تذكرتي رايح جاى
• من القصص اللي ليها صيت أدبي عالمي ومبنية على قصة حقيقية واقعية حصلت في إنجلترا في الخمسينات قصة الطفل "مارتان" وأسرته.. "مارتان" هو الابن الوحيد لوالد ووالدة قضوا جزءا كبيرا من فترة جوازهم بدون إنجاب لظروف خارجة عن إرادتهم هما الاتنين أو بمفهومنا إحنا ربنا لم يشاء إن ده يحصل إلا في وقت معين.. بالتالي لما جه "مارتان" للدنيا كان زى بُوق الميه اللي روى الأب والأم بعد فترة عطش طويلة.. الميزة كمان إن "مارتان" مش بس أخد حنية أسرته الصغيرة لكن أخد كمان عطف وحنان مالوش آخر من جدته والدة والدته واللي كانت ساكنة في مدينة بتبعد عن بيتهم بحوالي ساعة ونص بالقطر فكان مرواح الجدة لبيت بنتها وحفيدها أو مرواحهم هما التلاتة ليها أمر سهل وبسيط ومتكرر.. مع تقدم الجدة في العمر بقى المشوار تقيل عليها صحيًا فبقت العادة الثابتة هي مرواح الأسرة للجدة في بيتها.. مجرد ما تيجي إجازة الصيف الدراسية الأب ياخد زوجته وابنه في إيده ويركب القطر ويروحوا على بيت الجدة يقعدوا هو ومراته يوم واحد أو يومين ويسيبوا "مارتان" ويرجعوا على بيتهم ويخلوه هو يقضي إجازة الصيف مع جدته ويرجعوا ياخدوه في نهايتها.. لحد هنا عظيم.. كبر "مارتان" وبقى عنده 7 سنين وقبل الأجازة السنوية المعتاد طلب من والده طلب غريب شوية.. طلب منه إنه يروح لجدته لوحده السنة دي!.. يعني مفيش اعي إنك تعطل نفسك من شغلك وتتعب أنت وماما عشان مجرد تيجوا توصلوني وترجعوا تاني يوم!.. حرام!.. هو كان شايف إن القصة كلها في ركوب القطر ثم ركوب حنطور من باب المحطة لبيت جدته فمش قصة يعني.. الأب كان متخوف وشايف إنها جرأة مالهاش لزمة من الولد اللي لسه فعلًا صغير!.. الأم تدخلت وأقنعت الأب والحقيقة إنها اقنعته من نفس الزاوية اللي أقنعتها هي نفسها وهي حبهم للولد وإنهم مش بيبقوا عايزين يكسروا بخاطره.. وافق الأب وراح هو وزوجته للمحطة مع "مارتان" وطبعًا لك أن تتخيل كمية النصايح اللي فضلوا يقولوها للولد.. "مارتان" اللي كان بالفعل من الليلة اللي قبلها بيسمع منهم نفس الكلام قال بزهق طفولي واضح إن كفاية كده بقى أنا فهمت خلاص ومش غبي للدرجة دي!.. الأب تمالك نفسه وقال بهدوء للولد في ودانه "خذ هذه الورقة وأنظر إليها إذا شعرت بالخوف أو بالمرض في أى لحظة".. قال الجملة وحط ورقة مقفولة ومتطبقة في جيب "مارتان" بتاع القميص من فوق.. الولد هز راسه بالموافقة اللي هو خلصوني عشان القطر هيتحرك وسلم عليهم ونط بسرعة في القطر اللي كان بدأ يتحرك ببطء.. بداية الرحلة كانت ممتعة لـ "مارتان" اللي ضاع الجزء الأول من وقته في الفُرجة على منظر الشجر والخُضرة اللي بتعدي من جنب القطر.. شوية وجه حد غريب قعد جنبه.. حد ملامحه مش مريحة فبدأ الولد يلزق جسمه في الكرسي ويميل أكتر ناحية الشباك ويتحاشى البص له.. شوية كمان جه كمسري القطر وسأله أنت لوحدك إزاى فالولد طلع له التذكرة بتاعته وقال له إنه بقى كبير ومش محتاج حد معاه.. بدأ بعدها يركز في وشوش الناس اللي قاعدين على الكراسي حواليه وجنبه.. كل واحد ملهي في حاله.. اللي بتلاعب بنتها الرضيعة، واللي بيقرا جورنال، واللي بياكل، واللي بيدردشوا سوا، واللي واللي واللي!.. ناس تطلع للقطر في محطات، وناس تانية تنزل، ووضع كإنه أول مرة يشوفه!.. يا ابني ما أنت بتركب القطر طول عمرك مع أبوك وأمك وكنت بتبقى عادي!.. أيوا بس ماكنتش بكون شايف تفاصيل الناس عن قُرب أوي كده.. شوية كمان وبدأ "مارتان" يحس بالغربة والوحدة والحزن!.. شوية وبدأ الخوف يتملك منه.. يمكن كمان كانت أصعب مرة يحس فيها بالبرد رغم إن الشمس طالعة!.. بدأت إيده تترعش جامد، وجبينه اتملى بالعرق وحس إن مسألة وصوله لجدته مستحيلة وهو سليم!.. فجأة افتكر الورقة اللي كان والده إدهاله قبل ما يسيبه وافتكر الجملة بتاعته اللي قالهاله.. "خذ هذه الورقة وأنظر إليها إذا شعرت بالخوف أو بالمرض في أى لحظة".. فورًا وبدون تفكير مسك الورقة وفتحها وقرا اللي فيها.. "مارتان ولدي الحبيب، أنا في المقصورة الأخيرة في القطار ومعي والدتك".. الولد قام من الفرحة وهو مش مصدق وجري للعربية اللي ورا اللي وراه عشان يوصل لآخر عربية وفعلًا لقى والده ووالدته أول اتنين قاعدين وقاموا وأخدوه في حضنهم وكانت من أحلى الرحلات اللي عملتها الأسرة لزيارة الجدة.
• غياب الأب أو الأم عن الصورة في تربية أولادهم وعدم وجودهم جنبهم وتحت ملاحظتهم للأسف بتكون السبب في ضياع الأولاد بعد كده.. أكتر من نص مشاكل الوقت الحالي سببها إن فيه فئة كبيرة ماشافتش تربية.. لو أنت أب أو أم صاحبوا ولادكم وخلّوا بينكم وبينهم جسر ثقة ومساحة حرية بدون ضغوط تبقوا من خلاله أول حد يجروا عليه عشان يفضفضوا، وأول حد يلحقهم لو اتعرضوا لخطر.. جايز تكون من المحظوظين اللي اتربوا صح، وجايز تكون من الأبناء اللي ماكنش ليهم نصيب في دفا الأسرة اللي بيحلموا بيها.. بغض النظر عن الأسباب قسوة بقى أو عنف أو قلة اهتمام مش مهم المهم إن عندك فرصة ماتعملش ده مع ولادك لما تخلف وتعوضهم باللي ماحصلش معاك.. مساحة حرية تحت النظر بتضمن وجودهم للأبد تحت جناحك وقبل وجودهم بتضمن حبهم والأهم بتضمن إنك هتسيب من بعدك في الدنيا ناس أسوياء.