لماذا الطلاق أفضل أحيانا؟
نسب الطلاق المرتفعة نقطة في بحر الزيجات الفاشلة المستمرة، وليس الأولاد وحدهم، كما يعتقد الكثيرون هم السبب في استمرار هذه الزيجات، فهناك أسباب عدة تمنع الطلاق، منها الخوف من الوصف بالفشل، الدفاع عن قصة حب انتهت ويحاول أصحابها مد أنفاسها، الالتزامات المادية المصاحبة للطلاق والالتزامات اللاحقة له، الرعب من فكرة العودة لبيت الأهل خاصة لدى السيدات أو عدم وجود بيت آخر للإقامة به من الأساس، التقاليد الأسرية التي تمنع الطلاق أحيانا “احنا عمرنا ما سمعنا كلمة الطلاق في العيلة!”.
ومن الأسباب أيضا التي تمنع وقوع الطلاق، السؤال الذي قد يطرحه أحد طرفي العلاقة أو كلاهما على نفسه “وماذا بعد؟”، حسنا سيقع الطلاق، وتبدأ رحلة البحث عن شريك جديد يفهمك جيدا قد تنتهي بالفشل أيضا، فلماذا المغامرة من الأساس؟! عملا بالمثل الشهير: “اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفهوش”.
كل ما ذُكر سابقا وغيره من الأسباب تمنع وقوع حالات طلاق عديدة، ولو حدثت لتضاعفت نسبة الطلاق إلى نسب أكبر بكثير مما تنشرها الجرائد والمواقع سواء في مصر أو العالم، وهو ما يؤكد جملة أقولها باستمرار مازحا: “الأصل في الزواج هو الطلاق.. والاستمرار استثناء لا ينفي القاعدة”.
زيادة نسبة الطلاق لا تعني بالضرورة عدم تحمل المسؤولية، في وجهة نظري، فأحيانا يكون الطلاق هو تحمل المسؤولية عينها تجاه حياة شخص، يرى أنه يجب ألا تمر بهذا السوء، وقد يكون قمة تحمل المسؤولية تجاه أطفال قد ينشأون بشكل أفضل في ظل أبوين منفصلين، عن أبوين يتشاجران ليل نهار، ويلعنان اللحظة التي قادهما حظهما العثر للقاء فيها، حتى أن أكثر أسباب الطلاق تافهة قد لا تكون إلا قشة أخيرة قصمت ظهر البعير، الذي يئن منذ سنوات، وكل هذا لا ينفي أن حالات كثيرة من الطلاق تعني عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
وهذا يقودنا، في وجهة نظري، لأمر آخر هو سبب رئيس في ارتفاع الطلاق، هو لماذا تم هذا الزواج من الأساس؟! في الحقيقة أن السبب الرئيس للزواج في البلدن المقيدة بعادات اجتماعية أو محاذير دينية، هو ممارسة الجنس بشكل آمن قانونيا وغير مرفوض دينيا، دون أي إدراك لحجم الأعباء المادية والنفسية وكذلك المسؤوليات بعد الزواج.
عدم ممارسة الجنس لسنوات طويلة منذ البلوغ، هو السبب الأساسي للبحث عن زيجة بمجرد توفر المال، وهنا الأمر لا يخص الرجل وحده بل المرأة أيضا، لا أدعو أحدا لممارسة الجنس قبل الزواج، لكني أقر بوضع عايشته كثيرا في دوائري وفي حكايات كثيرة سمعتها، حتى أن جملة “نفسي أكون بيت وأسرة” هي أسلوب مهذب لـ”نفسي أمارس الجنس”، المشكلة الأكبر أن كون هذه الجملة السبب الوحيد للزواج غائبا عن الكثيرين، رغم استقراره في داخلهم.
تأجيل الطلاق، في حالات حتمية وقوعه، أصعب وأمر بكثير من حدوثه، لأن التأجيل ينتج عنه أطفال أكثر فيزداد اتخاذ القرار صعوبة، فضلا عن أن التقدم في السن قد يمنع الطلاق، لأن فرصة البدء من جديد فكرة شبه مستحيلة، في وجهة نظر البعض، والسؤال هنا “هل حدوث الطلاق أفضل أم الاستمرار في زيجة فاشلة لسبب غير مرتبط بالرغبة في الاستمرار مع هذا الشريك!”.
ورغم أن لا ضمانة لاستمرار الزواج، حتى أن نجحا الشريكان في السنوات الأولى، فإن تأجيل الإنجاب سنة أو عدة سنوات هو أمر جيد، حتى يكون هناك ما يشبه الثقة في استمرار العلاقة.
أما أسباب الطلاق نفسها، التي أظنها ليست غائبة عن أحد، يمكن تلخصيها في 3 أمور: الظروف الاقتصادية، والجنس، والتوافق، ولأن الأول واضح تماما كالشمس، فإن الأمرين الآخرين جديران بالحديث عنهما، فالكثير من المشاكل التافهة التي تبدو لنا عند سماع بعض المشاكل الأسرية أو أسباب الطلاق ما هى إلا تغليف، في معظم الأحيان، لمشاكل جنسية بين الشريكين لا يتحدثان فيها مع بعضهما أو مع من يروون له أسباب الطلاق خجلا، أو قد يتحدث فيها أحد طرفي العلاقة دون استجابة للآخر.
ولأنني مررت بتجربة طلاق منذ مدة، فقد كنت حريصا قبل وبعد وفي أثناء ذلك، على الاستماع ومعرفة بعض المشاكل التي أدت إلى حالات طلاق، أحد الأشخاص قال ليّ إنه متزوج منذ 15 عاما وزوجته ما زالت تخجل منه، وأنه يفكر جديا في الطلاق، وهذه ليست حالة فردية.
أحد الأطباء النفسيين، الذي كنت أتردد عليه وهو متخصص في العلاقات الأسرية، حدثني عن حالات كثيرة جدا تأتي له بسبب المشاكل الجنسية، زوج لا يهتم بما ترغب به شريكته، رجل يشتكي من إحساسه بالذنب لأنه يخون زوجته بعدما حاول معاها كثيرا لكي تكون أكثر دراية بمتطلبات المعاشرة الجنسية، امرأة تشتكي من زوجها الذي تسيطر عليه أفكار سادية في الجنس، وغيرها الكثير، ليس المهم الخوض في نوعية المشاكل الجنسية، لكن القصد أن الجنس هو أحد الأسباب الرئيسية أو ربما هو السبب الرئيس للطلاق، كيف لأشخاص يكبرون وينضجون ويتزوجون سواء كانوا رجالا أو نساءً دون يكون لديهم ثقافة جنسية حقيقية، تبدأ من الأسرة ثم المدرسة والقراءة والاطلاع والمعرفة؟ لأن المعرفة السطحية للجنس أو عبر مشاهدة الأفلام الإباحية فقط مثلها مثل الجهل به تماما، كلاهما يقود لتدمير أي علاقة.
أما عن التوافق فهو مقدم عن الحب، في رأيي، هو عمود الخيمة الذي يساعد على تقليص حالات الطلاق، قرأت كثيرا فى الفترة الماضية عن دراسات بشأن الطلاق، تابعت بشكل مكثف حالات كثيرة في محاكم الأسرة، وكلها إذا خ ضعت للدراسة سيكون واضحا جليا، أنه لا يوجد توافق، الأمر أشبه بالجملة التي تكرر كثيرا في الأفلام العربية “إنت ينفع تخلف وهي تنفع تخلف، بس إنتوا الاتنين مينفعش تخلفوا من بعض”، أغلب المشاكل، بعيدا عن الرجال السيئين والسيدات النكديات، ليس سببها أن أحد الطرفين سيئ، ولكنهما غير مناسبين لبعضهما، وهذا المعيار يكون غائبا في كثير من الأحيان عند اختيار الشريك سواء كان عن حب أو زواج تقليدي، فالأحباء يتجاوزن كثيرا عن العيوب التي يرونها أو يتجاهلون الاختلافات الكبيرة في الشخصية، ويسيرون مغمضي العينين حتى يصطدما بحائط في النهاية، وفي الزواج التقليدي يبحث كل طرف، في الغالب، عن سمعة وسيرة طيبة وأهل طيبين وزوجة بنت حلال ورجل قد المسؤولية دون أي اختبارات لمساحات التوافق والاهتمامات المشتركة.
نعم، من الصعوبة إيجاد شخص متطابق مع صفات الآخر، لكن من المهم، في رأيي، أن يكون التوافق كبيرا جدا، فعلى سبيل المثال كيف لشخص يحب السينما والقراءة أن يتزوج من امرأة لا تحبهما؟ وكيف لامراة اجتماعية أن تتزوج من رجل انطوائي؟ التوافق يخلق مساحات مشتركة كثيرة لتمضية الوقت معا ما يعمق الحب، ستظل المساحات المشتركة والاهتمامات المتقاربة حجر زواية لاستمرار العلاقة والحب أيضا.
وإنه لمن العجيب، في وجهة نظري، عدم الاهتمام بالتوافق، أو حتى على الأقل الحديث عنه بين الطرفين، وإيجاد حلول للاختلافات الشخصية بما يضمن الاستمرار، وعدم الوقوع في فخ الطلاق.
أخيرا، ولأن كل ما سبق لا يضمن بشكل نهائي استمرار الزواج، فإن رأى أي طرف أن لا سبيل غير الطلاق، فعليه بتنفيذه فورا، فيقول الله تعالى: “وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته”.
ويقول تعالى أيضا: “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”، ولأن التسريح غالبا ليس بإحسان في مجتمعنا، ولأن الطلاق يكون غالبا به ظلم مادي لأحد الطرفين، ومحاكم الأسرة مليئة بمثل هذه القضايا، وقائمة المنقولات والمؤخر وغيره أحيانا تكون سيفا مسلطا على رقبة الرجل، وهناك أيضا محامون يتلعبون ويضمنون لموكليهم مروروا آمنا من دفع النفقات أو تنفيذ الأحكام، فأنه لا بد من تشريع يضمن مثول كل من يريد الطلاق أمام محكمة مختصة تقضي بما تراه مناسبا في كل حالة على حدة، ليس عودة للمحاكم الشرعية، ولكن بحكم يفصل في كل الحقوق بما يقطع الطريق على حدوث مشاكل مستقبلية تقود للمحاكم التي يتلاعب فيها الجميع.
….
أصحو يوميا على صوت جارتي الستينية وهي تلعن اليوم الذي تعرفت فيه قبل 40 عاما على زوجها، ثم يأتى صوت زوجها خافتا يرد عليها بالسباب وأن عليها أن “تحمد ربنا أنه معيشها معاه ومستحملها لحد النهاردة”، لا تكونوا مثلهما يوما ما.