"ماسبيرو".. بين الذكرى الحلوة والواقع المر
على ضفاف النيل يقبع المبنى العريق "ماسبيرو" حاملًا رسالة عبر أثيره فصارت قلوب المصريين له أسيرة، فمنذ يومه الأول ومهمته الحفاظ على قيم المجتمع، فامتلأت برامجه بمضمون يعكس كرم المصريين وحبهم للخير وتعاونهم، وجاءت فقراته لتربي فيهم النزعة الدينية وتحافظ على القيم الوطنية العميقة المتجذرة في تاريخ هذا البلد.
برامج وفقرات ظلت ولا زالت عالقة بأذهاننا، ما بين دينية تغلف الأرواح برقائق إيمانية، واجتماعية تبث الطمأنيينة في جسد المجتمع وتشد عضضه وتبعث فيه الهمة والعزيمة.
وعلى الرغم من بساطة الإمكانيات وقتها، إلا أن الإنتاج الإعلامي كان أكثر تاثيرًا مما يصرف عليه المليارات الآن، لا لشيء إلا لأنه يعكس الثقافة الحقيقة لهذا الشعب، فيجب أن لا يتخلى ماسبيرو عن الريادة كشمس لا تغيب برامجها الهادفة، وتسبح باقي الفضائيات من حوله .
ومن بين هذه البرامج الغائبة عن "ماسبيرو" الحاضرة في أذهاننا برنامج "الجائزة الكبرى" الذي كان يقدمه الإعلامي الرائع "جمال الشاعر"، والذي أعاد لقائه الأخير مع الإعلامية "جيهان لبيب" حنيني إلى برنامجه الذي أشتهر به بين جمهوره، والذي كان بمثابة وجبة ترفيهه تسموا بالأرواح وتبث في الجسد الهمة والعزيمة لاستكمال أعمال الطاعة في شهر رمضان، فاستطاع بثقافته الهائلة أن يجعل من برنامج ترفيهي ملتقي فكري تجتمع حوله ملايين المتابعين، ومع أننا لم نكن نمتلك وقتها من أدوات تكنولوجيه تسهل علينا الوصول إلى المعلومة، إلا أننا نتجمع حول شاشة التلفزيون نمسك بالمصحف الشريف أو كتب التفسير والأحاديث، ننتظره وهو يلقي سؤاله ونحن نبحث عن إجابة في كل مرة، وبانتظار المعلومة كان يعطينا العديد من المعلومات حول المكان الذي يصور فيه، أو إجابة سؤال متشابه أو متداخل مع هذا السؤال، فاستطاع من خلال برنامجه أن يعلم الناس بالناس بتلقائيته المعهودة وابتسامته الرائعة وحواره الممتع.
ورغم أن الأستاذ لم يتغير كثيرًا فلا زال أنيقًا يخاطبك بنفس كلماته المنمقة الرصينة، ولا غرو في ذلك على شخصية تمتلك كاريزما نادرة تنجذب إليها الأرواح، إذًا فلماذا توارى برنامجه؟!، مع أن الجماهير لم تمله، وأن كنت أتفهم أن أدوات العصر تفرض علينا نمط مختلف في شكل البرامج سواء من حيث أسلوبها أو طريقة عرضها أو حتى استبدال الوسيلة بأخرى أكثر سرعة وأعلا جودة، لكني لا اتفهم غيابها كليًا وتتوارى خلف رصيد من الفيديوهات نسترجعها حسرات وآهات، خاصة هذه النوعية من البرامج الهادفة.
بهذا البرنامج وغيره من البرامج الهادفة كأن "ماسبيرو" يقوم في الناس واعظًا حيث يجتمع الناس حول نافذته مُودعين عقولهم أمانة، يأخذون جرعة دينية أو تثقيفية أو اجتماعية أو ترفيهيه، وكأنها مضاد للآفات المجتمعية وترميم للجدار الأخلاقي وبناء لصرح ثقافي وفكري داخل المجتمع، وإذا كان الشاعر لم يتغير كما ذكرت فلازال في ريعان عطائه، لماذا لا يقدم هذا البرنامج؟ أو يعيد استنساخه، خاصة أن شخصية بمكانته تُفرش لها طرق المحطات الفضائية بالورود، كما أنه أيضًا عضو الهيئة الوطنية للإعلام صاحبة القرار في وضع استراتيجية الإعلام، أم أن الشاعر بات علينا متعززًا؟!، مع يقيني أن هذا الأخير بعيد.