الأسماك، واختفاء أنواع كثيرة منها، بينما ترى الحكومة أن سبب اختفاء الأسماك يرجع إلى الصيد الجائر بأدوات ممنوعة.

ويقول طه، 58 عامًا، إنه وابنه وعائلته لم يتلقوا تعليمًا، لعملهم في مهنة الصيد بالبحيرة، وإن جده كان شيخ الصيادين في المنزلة، مضيفًَا أنه ترك الصيد في البحيرة، واتجه للعمل في مشروعات أخرى بعد انخفاض الأسماك فيها بمعدلات غير مسبوقة، لدرجة أنه في "السرحة" لا يصيد أسماك تُغطي تكلفة تشغيل المركب والعمال. 

"جابت وراها القحت في البحيرة وكل الصيادين سابوها، والبحيرة اتدمرت نهائيًا. كان فيها خير وسمك لكن دلوقتي مفيهاش أي حاجة"، خرجت تلك الكلمات من طه ممزوجة بالحسرة، مضيفًا أن البحيرة كانت تمتلئ بأنواع عديدة من الأسماك مش الشبار والقراميط والمبروك والقاروص والدنيس وغيرها، لكن الآن خالية سوى من نوعين؛ وهما الشر الأزرق والأخضر؛ وهما نوعان غير مطلوبين في السوق.  

يعود نقص أنواع الأسماك -حسب خبراء- إلى خلل التوازن البيئي في البحيرة؛ بسبب إزالة الحشائش والغاب، وزيادة نسبة المياه المالحة على حساب المياه العذبة لشق القنوات الإشعاعية بين البحيرة والبحر المتوسط، بالإضافة إلى تعميق البحيرة لأعماق تصل إلى ثلاثة أمتار، وهي أعماق لا يُمكن أن تتعايش في ظلها الأسماك المستوطنة للبحيرة كالبلطي، حسب ما قال شيخ الصيادين في بحيرة المنزلة سيد زكريا رجب.

يؤكد رجب الذي يشغل عضوية المجموعة الاستشارية للثروة السمكية عن المصايد والبحيرات، أن مئات الصيادين طالبوا القائمين على المشروع، وعلى رأسهم الهيئة العامة للثروة السمكية، بترك نسبة 10 في المئة من غاب وحشائش البحيرة، وأن يكون تعميق البحيرة لا يزيد عن متر ونصف المتر؛ لإعطاء فرصة لتكاثر الأسماك، لكن دون جدوى. 

شيخ الصيادين وعدد من الصيادين داخل بخيرة المنزلة

FAD_9496
FAD_9496

تؤكد الحكومة المصرية أن المشروع القومي لتطهير وتطوير "بحيرة المنزلة"، يسير وفق المخطط له، موضحة أن تطهير وتطوير بحيرة المنزلة مشروع مشترك بين محافظات دمياط والدقهلية وبورسعيد، وتم اختياره بعناية؛ ليكون مدخلًا لتطوير بحيرات مصر؛ خاصة إدكو والبرلس ومريوط والبردويل وقارون.

وتتميز بحيرة المنزلة التي تساهم بنسبة 16 في المئة من إجمالي الإنتاج السمكي المصري حسب دراسة بحثية نُشرت في عام 2017، بتنوع جغرافيتها، إذ تحتوي على مناطق ضحلة، ومناطق تتميز باتساع السطح، وتنطلق أهمية البحيرة من كونها موطنًا للطيور المهاجرة، للتكاثر، والتزود بالماء، والطعام، كما أنها تحتوي على أنواع مختلفة من الأسماك؛ مثل: البلطي، العائلة البورية، البياض، مبروك الحشائش، الجمبري، والكابوريا.    

 حجم الإنتاج السمكي من بحيرة المنزلة 

 

وتعتبر بحيرة المنزلة من كبرى البحيرات العذبة بمساحة تبلغ نحو 100 ألف فدان، وعمق يبلغ 1.15 مترًا، وتقع المنزلة في الجزء الشمالي الشرقي من دلتا نهر النيل، وتمتد لتتصل بثلاث محافظات؛ هي بورسعيد، والدقهلية، ودمياط، وتتقاطع حدودها الشرقية مع قناة السويس، ويحدها من الجهة الغربية فرع دمياط، ومن الجهة الشمالية البحر الأبيض المتوسط، بحسب دراسة سنوية لوزارة البيئة المصرية.  

وأضافت الدراسة أن التجفيف وتآكل التربة أديا إلى تقلص مساحة البحيرة من 750 ألف إلى 100 ألف فدان حتى عام 2020. 

وسط البحيرة العملاقة التي تزيد مساحتها عن 100 ألف فدان، تنطبع على وجه الصياد الثلاثيني محمد عبد المنعم عكاشة علامات التعب؛ فبعد ساعات من الصيد امتدت من الفجر حتى العصر، لم ينجح في صيد أسماك تُغطي تكاليف المركب والمرافقين له: "البحر من يوم ما اتخلى مفيش رزق والإنتاج مش مكفي العيشة، وكشفة البحر قللت السمك والتكلفة صعبة".

ورث عكاشة مهنة الصيد عن أبنائه وأجداده، ولم يعرف عملًا سواها، لكنه مُهدد بتركها بسبب نقص الأسماك في البحيرة نتيجة عمليات التعميق والتطوير الجارية -بحسب قوله- موضحًا أنه كان يصيد أسماك يوميًا بقيمة تبلغ نحو 500 جنيه، لكن الآن لا تبلغ قيمة ما يصطاده سوى 80 جنيهًا أو أقل. 

محمد عبد المنعم عكاشة.. صياد ببحيرة المنزلة يتحدث عن إنتاج السمك بالبحيرة

FAD_9555
FAD_9555

والنجاح الوحيد لمشروع تطوير وتعميق البحيرة بالنسبة لعكاشة وبقية الصيادين هو القضاء على الخارجين عن القانون والـ "البلطجية"، الذين كانوا يتخذون من البحيرة والحشائش والغاب الموجود بها مأوى لتجارة الأسلحة والمواد المخدرة، وغيرها من الأعمال الخارجة عن القانون.  

وطُرد مع البلطجية الصيادون أيضًا، إذ تسبب هذا المشروع في تهجير آلاف الصيادين من البحيرة؛ للعمل في مشروعات حكومية وخاصة بـ "اليومية" لإطعام أبنائه حسب عكاشة الذي يقول: "أغلبية الصيادين طلعوا البر يشتغلوا على يجيب اليومية لعياله، لأن مفيش إنتاج". 

ويفسر الصياد نقص الأسماك إلى القضاء على المراعي الطبيعية لها والحشائش والغاب التي يعتمد عليها السمك، بالإضافة إلى زيادة نسبة ملوحة المياه ونقص المياه العذبة: "الأول كان الصياد بيجيب 50 كيلو وأكتر دلوقتي بيجيب أقل من 15 كيلو طول اليوم"، مضيفًا أن هناك نقصًا كبيرًا في عدد الأسماك في الأسواق، باستثناء أسماك المزارع.   

بقايا الحشائش والغاب بعد إزالتها والتي تمثل ملجأ لسمك البحيرة

FAD_9668
FAD_9668
الأقمار الصناعية لبحيرة المنزلة في عام 2016
الأقمار الصناعية لبحيرة المنزلة في عام 2023

 

تخلو بحيرة المنزلة من الصيادين لكنها في الوقت ذاته تمتلئ بـ 320 حفارًا و20 كراكة قاطعة "شفاط"، تعمل على مدار الساعة في تعميق البحيرة وتطويرها، حسب ما أعلنه المهندس مجدى زاهر، المدير التنفيذى لبحيرة المنزلة، عبر الموقع الرسمي للهيئة العامة للثروة السمكية.

وتبلغ تكلفة هذا المشروع نحو 15 مليار جنيه، لتكريك أكثر من مليار متر مكعب، بحسب تصريحات رسمية، لإنها إهمال 100 عام للبحيرة، لكن رغم ذلك يؤكد شيخ الصيادين، السيد زكريا رجب أن أعمال تطهير بحيرة المنزلة تحتاج إلى إعادة دراسة؛ لمعرفة تأثيره على مخزون البحيرة السمكي.  

حفارات عملاقة تواصل عملها في تعميق بحيرة المنزلة

FAD_9545
FAD_9545
FAD_9590
FAD_9590
FAD_9596
FAD_9596
FAD_9648
FAD_9648

وذكرت الدكتورة نسرين عز الدين، أستاذ طفيليات الأسماك بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، أن التعميق بشكل عام فى بحيرة المنزلة يؤثر في المرابي والمراعي الطبيعية للأسماك، وعلى السمك المستوطن لبحيرة المنزلة؛ وهو سمك البلطى بأنواعه: الزيلى والأوريا والنيلى والجاليلى. 

وهذا النوع من الأسماك يتكاثر فى حفر أو جحور يبنيها فى أعماق تتراوح ما بين 15 و80 سنتيمترا، كما أنه يؤثر في المراعى الطبيعية؛ لأن النباتات المائية المغمورة التى تتغذى عليها الأسماك لا تنمو بكثرة إلا في أعماق تتراوح ما بين 20 و120 سنتيمترًا، ونادرًا ما تنمو هذه النباتات في محيط أعمق.  

وأوضحت أستاذ الأسماك بجامعة القاهرة، رئيسة مشروع تموله جامعة القاهرة لدراسة حالة المياه فى كل البحيرات المصرية -ومنها المنزلة- أن زريعة الأسماك البحرية تلجأ إلى المياه الضحلة في بحيرة المنزلة؛ هربًا من افتراس الأسماك الكبيرة لها، فيما يقضي التعميق على تلك الأماكن، مضيفة أنه كان يجب ترك نسبة من البوص في البحيرة الأم -جنوبي طريق دمياط بورسعيد- لأن أسماك القراميط تتكاثر، وتحمي صغارها فى البوص. 

وشددت على أن التعميق والتطهير ذوا أهمية، ولكن كان لابد أن يتما استنادًا إلى دراسات علمية، حتى يكون التعميق مفيدًا، وغير ضار بالحياة المائية، وتكاثر الأسماك بالبحيرة. 

وبحسب آخر تقرير رسمي لوزارة الزراعة -صادر بتاريخ 2014- فإن أسماك البلطى تحتل المرتبة الأولى فى إنتاج بحيرة المنزلة بمتوسط سنوي بلغ حوالي 27.2 ألف طن، وتمثل نحو 47.3 في المئة من إجمالي إنتاج الأسماك فى بحيرة المنزلة، تليها القراميط والعائلة البورية والبياض والجمبري ومبروك الحشائش.   

صياد ببحيرة المنزلة يعود بعد يوم عمل شاق بإنتاجية منخفضة لا تغطي التكلفة

FAD_9581
FAD_9581
FAD_9624
FAD_9624
FAD_9635
FAD_9635

وكشفت دراسة حديثة حول إنتاجية بحيرة المنزلة في الفترة من 2001 حتى 2018 عن تناقص الإنتاجية وأعداد الصيادين والمراكب العاملة في البحيرة. 

وأوضحت الدراسة التي أجراها عدد من الباحثين في جامعة الإسكندرية، أن إجمالي الإنتاج السمكي من بحيرة المنزلة بلغ حوالي 68.4 ألف طن عام 2001 وحوالي 65 ألف طن عام 2018 وبمتوسط سنوي بلغ حوالي 55.9 ألف طن وبنسبة بلغت نحو %43،7 من الإنتاج السمكي لبحيرات شمال الدلتا خلال فترة الدراسة. 

بينما بلغ عدد مراكب بحيرة المنزلة حوالي 3.26 ألف مركب عام 2001، وحوالي 1.69 ألف مركب عام،2018 وبمتوسط سنوي بلغ حوالي 2.55 ألف مركب، بنسبة تناقص سنوي، بينما بلغ  عدد صيادي بحيرة المنزلة حوالي 9.78 ألف صياد عام 2001 وحوالي 5.07 ألف صياد عام 2018، حيث يتضح أن عدد صيادي بحيرة المنزلة يتناقص بمقدار 0.41 ألف صياد. 

أخذنا شيخ الصيادين وهو أيضًا عضو المجموعة الاستشارية للثروة السمكية عن المصايد والبحيرات، في جولة في بحيرة المنزلة، موضحًا أن السمك الرئيس في البحيرة هو البلطي وهو يبني بيوته وجحوره في أعماق من 20 إلى 80 سنتيميترًا؛ وبالتالي ليس هناك حاجة لهذه الأعماق التي يتضمنها المشروع، خاصة وأن السمك في البحيرة يعتمد على التغذية الطبيعية كالنباتات المغمورة والطحالب، على عكس المزارع السمكية التي تعتمد على التغذية الخارجية.

مسك زكريا عصا الغاب الذي يزيد طوله عن خمسة أمتار، ودفع به نحو المياه ليقيس عمق البحيرة بعد التعميق، لتغوص العصا لما يزيد عن ثلاثة أمتار، وفي مناطق أخرى بلغ العمق أربعة أمتار بعد عمليات التعميق، علق شيخ الصيادين على هذه النتائح بقوله: "إزاي في سمك البحيرة هيعيش في العمق دا؟! مستحيل".   

شيخ الصيادين وعدد من الصيادين داخل بخيرة المنزلة

FAD_9507
FAD_9507
FAD_9611
FAD_9611

وبحسب بيان لمنظمة الفاو، تأتي مصر في المرتبة الأولى على المستوى الإفريقي، والسادسة عالميًا في الإنتاج من الاستزراع السمكي، بعد أن كانت في المركز الثامن بين أكبر 15 دولة منتجة للأسماك من الاستزراع السمكي، وفق إحصاءات منظمة الفاو لعام 2014، وبلغ إنتاج قطاع الثروة السمكية في مصر في آخر إحصائية صادرة عن منظمة الفاو عام 2020، مليوني طن من الأسماك من المزارع والمصايد، وهو ما وضع مصر في مرتبة متقدمة عالميًا وإقليميًا.  

يشير زكريا بيده يمينًا ويسارًا في الجزء الجنوبي من البحيرة -الجاري فيه أعمال التعميق- مؤكدًا أن البحيرة خالية من الصيادين لعدم وجود أسماك، موضحًا أنه في الأوقات السابقة كان يوجد ما لا يقل عن 50 مركبًا للصيد بالبحيرة: "أنت قضيت على المرابي الطبيعية للسمك، والأماكن التي يتكاثر فيها بسبب العمق الكبير، السمك بعيش حوالين الزرع في البحيرة".

وأكد زكريا أن هذا المشروع أنهى عمل من 30 إلى 40 ألف صياد، بسبب تعميق البحيرة لنحو ثلاثة أمتار، مضيفًا أن الصيادين كانوا يتمنون إزالة أجزاء من الغاب والحشائش وليس إزالته بالكامل، لأن أسماك البلطي والقراميط تلجأ إلى الاحتماء والتكاثر في هذه الحشائش، بالإضافة إلى أن زريعة الأسماك المقبلة من البحر إلى البحيرة تلجأ إلى الأماكن الضحلة التي يبلغ عمقها 20 سنتيمترًا؛ حتى لا تأكلها الأسماك الكبيرة.

 وأوضح شيخ الصيادين أن التأثير الإيجابي للمشروع يتمثل في القضاء على العصابات التي كانت تحتمي في الغاب والحشائش، لكن أتى ذلك على حساب انخفاض المخزون السمكي، بسبب القضاء على المرابي الطبيعية، وتهجير آلاف الصيادين، مطالبًا بالاكتفاء بهذا القدر من التعميق والاستماع إلى الصيادين.

رجب زكريا صياد

FAD_9793
FAD_9793

الدكتور معاطي قشطة، أستاذ دكتور بمركز البحوث زراعية، ارتبط منذ صغره ببحيرة المنزلة، لأنه من أسرة تعمل بالصيد. يشرح قشطة أن البحيرة كانت الأحسن والأخصب في العالم، وكانت مساحتها 750 ألف فدان، ثم انكمشت طوال عقود ماضية إلى 250 ألف فدان، بعد إزالة التعديات عليها خلال السنوات الأخيرة.

وأوضح أن خطة تطوير البحيرة تتضمن ثلاثة محاور أساسية؛ وهي تعميق البحيرة، وإزالة الحشاش والكساء النباتي بالكامل، وعمل قنوات شعاعية تربط البحيرة بالبحر الأبيض المتوسط عن طريق البواغيز.

يؤكد قشطة أن عملية تعميق البحيرة لها آثارًا سلبية خطيرة دون وجود أي إيجابيات، لأن البحيرة بصورة طبيعية كانت تحتوي على جميع الأعماق بداية من 10 سنتيمترات وحتى مترين؛ وهو ما يساعد في نمو الأسماك، مؤكدًا أن وصول عمق البحيرة إلى  ثلاثة أمتار يعني خروجها من الخدمة، ويحد من إنتاج الأسماك.

وأضاف أن العمق الضحل - 20 سنتيمتيرًا- غني بالمواد الغذائية لأن الضوء يصل للقاع والكائنات الدقيقة المتوفرة تجذب الأسماك، فيما تنمو الحشائش في العمق المتوسط بداية من 50 إلى 120 سنتيميترًا، وتكون مرعى للأسماك الطبيعية. 

وفيما يتعلق بتأثير المشروع في ملوحة البحيرة، أكد أن البحيرة كانت تتميز بالتوازن والتدرج في نسبة الملوحة؛ فملوحة المياه من الناحية الغربية والجنوبية من البحيرة -في مناطق مصبات الصرف الزراعي والترع- تتراوح بين ألف جزء في المليون وثلاثة آلاف جزء في المليون، وتترفع درجة الملوحة كلما تم الاتجاه نحو الشمال والشمال الشرقي بإتجاه البواغيز التي تصل البحر المتوسط بالبحيرة، مؤكدًا أن الأسماك التي تأتي من البحر الأبيض كانت تحب المياه "الشروب" -وهي المالحة الخليطة بالمياه العذبة- لكن هذه المياه لم تعد موجودة لأن مياه البحر طغت على المياه العذبة.   

مقارنة كمية الإنتاج وأعداد الصيادين المراكب في بحيرة االمنزلة

وفيما يتعلق بالقنوات الإشعاعية التي تربط بين البحر والبحيرة، أشار إلى أن وظيفتها هو التحكم في المياه المالحة التي تدخل من البحر إلى البحيرة عبر بوغازين؛ اسمهما الجميل 1 والجميل 2، بهدف السيطرة على الملوحة ومنع عملية الإغراق من الفيضان وكذلك مياه البحر الأبيض، مؤكدًا أن البوغازين مفتوحان؛ ما تسبب في ارتفاع ملوحة مياه البحيرة، والقضاء على أنواع عديدة من الأسماك.

قشطة أكد أيضًا أن إزالة الكساء النباتي كان له تأثيرات كارثية؛ لأنه كان مأوى طبيعيا للأسماك وحمايتها من البرد والصيد والجائر، وتشكل مناطق آمنة لتكاثر السمك، لافتًا إلى أنه كان هناك اتفاق مع القائمين على المشروع  لترك نسبة 20 في المئة من الحشائش، لكن لم يتم ذلك وأصبح السمك بلا مأوى.

 واستكمل قائلًا: "عندما أزيلت كل الحشائش والجزر الموجودة، ونتيجة لعملية المد والجزر التي تحدث في البحر المتوسط، تغزو مياه البحر المتوسط عالية الملوحة التي تصل إلى 35 ألف جزء في المليون بحيرة المنزلة، بالإضافة إلى نوة المكنسة التي تؤدي إلى انخفاض منسوب البحيرة، وبالتالي تقل المياه العذبة وترتد مياه مالحة من البحر، وهو ما تسبب في تحول مياه البحيرة إلى مياة مالحة، لدرجة أن الملوحة وصلت إلى 35 جزء في المليون بعد أن كانت 5 آلاف جزء في المليون".

وأكد أن نتيجة لتلك العوامل انقرضت أهم الأسماك الموجودة في البحيرة التي تمثل 95 في المئة منها؛ وأهمها السمك البلطي النيلي، وقشر البياض، والقرموط، عدا التي تعيش في مناطق مصب المياه العذبة والتي تكون ملوحة المياه مناسبة لها.  

حجم الإنتاج من بحيرة المنزلة من الأسماك  بحسب النوع بالنسبة المئوية

كان لعملية التطوير تأثيرات كبيرة في الصيادين بطريقة "الجوبيا"، وهي الصيد من دون مركب؛ أي باستخدام قفص وشبك على أعماق أقل من متر، حسب قشطة، الذي أشار أيضًا إلى أن البحيرة أصبحت خطرة بسبب عمقها، وأدت في عام واحدة إلى مصرع خمسة صيادين بسبب غرق مراكبهم. 

وطالب الباحث المصري بعقد اجتماع بين القائمين على المشروع وحكماء الصيادين؛ لوضع آليات لتقليل الآثار الضارة للبحيرة، وكيفية العمل على تقليل الملوحة والسيطرة عليها مع العذبة، وعودة نسبة الغاب والحشائش، مع نزول لجان إلى أسواق السمك المحيطة بالبحيرة لمشاهدة الأسماك الموجودة.

الدكتور معاطي قشطة، أستاذ دكتور بمركز البحوث زراعية

FAD_9747
FAD_9747

نقص الأسماك في بحيرة المنزلة أدى إلى تناقص أعداد الأسماك المتوفرة في الأسواق، فحسب صياد سابق وتاجر أسماك يملك محلا لتجارة الأسماك بشطا الواقعة على بحيرة المنزلة بدمياط، فإن البحيرة كانت تحتوي على كل أنواع السمك قبل التعميق، لكن الآن لا يوجد بها سوى شبار الأبيض والأخضر ذي الأحجام الصغيرة، وهو غير مطلوب في السوق. 

وأضاف تاجر الأسماك أن تعميق البحيرة وإزالة الحشائش والغاب أدى إلى انهيار المخزون السمكي؛ لأن الأسماك تتغذى وتحتمي وتتكاثر فيها، موضحًا أن عدد الصيادين انخفض بشكل كبير لهجرتهم من البحيرة للعمل بالمشروعات واقتصر الصيد على كبار السن.  

تاجر الأسماك على ضفاف بحيرة المنزلة

تاجر الأسماك على ضفاف بحيرة المنزلة
تاجر الأسماك على ضفاف بحيرة المنزلة

لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة للستيني رأفت أبو جبة، المقيم في مدينة شطا دمياط، فيما يتعلق بتأثير عمليات التعميق والتطوير فيه، لكن الأكثر ضررًا -بالنسبة له- هو عمليات إلقاء القبض على الصيادين من دون أي سند قانوني، لكن لمجرد صيدهم في البحيرة. 

يقول أبو جبة، الذي يعمل في مهنة الصيد منذ 52 عامًا، إن مخزون الأسماك في البحيرة ليس كالسابق بسبب عمليات التعميق، لكن بعض الصيادين تعايشوا مع هذا الوضع خاصة في ظل عدم وجود أي مصدر رزق آخر "نمارس الصيد للحياة". 

أبو جبة -أب لأربعة أبناء- أكد أنه جرى القبض على العديد من الصيادين لمجرد صيدهم، وهو أثار مخاوف جميع الصيادين، مضيفًا أنه لا ينزل البحيرة للصيد إلا في الوقت الذي لا توجد فيه حملات شرطة المسطحات التي تلقي القبض العشوائي على الصيادين، وليس فقط الصيادين المخالفين. 

يؤكد الصياد ببحيرة المنزلة ضرورة أن تعمل الجهات المختصة على أسس قانونية معلن أو منع ممارسات محددة في الصيد، لأنه يجرى الآن القبض على صيادين من دون سبب، مقترحًا أن يتم منع الصيد في مناطق محددة والسماح بها في مناطق أخرى، ثم العكس بصورة مستمرة حتى يزيد المخزون السمكي في البحيرة.  

أبو جبة صياد ببحيرة المنزلة.. ترك مهنة الصيد بعد انخفاض إنتاج البحيرة

FAD_9782
FAD_9782

الثروة السمكية ترد 

رد الدكتور مجدي زاهر، المدير التنفيذى لبحيرة المنزلة، بقوله إن ما قاله الصيادون عار من الصحة، لافتًا إلى أن السبب في انخفاض مخزون البحيرة من الأسماك يرجع إلى الصيد المخالف بالكهرباء والجر الذي تسبب في صيد زريعة الأسماك الصغيرة. 

 وأضاف أنه يتم ضبط كميات كبيرة من زريعة الأسماك يوميًا، بعد صيدها من البحيرة، وهو ما يتسبب في انخفاض المخزون السمكي بالبحيرة، مشددًا على أنه حال وقف الصيد بالكهرباء والصيد الجر سيكون إنتاج البحيرة لا يقل عن 250 ألف طن في السنة. 

 وعلى الرغم من تأكيد الصيادين أن عملية التعميق تسببت في انخفاض المخزون السمكي، فإن زاهر أكد أن عمليات التعميق والتطوير تتسبب في وجود أسماك القاروص والدنيس وكابوريا وجمبري بالبحيرة، بعد أن كانت مقتصرة على القراميط والبلطي.  

عمليات التعميق بالبحيرة

FAD_9589
FAD_9589
FAD_9596
FAD_9596
FAD_9599
FAD_9599
FAD_9606
FAD_9606
FAD_9634
FAD_9634
FAD_9664
FAD_9664

وأشار إلى أن عملية التطوير استهدفت إزالة الجزر العالية التي لا تصل إليها المياه، وكذا المنازل وحظائر المواشي وسط البحيرة المقامة بالمخالفة للقانون، لافتًا إلى أن التعميق بالبحيرة يتراوح ما بين متر و60 سنتميرًا ومتر و70 سنتيمترا، وأقصى عمق يبلغ مترين و20 سنتيمترًا في مناطق معينة بمصب بحر البقر، بسبب تراكم الرواسب منذ سنوات طويلة. 

وأضاف أنه لم يتم الاقتراب من الأعماق التي تبلغ ما بين 60 سنتيمترا و70 سنتميترا في البحيرة القديمة في مناطق لاجان وبحر كرومولس وشرشيرة وتل أصيل في مقطع القرش الموجودة به القناة الشعاعية، لافتًا إلى أن عمليات التعميق كانت في مناطق بها تلول وجزر ومنازل تسببت في وقف سريان المياه.  

بحيرة المنزلة بعد مشروع التطهير والتعميق

FAD_9539
FAD_9539

وحول ملوحة البحيرة، أشار زاهر إلى أن البحر الأبيض المتوسط يسحب من بحيرة المنزلة وليس العكس، لكن الملوحة تزيد فقط في فترة الشتاء، بسبب زيادة منسوب سطح البحر. 

 ولفت المسؤول بالهيئة العامة للثروة السمكية أن الهدف من مشروع تطوير وتعميق البحيرة هو زيادة المخزون السمكي بأنواع مختلفة من الأسماك، مشيرًا إلى أن البحيرة كانت تعتمد على أسماك القرموط والبلطي، لكن الآن دخل لها أصناف جديدة من لوت وقاروص وجمبري وكابوريا. 

 وحسب زاهر سيتم الانتهاء من عمليات التكريك في المشروع في ديسمبر المقبل، ثم يتم إطلاق خطة تطوير استثماري وسياحي، تتمثل في إنشاء موانئ صيد عالمية نموذجية، وتوفير نظام الصيد باليوم الواحد، وغيرها من عمليات التطوير. 

مراكب على ضفاف بحيرة المنزلة قرية شطا- دمياط
مراكب على ضفاف بحيرة المنزلة قرية شطا- دمياط

هذا التحقيق أنجز مع CIJ بالتعاون مع منصة المناخ بالعربي ضمن زمالة الصحافة الاستقصائية للمناخ

تابع مواقعنا