المنع والإباحة ما بين العقل والتكليف
كنت أدرك منذ اللحظة الأولى أن المنع والإباحة عندي لم يكونا مرتبطين بما يقوله رجال الدين، أو حتى بما كنت أذاكره وأتعلمه وأقرأ عنه داخل كتب التراث. الأمر كان يمر دوما على عقلي ومشاعري وأحيانا مخاوفي، وبعض من تجارب صغيرة أدركت من خلالها معاني لا يمكن أن تستقيم مع نفس تريد الاستقرار الداخلي.
كان والدي رجلا أزهريا بالأساس، وتخرج من كلية الشريعة والقانون، وقد منحني وقتها مكتبة كبيرة فيها تنوع فهمته اليوم.
ما بين تفسير ابن كثير وثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ ولا تطفئ الشمس لإحسان عبد القدوس. رياض الصالحين وبعض من قصص قصيرة لكاتب نزع إخوتي الصغار عنوان كتابه، كنت قد أتممت قراءة أغلبها قبل أن أكمل الثانية عشرة من عمري.
كنت أقرأ أمورا تصيب عقلي بالصدمة كزواج عائشة الطفلة، لم أتقبل أبدًا أن هذا أمر مقبول، كنت أرى فيه قسوة واستباحة لا يمكن تبريرها، وهو ما دفعني فيما بعد للتأكد من صحة الرواية أصلا. ثم كل الأمور المتعلقة بالمرأة وكيف يتم التعامل معها على أنها نصف رجل إلا عند الجماع والزواج يستخدم جسدها وكأنها ربما بهيمة اعذروني.
الزواج الذي لا يعرف الرجل شيئًا عمن سيشاركها حياته غير كونها عضو للتناسل والإنجاب له وحده لا يختلف عن تزاوج حيوانات المزرعة التي لا تبتغي الحياة إلا لكونها غريزة تدفعها للأكل والتكاثر. تعدد الزوجات وأعداد الإناث عالميا وطبيعة المرأة وجدت حولهم جهلا كبيرا وادعاءات لا ترقى لفهم ماهية الأنثى أو الزوجة، الأنثى التي لا يكتمل عطاؤها إلا بحسن العشرة والتوافق بينها وبين الذكر، والذي يجعلها كافية وتجعله هو أيضا كافيا لها.
الغريب أن محاولة قص وتعديل طبيعة الإنسان وإقناعه بأمور عنه غير حقيقية كانت دوما هدف كتب التراث، وكانت مدخلا لفرض واقع يشبه القيد الذي يمنع من التطور، لأن بذرة التطور تكمن أساسا في الفضاء الذي يحلق فيه العقل بعيدًا عن القيود، فيخلق من الخيال واقعا تقدميا يسخّر لحياة أفضل تجعل فكرة الجنة ذاتها ليست حكرًا على حياة ما بعد الموت، لماذا لا تعيش حياة جيدة دون أن تعصي الله؟
لقد اقترنت في عقولنا فكرة مفادها أن طاعة الله تتعارض مع السعادة في هذه الحياة، جعلتها تدور حول السعادة الروحانية غير المرتبطة بملذات الحياة، رغم أن الروحانية أي استقرار الداخل يأتي أصلا من حالة الإشباع؛ الإنسان الجائع تعيس لدرجة كبيرة وعقله دوما مشغول بما يحتاج إليه. لذا أتصور أن يكون القصد دوما من الإصلاح الفكري هو تحقيق هذا الإشباع وأخذ الأمور التي تسبب تعاسة للإنسان موضع جد، أي أن يكون رفع الضرر هنا ضرورة. وأن النفس ليس عليها أن تعاني كي تصبح صالحة، الأمر على العكس تمامًا لأن المعاناة قد تدفع البعض إلى تشوهات داخلية وعنف مجتمعي يخرب ولا يبني أبدًا.
إن العقل هو وسيلة إدراك هذا الوجود، وبالتالي أي محاولة لعدم وضعه محل حكم في الأمور لن يفضي إلا لمزيد من التدهور.
وما زلت أتعجب من مقولة أنه لولا أن حرم الله زواج الأم والأخت لكنا نفعل ذلك، وكأن الله أمر بذلك دون سبب يستقيم بالأساس مع العقل، حديثا توصل العلم إلى أن زواج الأقارب يسبب أمراضا جينيه، دوما هناك علة للمنع، وطالما يستقيم العقل والمعرفة مع الحلال والحرام فنحن أقرب لمراد الله.