هل باع الفلسطينيون أرضهم؟
كنت في أحد المحلات أشتري بعض الأغراض ورأيت طفلا يطلب من أمه أن تشتري له أحد المنتجات، فقالت له الأم “عيب الحاجات مقاطعة عشان الحاجات دي سبب في موت إخواتنا”، حتى سمعت إحدى السيدات ترد قائلة: "حرام عليكي تحرمي ابنك دول باعوا أرضهم"، كاد عقلي ينفجر من هذه المقولة، فأخذت في البحث عن الحقيقة "هل باع الفلسطينيون أرضهم"؟
لنعد بالزمن 120 عاما عندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول، وكان أحد قرارته إنشاء صندوق قومي لليهود لجمع الأموال لشراء أرض في فلسطين، في ذلك الوقت 1900م كانت أرض فلسطين تحت الحكم العثماني، والحكم العثماني كان يمنع امتلاك الأجانب للأراضي في فلسطين، وكانت حيلة اليهود هي أن يعطوا أموالهم لليهود العرب لشراء أراضٍِ، ولم يكن لدى الفلسطينيين أي معرفة عن نوايا الصهاينة عن إقامة دولة لليهود.
وعد بلفور
انهارت الخلافة العثمانية وبدأ الانتداب البريطاني وكان من أهم قراراته العمل بكل قوة لمساعدة اليهود في إنشاء وطن قومي لهم، وصدرت مئات القوانيين التي تسهل هجرة اليهود لفلسطين، ووصل الأمر إلى الاستيلاء على أراضي فلسطين بالقوة وإعطائها لليهود، وكان ذلك الدعم رسميا من الحكومية حتى وصلت الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطانية عام 1917 إلى روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور، هي أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين، وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهدا بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وفي أثناء احتلال بريطانيا لفلسطين كانت تعطي السلاح للعصابات الصهيونية وفي نفس الوقت تعتقل أي فلسطيني يمتلك سلاحا، وذلك تمهيدًا لوأد أي مقاومة فلسطينية ضد اليهود.
المقاومة الفلسطينية
منذ اللحظة الأولى للاستيلاء على أرض فلسطين بدأ الفلسطينيون المقاومة المسلحة بأسلحة قديمة موجودة منذ العهد العثماني ضد الإنجليز واليهود، حتى جاء عام 1947 لترفع بريطانيا ملف فلسطين إلى الأمم المتحدة، وكان القرار هو إعطاء نصف مساحة فلسطين لليهود، احتفل اليهود بهذا التقسيم ورفض الفلسطينيون ذلك القرار، ومع رفض الفلسطينيين ترك منازلهم وبيوتهم، بدأت عصابات اليهود في قتل أهل فلسطين وارتكاب أبشع المجازر وأشهرها مجزرة دير ياسين فكل هذه المجازر من أجل إخراج الفلسطينيين من أرضهم والاستيلاء عليها.
فشل اليهود في شراء أرض فلسطين
على الرغم من كل محاولات اليهود لشراء الأراضي ودفع الأموال والتحايل الذي استمر نصف قرن ومساعدة البريطانيين من سرقة واغتصاب أراضٍ وإعطائها لليهود، فإنهم لم يفلحوا في السيطرة إلا على 5% فقط من مساحة فلسطين حتى عام 1947، والسبب في خسارة مساحة أرض فلسطين هي مساعدة بريطانيا لليهود في الاستيلاء على أي أرض فلسطينية بقوة السلاح، وثانيها هي المجازر التي ارتكبها اليهود في حق الفلسطينيين، والسبب الثالث هو قرارات تقسيم الأمم المتحدة لأراضي فلسطين بين العرب واليهود، والسبب الرابع هو الاستيطان الذي استمر حتى اليوم، إذن لم يكن البيع سببا على الإطلاق في خسارة أي أرض، وحتى مساحة 5 % التي كان يمتلكها اليهود حتى عام 1947 في الأصل ليست شراء وإنما تم الاستيلاء عليها وسرقتها.
والحقيقة التي وصلت إليها بعد بحث أن المقولة في الأساس هي دعاية صهيونية بأن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم، وأن اليهود اشتروها "بالحلال" من أموالهم، ومن هنا لا يستطيع الفلسطينيون أن يطالبوا بالعودة إلى أراضيهم مرة أخرى، لكن الفلسطينيين لم يتركوا أرضهم، ولم يفرطوا فيها، بل دافعوا عنها بدمائهم، وما نشاهده اليوم من مجازر وحشية في غزة واستماتة أهلها خير دليل على تمسكهم بأرضهم وعدم تفريطهم فيها حتى بالدم.