سلمان إسماعيل يكتب: ميزان “رايتس ووتش” العجيب!
من الطبيعي جدًّا، بل ومن الضروري، أن تسبب المنظمات العاملة في حقوق الإنسان صُداعًا في رأس الأنظمة، وأن لا تكون على توافق مع الحكومات.. طبيعة عمل المنظمات الحقوقية أن تكون مزعجة للسلطة في كل مكان، ما لا أفهمه، كيف تعبر هيومن رايتس ووتش، المنظمة الدولية العريقة جدًا، عن نفسها من خلال تدوينة تطالب البنك الدولي بعدم تمويل مشروعات صحية لمواجهة فيروس كورونا في مصر، بسبب وجود انتهاكات لحقوق العاملين في مجال الصحة -حسب المنظمة-.
كل الحكومات في العالم ترتكب انتهاكات بحق مواطنيها، مع مراعاة التفاوت طبعًا في جسامة هذه الانتهاكات، ودور المنظمات الحقوقية هو ممارسة الضغط، وحتى التشهير بهذه الحكومات لوقف الانتهاكات وغوث الضحايا، لكن للمرة الأولى أشاهد منظمة تطالب بمعاقبة شعب كامل في ظل جائحة تفتك بالعالم.
لست ممن يتبنون نظرية المؤامرة، وأحترم كل المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، دون قيد أو شرط، ومهما كانت توجهاتهم الفكرية، أو مدى طبيعة الحقوق التي يدافعون عنها، وبغض النظر عن الجدلية الدائمة حول معايير حقوق الإنسان بين الكونية وخصوصية المجتمعات، فالعمل الحقوقي في حد ذاته رسالة سامية وعمل شجاع، لكن تغريدة المنظمة الشهيرة أثارت استغراب المتابعين للعمل الحقوقي وأنا واحد منهم.
على جانب آخر تطالب المنظمة العابرة للقارات بتخفيف العقوبات الأمريكية عن جمهورية إيران الإسلامية لتتمكن من مواجهة الجائحة التي تفتك بالجهاز التنفسي للمواطنين، وهو مطلب إنساني لكنه يغفل أن الإمدادات الإنسانية والطبية معفاة من العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران بالأساس.
التساؤل الذي يبحث عن إجابة لدى الـ«ووتش» هو إذا كانت السلطات المصرية ترتكب انتهاكات بحق المواطنين والحكومة الإيرانية تفعل نفس الشيء؛ فما الذي تعنيه المطالبة بتخفيف معاناة شعب، والمطالبة بتضييق الخناق على شعب آخر؟ وما هو الخيط الرفيع الذي يفصل بين الدفاع عن حقوق الإنسان بتجرد، وبين توظيف حقوق الإنسان في المكايدات السياسية مع الحكومات والأنظمة؟
هل تمتلك هيومن رايتس ووتش من الشجاعة ما يجعلها تطالب الشركات المصنعة للقاح كورونا بالامتناع عن تزويد فرنسا به بسبب مناقشة البرلمان قانون جديد يُجرّم تداول صور المسؤولين عن إنفاذ القانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتباره انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير، وانتهاكات الشرطة بحق المتظاهرين كل يوم، أم تكتفي بشجب وإدانة هذا التشريع المرتقب، حسب أدبيات العمل الحقوقي، ودون خلط بين الدفاع عن حقوق الإنسان، وبين موقف المنظمة من النظام الحاكم في باريس؟
سلمان إسماعيل يكتب: رسالة من “عجوز نوتردام” إلى نبي العرب