محمد الصغير الذي انحنت له رؤوس الملكات والأميرات
وصلت مكانة مصفف الشعر، الذي غيّر من مكانة المهنة، ليصبح اسم محمد الصغير ماركة مسجلة، وأنه أصبح مثله مثل علية القوم من الأثرياء وأباطرة المال، يدعو النخبة في بيته علي حفلات عشاء، وكان ضيوفه من هوانم وكبار البلد، اللائي كان بعضهن يستقتلن من أجل أن يكن محظوظات بدعوة الصغير علي حفل عنده، وحدث أن دعا الراحل عددًا من نخبة المجتمع علي عشاء في بيته، في فبراير من العام الماضي، وحدث أنّ سيدة من عائلة كبيرة دخلت الحمام، وخلعت خاتمها الألماظ الكام قيراط، والمحبس الألماظ أيضا، وخرجت وقد نسيت هذه المجوهرات، ولما تذكّرت هرولت عائدة للحمام فلم تجد شيئا، ولما أخبرت الراحل، قال لها لا تحزني، مؤكد من وجده سيعود ويسلّمه الآن إلينا، وانتهت الليلة دون أن ُيعيد أحد من الضيوف هذه المجوهرات، فقال لها الصغير لاتقلقي، لدينا كاميرات أمام باب الحمام، وسنعرف منها مَن التي دخلت الحمام بعدك، وبالفعل تم فتح الكاميرات وتفريغها، ويتم معرفة السيدة التى دخلت الحمام عقب نسيان المجوهرات، وهنا ذهبت السيدة التى نسيت ألماظها، للسيدة التي دخلت بعدها الحمام، تطلب مجوهراتها، فنفت هذه السيدة، أن تكون قد وجدت شيئا، فقالت لها، ولكنك أنتِ من دخلتي بعدي بثواني، ولم يدخل أحد بعدك، المهم من هنا لهنا مفيش فايدة، فقامت السيدة التى نسيت ألماظها بالتوجه لقسم الشرطة و تحرر محضر بالواقعة، ولم تجد نتيجة ليجئ الصيف الماضي، وتكون الفضيحة المدوية التي تحدّث عنها الساحل كله، حيث كانت السيدة المسروق ألماظها، قد أخبرت من تعرفهن، وأوصت صديقاتها إذا شاهدن هذه السيدة، التي كانت قد دخلت بعدها الحمام، وهي بالمناسبة اسكندرانية من عائلة كبيرة، أن يخبروها، وقد كان.
ففى أحد الأيام دخلت الاسكندرانية مطعما شهيرا بالساحل، وفي ثواني أبلغ أصدقاء السيدة المسروق ماسها، ولم تمر سوى دقايق حتى وصلت، لتجد الخاتم الكام قيراط دلاية في رقبة الاسكندرانية، فهجمت عليها وأخدته منها بالقوة، وقد تدخل أقارب السيدة حتي لايصل الأمر للشرطة من جديد، وطلبت السيدة المسروقة المحبس الألماظ، فرفضت السارقة رده لأنها قد باعته، فاضطر أحد أقارب السارقة لدفع مبلغ مالي كبير، وكانت حكاية الساحل والصيف الماضي، التي بدأت في عشاء عند الصغير، وانتهت فصولها بأحد المطاعم وعلي الملأ. ومن بعدها، قرر الراحل تقليص الأمر وعدم دعوة أحد، ودخلنا في أزمة انتشار فيروس كورونا، الذى كان سببًا في رحيل اسم من ذهب، وعلامة تفتخر بها كل مصر.
جو رعد أم الصغير؟.. الصغير طبعًا
للحقيقة، مثلي مثل كل بنات جيلي، ولاهتمامي بالمجتمع والأزياء، كنت اسمع أن أكبر مصفف شعر في الوطن العربي، هو اللبناني جو رعد، وقد نال رعد شهرته، لكونه ظهر مع هوجة فنانات لبنان، اللائي ظهرن أوائل الألفية الماضية، هيفاء وهبي ونانسي عجرم ونوال الزغبي وأليسا ومريام فارس، وأصبحت النساء تريد لون وتصفيف وقص شعورهن، مثل هولاء، فظهرت هوجة كبيرة، وصارت الطائرات تطير، وتذهب بالسيدات زوجات وبنات رجال المال لبيروت، من أجل جو رعد، ويعُدن رافعات شعار صبغنا وقصينا عند جو رعد، ومرت الهوجة، ليثبت محمد الصغير أن المصري يكسب، فقد طور من صالوناته وجعلها قِبلة أهل بيروت والعرب، بل لفناناتها ذاتهن، ويصير محمد الصغير ماركة مسجلة، لتصفيف شعر عارضات الأزياء في أسبوع الموضة بباريس كل يناير وأغسطس من كل عام، وهو ملتقي أهل الموضة في العالم، ليصبح محمد الصغير الملك المتوج علي رأس الملكات، ولمساته هي من تُحوّل ــ بالبلدي ــ البوصة تبقى عروسة، وتتصارع الأُسر والبيوتات الكبيرة لحجز ميعاد عنده، بل إن الأفراح الكبري، تُحدد مواعيدها حسب اجندة محمد الصغير.
وأصبح أي كوافير الآن يطلق علي نفسه صاحب بيوتي سنتر، بفضل اسم وتعب محمد الصغير، الذي جعل لمهنة تصفيف وقص الشعر دولة لها كيانها.
ولم يبخل الصغير عن دعم المهرجانات الفنية والأزياء، بل وقف داعمًا لأكبر المهرجانات، ولعل آخرها مهرجان الجونة، الذي اكتسب شهرته ونجاحه بفضل اسم ومجهود محمد الصغير، الذي لم يتعال علي أحد، رغم أنه أصبح صديقًا لكل نجمات ونجوم وأمراء وأثرياء وعائلات كبري، ومسؤولين ومسؤولات، ليرحل رجل البهجة و مزين شعور الحسناوات ومُحوّل البوصة لعروسة، ومحمد الصغير كان قصة كفاح عظيمة، بدأت من الصفر، وغيرت شكل وقالب خريطة مهنة، كان يهينها الكبار، فأصبح هو الكبير، رحمة الله عليه شهيره النجار
الصغير الذي انحنت له رؤس الملكات والأميرات ???
أحزنني خبر وفاة مصفف الشعر المصري، الذي أوصل اسم مصر للعالمية في مجاله، وببالغ الحزن والأسي، نحن الآن ننعيه، واعتقد أن الكثيرين يوافقونني الرأي، إذا قلت إن الصغير يقف في مصاف نجوم مصر من القوي الناعمة، التي أعادت لمهنة تصفيف الشعر قيمتها وكرامتها، بعدما كان ينظر المجتمع لمن يمتهن هذه المهنه، نظرة بها قليل من الاحترام، وبالنسبة لشرائح كثيرة، فمصفف الشعر ماهو إلاّ صالون للسيدات، رغم أن الشعر بالنسبة للمرأة، وخاصة السيدة ذات المهنة البارزة شيء هام، يكاد يكون أهم من الماء والطعام لها، فالشعر تاج المرأة، نجمة السينما وسيدة المجتمع وسيدة الأعمال والوزيرة، وساعد في تأصيل فكرة أن الكوافير أقل استحقاقًا للتكريم، وهى نظرة وثقافة البعض، مثلما حدث عندما أطل علينا فيلم في زمن الأبيض والأسود، كان من إنتاج الفنان عبد السلام النابلسي، وبطولته المطلقه، يحمل اسم "حلاق السيدات"، فالعنوان صادم، لكن النابلسي عالج فكرة احتقار مجتمع الطبقة الراقية للكوافير، الذي لا يستغنون عنه بشكل فريد وسابق لعصره.
الفيلم يحكي قصة شاب فقير، لديه موهبة قص وتصفيف الشعر للسيدات، ولكنه يسكن في حي شعبي، حتي دخل طبقة المجتمع المخملي، من خلال مكائد نساء، يتصارعن من أجل الفوز برجل، ليدخل حلاق السيدات، عبد السلام النابلسي المجتمع المخملي، ويفوز بالزواج من سيدة راقية، أعلي منه ماليًا واجتماعيًا، وتنظر الزوجة للزوج، الذي تكشفت طبيعة عمله لها، فيما بعد عن نظرة احتقار، وتدور أحداث الفيلم، لتصل لذروتها، حتى تصل إلى أن الحلاق قد أثبت أنه رجل عصامي، نجح وكسب احترام الجميع بلا استثناء.
ومع فارق أحداث الفيلم، وبين الواقع الحالي، فإن محمد الصغير، الشاب العصامي، اثبت أنه رجل موهوب عصامي، بني نفسه بنفسه، وتمكّن بموهبته أن يحظي باحترام كبار وعلية القوم، وطارت شهرته خارج حدود مصر، ويتزوج الصغير من فتاة من عائلة كبري، وهو الشاب البسيط، والفارق بين قصة فيلم حلاق السيدات، وقصة محمد الصغير، أن الزوجة تزوجته، وهي من عائلة كبيرة، وهو شاب بسيط، مقتنعة بموهبته وتملك الحب قلبها، وآمنت به، ولأن الواقع يكون أحيانًا أعلي من الدراما، فإن قصة محمد الصغير وزوجته السيدة ملك العلايلي، كانت أعلي وامتع، وقبل أن احكي فيها، لا أريد الخروج من نقطة أهمية محمد الصغير، في تغيير نظرة المجتمع لمهنة الكوافير.
فكما غيرت تحية كاريوكا نظرة المجتمع لمهنة الراقصة الشرقية، وجعلتها من خلال عملها وسلوكها المهنة الأكثر احترامًا، وحلت ضيفة علي بيوت ومناسبات الكبار، وكما غيرت فريدة فهمي نظرة المجتمع للراقصة الاستعراضية وأكسبتها احترام الجميع، وكذلك محمود رضا، الذي جعل مهنة الرقص الشعبي مهنة عظيمة، ومحا النظرة الدونية لها، من خلال العمل والموهبة، فكسب احترام الجميع، وكرّمه رئيس الدولة، وجال العالم كله، يعرض فنون مصر، بفرقه كلها، من خريجى الجامعات، فتحولت المهنة لحلم الشباب والشابات، بفضل محمود رضا.
وكما غيرت رجاء الجداوي، من نظرة المجتمع لمهنة عارضة الأزياء، حتي تحولت لملكة متوجة في عالم الأزياء، لدرجة جعلت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، تحرص علي حضور الديفليهات التي كانت تعرض فيها رجاءً الجداوي، بل وصل الأمر بسيدة الغناء أن كانت تطلب أن ترتدي الجداوي موديل الفستان أولًا حتي تقتنع بالموديل، ووصل نجاح الجداوي أن اختطفتها السينما، لتقدم في البداية أدوارًا بسيطة لمجرد المشاركة من عارضة أزياء كانت ناجحة وشهيرة ومحترمة.
هكذا فعل محمد الصغير بمهنة تصفيف الشعر، حتي أصبح اسمه علامة تجارية وماركة مسجلة، تملأ ربوع مصر في أفخر أماكنها الراقية بالفنادق والأحياء، وأصبح من ينال شرف الدخول لصالون الصغير شيئًا كبيرًا، وتصبح السيدة التي ترتاده من عليه القوم، مثلها مثل نجمات السينما والملكات والأميرات.
فمحمد الصغير اقتنص لمصر اسمًا غاليًا في عالم قص وتصفيف الشعر، للدرجة التي جعلت أميرة القلوب ديانا، أثناء زيارتها لمصر في تسعينات القرن الماضي، أن تطلب محمد الصغير بالإسم يصفف شعرها، وليس فقط الأميره ديانا، بل كذلك الملكة صوفيا ملكة إسبانيا أثناء زيارتها لمصر، وإذا تحدثت عن أسماء كثيرة لزوجات ملوك ورؤساء زاروا مصر، فكان محمد الصغير هو مصفف شعر زوجاتهم.
نجمات مصر تحت يد محمد الصغير
عندما أصبح اسم محمد الصغير العلامة التجارية، فلم يكن ذلك من فراغ، فكل فنانات مصر بلا استثناء لسن زبائن محمد الصغير فقط بل صديقاته، ومسافة الاحترام والود جعلت الصغير أينما يحل فهو نجم مثلهن، لايقل جذبًا للأضواء عن يسرا وإلهام شاهين وليلي علوي ومرفت أمين و شيرين رضا ولبلبة ونادية الجندي ورانيا يوسف وشريهان. وبالبلدي كده، كل الكبيرات وحتي زوجات الوزراء والوزيرات، لايثقن إلاّ في لمسات محمد الصغير قص ولون وتصفيف، لدرجة جعلت الراحلة رجاء الجداوي، وهي واقفة أما، سيادة الرئيس في حفل عام، وهو يثني علي اناقتها أن قالت: "محمد الصغير استلمنا علي المحارة"، في إشاره منها إلى أن الصغير أبدلهن وحولهن لجميلات.
أبناء الصغير شهود علي زواجه من أمهم قبل الوفاة بأربعة أيام
والحقيقة محمد الصغير أبكاني قبل وفاته، فقد كتبت ابنته مها بوستًا موثرًا جدًا، لخص قيمة الحب والعِشرة فيما بينه وبين والدتهم السيدة ملك، عندما كتبت كيف وقفت والدتهم بجوار والدهم وهو ضعيف، في بداية حياته وافترقا لسنوات، وتقف تلك السيدة المخلصة بجوار والد أبنائها وهو في محنته ومرضه وهو ضعيف أيضا، لدرجة طلبه أن تعود له، وبالفعل يأتي المأذون للمستشفي، ويتم عقد الزواج من جديد بعد 22 عامًا من الطلاق، ويكون الأبناء هم شهود العقد، وينعم الصغير بالنوم في أحضان رفيقته، لينام قرير العين سعيدًا، واختتمت ابنة الصغير كلامها عن والدتها، قائلة: " الست العظيمة دي تزوجته وهو ماحلتوش حاجة وفي عز ضعفه، ورجعت له وهو في عز ضعفه أيضا ونام في حضنها وهو مرتاح أوي، هذه هي الدنيا وأحوالها، ليلقي الصغير رب كريم بعد أربعة أيام من عودته لرفيقة الدرب.
الصغير والسقا ومها والحقيقة أنا لا اختزل اسم ونحومية وشهرة محمد الصغير، لكونه في آخر 20 عامًا، قد أصبح صهرًا لواحد من أهم نجوم شباك الشاشة، وهو الفنان أحمد السقا، فقد تزوج السقا من مها الصغير، وهو لازال يتحسس خطاه، واتذكر أنه أعلن ارتباطه بمها، أثناء كواليس تصوير مسلسل زيزينيا في عام 1997 بطوله يحيي الفخراني، وزفت الصحف نبأ ارتباط الفنان الشاب، الذي كان يتحسس هو الآخر طريقه من ملك تصفيف الشعر محمد الصغير، يعني كان الصغير وقتها أكثر شهرة، وبالفعل بني كيانه واسمه وشهرته وامبراطوريته قبل ارتباط اسمه بالسقا، بل أكاد أقول إن شهرة وعلاقات الصغير، قد أسهمت في فتح باب النجومية، والدفع بزوج ابنته ليصبح نجم الشباك الأول، وتمر الأيام وتدخل ابنة الصغير عالم الميديا، ليست زوجة السقا ولا ابنه الصغير، ولكن مذيعة لتثبت أنها أيضا ذات موهبة كبيرة وكاريزما عالية، لتقف مذيعة في مهرجان القاهره السينمائي الأخير، وتقر عين والدها بها، كأنما أراد القدر أن يقول كلمته الأخيرة للراحل الموهوب، وهى: "افرح".