ملحمة الإسماعيلية.. حينما أجبرت الشرطة العدو على الاعتذار مرتين في 1952 و2006 (فيديو)
المكان محافظة الأسماعيلية .. الزمان 25 يناير 1952.. أبطال العمل ثلة من المصريين الشرفاء الذين خلدوا بأسمائهم معنى الكرامة وملحمة وطنية تاريخية تسردها الأجيال .. تعيش بيننا لتذكرنا وتعلمنا معنى البطولة .. نتعلم منهم، ونقتدى بهم، ونتباهى ونتفاخر ونكتب عن حكايات رجال زادوا بأرواحهم ليدافعوا عن وطنهم وتراب أرضهم.
بنادق خشبية فى مواجهة دبابات.. عشرات الجنود ضد الآلاف .. طلقات ضئيلة تواجه ذخيرة هائلة.. لم تكن معركة متواضعة أو حربًا بالمفهوم التقليدي، أو مناورة حربية شبه متكافئة.. لكنها عزيمة وإرادة وقوة ونخوة وبسالة وكرامة تجلت فى بضع مئات من الضباط والجنود المصريين فى مشهد تاريخى لمقاومة محتل غاصب متغطرس.
ضابط بـ"النوبتجية" فقد ذراعه.. من هو الرائد صلاح الحسيني الذي كرمه السيسي ووزير الداخلية؟
فى مشهد تاريخى لنحو 750 رجلا من أبطال الشرطة، يقودهم اليوزباشي مصطفى رفعت، وقفوا بأجسادهم يستقبلون رصاصات العدو، وقذائف مدفعيته، ورغم رحيل الضابط ومعظم أبطال الملحمة إلا أنهم خلدوا ببطولتهم، قصة باقية شاهدة تعيش بيننا نتذكرها كل عام لنترحم عليه وعلى باقى الشهداء، وصارت عيدًا لرجال الشرطة يفخرون بما قدمه أسلافهم ونحن معهم.
"نموت هنا بدلا من الاستسلام للعدو".. تجلت مقاومة الضابط وفدائييه من رجال الشرطة، فى تلك المعركة، حينما حاصر العدو الإنجليزى بدباباته وآلياته مبنى محافظة الإسماعيلية، وكان بداخلها ٧٥٠ عسكريا وضابطا، وتوجه الضابط للتفاوض مع القائد الإنجليزى الذى كان يتحدث بغطرسة وطلب منهم مغادرة المبنى، وتنكيث العلم، لكنهم رفضوا جميعًا.
"الداخلية" تحتفل اليوم بعيد الشرطة وتكريم عدد من ذوي الشهداء
"على جثتى أنا وزملائى ولن نغادره أحياء... دارت الحرب، وحمل الضباط والجنود بنادقهم، الواحدة بها ٥ طلقات فقط، بينما يمتلك عدوهم أسلحة وذخيرة حديثة ودبابات رهيبة، ويومها أحضر الإنجليز لهم قطارا وطالبوهم بالمغادرة إلى القاهرة.. إلا أن ردهم جاء بالرفض القاطع.
بدأ الجنود والضباط الأبطال يتساقطون فى حرب استمرت نحو 10 ساعات رفض خلالها قائد الإنجليز معالجة الجرحى فى المستشفي، واشتدت ضربات الإنجليز وحرقوا المحافظة بالكامل ويومها فقد رجال الشرطة ما بين ٥٠ و٦٠ قتيلا ومئات الجرحي، لكنهم رفضوا الاستسلام وساعدهم الفدائيون يومها بإحضار الذخيرة.
الدماء تنزف، والأشلاء تنتشر فى كل مكان، لكن الموقف الأصعب عندما انتهت المفاوضات بين الضابط رفعت، وبين القائد الإنجليزى حين اتفقا على أن يسلم له المحافظة.. فى تلك اللحظة سقطت دموع الجنود وقالوا: لن نخرج من هنا، نموت أفضل لازم نكمل المقاومة، مش مهم مفيش ذخيرة نقاتلهم بالبنادق والطوب والشوم، حتى نلحق بزملائنا الشهداء، لقد كان الموقف غريبا وعصيبا ومزهلا.
أقنع الضابط جنوده بأنهم لن ينجحوا فى أن يصيبوا جنديا واحدا من اعدائهم.. لكن فى مقدور واحد منهم فقط أن يقتلهم جميعا، فالذخيرة والأسلحة انتهت وأصبحوا "عزل"، يواجهون ألاف الجنود وكمية هائلة من الذخيرة والسلاح المتطور.
"لقد كان عملا قذرا ما أقدمنا عليه لندخل هذا المكان".. هذه الكلمات قالها القائد الإنجليزى ماتيوس لضباط الشرطة فى الإسماعيلية، عندما شاهد جثث وأشلاء الضباط والعساكر الأبطال، تغطى أرجاء مبنى محافظة الإسماعيلية، توقف القائد عن الكلام وأعطى التحية لهؤلاء البواسل، وترك الأحياء منهم يخرجون بـ"كلمة شرف" منه أبرمها مع الملازم أول مصطفى رفعت قائد قوات الشرطة فى ذلك الوقت.
عاد الملازم رفعت بعد ذلك إلى القاهرة وتم فصله وزملائه من الخدمة لأنهم قاوموا الإنجليز، وعاش فى الإسكندرية وبعد أيام من الثورة حضر إليه صديقه إبراهيم البغدادى الذى أصبح مديرا للمخابرات فيما بعد، وقال له: سمعت بالثورة، أخبره نافيًا، فاصطحبه مدير المخابرات من يده إلى العباسية حيث مقر قيادة المخابرات المصرية، وهناك التقى جمال عبدالناصر الذى أمر بعودته فورا إلى عمله، قائلًا له : كان لابد أن تكافأ عن هذا العمل الرائع ولا يكون جزاؤك العقاب والفصل من الوظيفة .. ثم كرمه الرئيس عبدالناصر بعد ذلك وحصل على وسام الجمهورية.
فتحي أبو سليمان: ملحمة 52 ستظل محفورة في قلب رجال الشرطة ووجدان الشعب (فيديو)
وفي تصريحات له قبل وفاته قال اللواء مصطفى رفعت إن ضابطين إنجليزيين من القوة التى شاركت فى معركة الإسماعيلية وكانا على قيد الحياة حضرا في 2006 وزارا مقابر الشهداء فى الإسماعيلية وقدما اعتذارا لوزارة الداخلية فى ذكرى عيد الشرطة.
يذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، كرم العام قبل الماضى خلال الاحتفال بعيد الشرطة الـ67، أسم اللواء مصطفى رفعت، أحد أبطال الشرطة المصرية، وصافح الرئيس، أفراد أسرة الضابط البطل كأحد الأبطال الذين يفخر ويذخر بهم التاريخ.