تجار الوقاية.. أبواب رزق جديدة فتحها فيروس كورونا
“مصائب قوم عند قوم فوائد”، هكذا يمكن وصف أزمة فيروس كورونا المستجد الذي اجتاح العالم منذ عام، وحصد أرواح أكثر من مليون شخص، بينما أصاب ملايين آخرين، ورغم المعاناة فإنه فتح باب رزق جديدًا لم يكن في الحسبان لكثيرين، وأصبح قوت يومهم قائمًا على بيع المسلتزمات الطبية وأدوات الوقاية من الفيروس.
من الأحزمة إلى بيع الكمامات
لم يكن يعلم أحمد ووالده الذي قضى عمره متنقلًا بين بيع الأحزمة والجوارب، وبين عمل الحجامة، أنه سيجد رزقه على حساب الوقاية من وباء لعين تفشى في العالم أجمع، وخلّف ورائه كوارث إنسانية واقتصادية كبيرة، فمع ازدياد أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، شرع الرجل في جلب الكمامات الطبية والكحول والمستلزمات الأخرى لبيعها للمواطنين بغرض حماية أنفسهم من خطر الإصابة.
يبدأ أحمد يومه مع خيوط أشعة الشمس الأولى، “بنصلي الفجر ونيجي هنا”، حاملًا الكمامات الطبية والكحول، والقفازات، وكل ما يلزم من أدوات للحماية من فيروس لا يرى بالعين المجردة، وكل هدفه هو بيع الوقاية للمواطنين من موظفين، وتلاميذ مدارس، ويبقى حتى ساعات من الليل، غير عابئين بحرارة الشمس نهارًا، أو برودة نسمات الليل.
ومنذ أعلنت الحكومة تطبيق غرامة مالية على المخالفين لقرار ارتداء الكمامات داخل المنشآت الحكومية، والمدارس وفي المواصلات العامة والأماكن المغلقة، حرص المواطنون على تنفيذ القرار سواء خوفًا من الغرامة، أو حرصًا على سلامتهم الشخصية، وحماية ذويهم من خطر الإصابة بفيروس كورونا، زادت مبيعات الشاب ذو ال23 من عمره ووالده، وزادت معها أرباحهم، “رزقها حلو” هكذا وصف أحمد حالة المبيعات.
رحلة طويلة يخوضها الشاب ووالده الذي دخل العقد الخامس من عمره، من أجل مصدر رزقهم، حيث يضطران للسفر إلى مدينة العاشر من رمضان، وشراء المستلزمات الطبية من كمامات والأقنعة التي تغطي الوجه كاملًا والمعروفة بـface shield، خصوصًا مع دخول المدارس وخوف الأمهات على صحة أطفالهم، ومن ثم عرضها على “فَرشة” بسيطة أعلى كوبري عبور مشاة بمنطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة.
في يوم الطفل العالمي.. قصة ياسمين جمعة طالبة تفوقت على الظروف الصعبة (صور وفيديو)
مرشد سياحي سابقًا وبائع كمامات حاليًا
يقف “طارق” صاحب الـ 58 عامًا، مرتديًا بدلته، وبكامل هندامه، حين تقع عينك عليه تعلم علم اليقين أنه بائع غير عادي، فهو لا يشبه هؤلاء البسطاء إلا في البحث عن رزقه، يأتي في العاشرة صباحًا وعلى ظهره حقيبة سوداء قد امتلأت بالكمامات ومستلزمات الوقاية.
حين تحدثت إليه أخذ النقاش شكلًا مختلفًا، فهو يجيد الإنجليزية بطلاقة، بالإضافة إلى العبرية ولغة أخرى، يحدثك عن أحوال البلاد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وعن البطالة وتضرر العمالة اليومية، خصوصًا أولئك الذين ينتمون لمجال السياحة والتعامل مع السياح، يفتح معك مجالات كثيرة تجعلك تتأكد أنك أمام بائع غير عادي، مثقف، واعيًا لما يقول، لديه وجهة نظر في كل ما يدور حوله.
أما عن مؤهله فهو يحمل شهادة “بكالوريوس سياحة وفنادق”، وكان يعمل في مجال السياحة بمدن دهب وشرم الشيخ، ولكن مع تضرر قطاع السياحة وانهياره حسب وصفه، بعد أحداث يناير 2011، اضطر إلى بيع سيارته على أمل أن يتغير الحال إلى أفضل ويتمكن من شراء واحدة أحدث، وتوسيع العمل في بيع الهدايا التذكارية التي تجسد الآثار والمعالم السياحية الالمصرية، والتي يبتاعها الأجانب.
عمل الرجل الخمسيني كمدرب غوص، لمحبي هذه الرياضة خاصة من الجنسيات الأجنبية، لكنه فقد عمله بعد أحداث يناير واضطر للمكوث في المنزل دون عمل لسنوات طويلة، ولكن مع اجتياح الموجة الأولى من فيروس “كورونا المستجد”، وجد فيه باب رزق يعينه على مصاعب الحياة، ونفاقاتها الثقيلة، وشرع في بيع الكمامات ومستلزماتها للمارة، بمنطقة المهندسين، التابعة لمحافظة الجيزة.
عزة نفس كبيرة يمتلكها “طارق”، فهو لا يتسول ويكره نظرة بعض الأشخاص الذين يرونه على أنه متسول، حتى أنه رفض تصويره من أجل هذا التقرير، ومع ذلك لم يفقد الرجل الأمل أبدًا، ويحلم بغدٍ أفضل.