الأوقاف.. البنك الذي لا يُدِرُّ عائدًا
من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهورة ما أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما عن قصة الثلاثة نفر الذين أغلق عليهم باب غار في جبل فأخذوا يتوسلون إلى الله بأعمالهم الصالحة فقال ثالثهما (اللهم إني استأجرت أجيرًا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا وراعيها، فجاءني فقال اتق الله فقلت اذهب إلى ذلك البقر ورعاتها فخذ فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي ، فقلت: إني لا أستهزئ بك ، فخذ، فأخذه، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج ما بقي، ففرج الله فخرجوا يمشون)
دومًا أفكر ماذا لو كان أجير الرجل الثالث أجيرًا عند هيئة الأوقاف المصرية.. فعاد بعد زمن يطلب أجره؟ ظني أنه سيجد فرق الأرز وقد أكله السوس.. هذا إن لم يكن قد تنازع على ملكيته الغير.
ما يزيد عن التريليون جنيه أصولًا لهيئة الأوقاف موزعة على شكل استثمارات وأصول مختلفة في محافظات بل ودول مختلفة، يقوم على إدارتها ما يقارب الـ7000 موظف.. 7000 عقل بشري لم يستطيعوا إدرار عائد منها يصل ولو إلى 1% أو حتى 0.5% من حجم تلك الأصول.. ناهيك عن ضياع الأصل نفسه أو إتلافه أو السطو عليه.
ولكى تتخيل عزيزي القارئ ماذا يعنيه حقًّا رقم (تريليون جنيه) التريليون يعنى 1000 مليار، وبنك مثل التجاري الدولي في مصر بلغ حجم أصوله وفقًا للقوائم المالية عن عام 2019 أقل من 387 مليار جنيه.. نجح من خلال هذا الحجم من الأصول في تحقيق أرباح تزيد عن 11 مليار جنيه بعد دفع الضريبة.
وهيئة مثل الأوقاف بأصول تتجاوز الألف مليار لم تستطع تحقيق عائد ولو مليار جنيه واحد.
الذي أوقف تلك الأملاك لله إنما كان غالب هدفه أعمال البر والصدقات.. لا أعلم أي قواعد فقهية استند اليها القائمون على إدارة أموال الأوقاف تمنعهم من التصرف في الوقف بما يحقق أكبر عائد يخدم أعمال البر والصدقات.
ماذا لو كانت هناك قطعة أرض زراعية في ميدان التحرير أوقفها صاحبها لله وترك إدارتها لهيئة الأوقاف.. أيهما يرضي الله أكثر: أن تزرعها الأوقاف أرزًا أو شعيرًا فيخرج محصولًا يباع بعشرة آلاف جنيه، أم أن تترك الأوقاف حرية استثمارها لرجال الاقتصاد فيقام عليها مركز مالي أو تجاري بعائد شهرى ملايين من الجنيهات؟
إنما أوقف صاحب الوقف وقفه للصرف من عوائده على أعمال البر التي يراها رجال الهيئة، أما إدارة الوقف نفسه حتى تحقق المنفعة الأكبر اقتصاديًّا فينبغي ترك أمر إدارتها لرجال الاقتصاد.
هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أنتم أعلم بشئون دنياكم)، وخيرًا فعلت الدولة بإصدار القانون 209 لسنة 2020 والخاص بإعادة تنظيم هيئة الأوقاف، وذلك بعد تنفيذ التكليف الرئاسي بحصر أملاك الأوقاف والتي قيدت في مجلدات ضخمة ذكرتني بقصة قارون (ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة).
بقي بعد القانون والحصر أن يوسد الأمر لأهله ويترك تحقيق أعلى عائد اقتصادي لرجال الاقتصاد، أما توزيع العائد الراغب صاحب وقفه أصلًا في توزيعه على الفقراء والمحتاجين فيبقى في يد الهيئة أو الوزارة أو الدولة أو من بيده إمكانية حصرهم وبحث صدق حالاتهم.. استراتيجية لو صحت لما بقي في مصر محتاج.
يجب أن تُعامَل أموال الأوقاف بفكر اقتصادي ويتم تقديم كشف حساب دوري عن إدارة تلك الأصول يتم على أساسه تقييم التكلفة والعائد وبحث الفرص البديلة تحقيقًا لأعلى منفعة للناس والوطن.