ننشر حيثيات الحكم بحجب موقف يوتيوب بسبب المقاطع المسيئة للرسول
أصدرت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، برئاسة السيد المستشار فتحي إبراهيم محمد توفيق، وعضوية المستشار رأفت محمد عبد الحميد علي، والمستشار أحمد جلال زكي عبد الله، قرارًا بإلغاء القرار السلبي المطعون عليه، بالامتناع عن حجب وحظر موقع اليوتيوب، وحجب جميع المواقع والروابط الإلكترونية على الانترنت، التي يتعرض مقاطع الفيلم المسيئ للرسول مع كافة ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات ومبلغ 100 جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
الدعوى التى تطالب بحجب موقع اليوتيوب، أقامها المحامى محمد حامد سالم السيد، وطلب بقبول الدعوى شكلا، ثائية بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن حجب وحظر موقع اليوتيوب بشبكة المعلومات الدولية الإنترنت داخل مصر ومايترتب على ذلك من آثار اخصها حجب وحظر جميع المواقع والروابط الإلكترونية على الإنترنت التي تعرض مقاطع الفيلم المسئ للرسول ، وحجب جميع المواقع والروابط الإلكترونية التي تعرض مقاطع فيديو مناهضة للإسلام على الإنترنت وتنفيذ الحكم بمسودته.
وطالبت الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كان لم يكن ، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وذكر المدعي شرحًا لدعواه أن أعداء الإسلام قاموا بإنتاج وعرض مقاطع لفيلم يسئ للرسول الكريم سيدنا محمد، لا وتجسيد شخصيته في مشاهد غير لائقة تتنافى ومقامه الكريم بغرض الإساءة للإسلام ولسيدنا محمد وللمسلمين في بقاع الأرض للسخرية والاستهزاء منه وتشويه صورته وزعزعة عقيدة المسلمين والنيل منها وأضاف أنه تم عرض هذه المقاطع على موقع اليوتيوب بشبكة المعلومات الدولية الإنترنت وانتشر هذا الفيلم على روابط الكترونية عديدة نقلا عن هذا الموقع، واستطرد بان هذا الفيلم ماهو إلا خطة صهيونية وبمثابة إعلان حرب على الإسلام والمسلمين والاستهانة بالثوابت الإسلامية والتخطيط لإحداث فتنة طائفية داخل مصر، وهو ما حدث من ردود أفعال عنيفة اجتاحت مصر والعالم الإسلامي، عقب عرض مقاطع الفيلم تنديدا به وبالمقاطع المعروضة له على موقع اليوتيوب.
وأورد المدعي شرحا لدعواه أن إدارة موقع اليوتيوب لم تقم بحذف مقاطع الفيلم المسئ للرسول بل ويصر الموقع على عرض مقاطع هذا الفيلم باسماء عديدة منها براءة المسلمين ، الفيلم المسئ للرسول في تحدي سافر لمشاعر المسلمين ولإحداث مزيد من الفتن والاضطرابات ولعرضه للمشاهدة على أكبر عدد ممكن مستهدفين ضعاف النفوس خاصة الأطفال حتى يترسخ في وجدانهم صورة الممثل الذي قام بتجسيد شخصية النبي وأفعاله المشينة التي أداها بالفيلم لتشويش صورة النبي في أذهانهم ونفوسهم وتهتز عقيدتهم في محاولة مكشوفة ودنيئة من أعداء الإسلام تستهدف أجيال وأجيال قادمة ، مع العلم أن الموقع يقوم بحذف أي فيديو او فيلم أو مقطع يسئ لليهود.
وطلب حجب وحظر موقع اليوتيوب حتى يتم إزالة جميع المحتويات والمقاطع للفيلم المذكور وأي مقاطع فيديو أو أفلام مناهضة للإسلام والرسول الكريم لأنه يستحيل الحجب الجزئي للمقاطع على اليوتيوب لأن الموقع والتابعين له يقومون بنسخ الفيلم المسئ تحت أكثر من عنوان مختلف داخل الموقع وبالتالي يستحيل حذف ومنع هذه المقاطع المسيئة للرسول إلا بحجب موقع اليوتيوب كاملة لمنع نسخ هذه المقاطع ومنع التحايل بعرضها بمسميات وعناوين أخرى داخل الموقع المذكور. واختتم المدعي صحيفة دعواه بطلباته سالفة البيان.
وتمت إحالة الدعوى من الدائرة الأولى بالمحكمة إلى الدائرة السابعة، حيث جرى تداول الشق العاجل من الدعوى وتحدد لنظره جلسة 2012/ 11 / 10 وفيها قدم المدعي حافظة مستندات طويت على قرص مدمج سي دي يتضمن المقاطع الموجودة على موقع اليوتيوب المسيئة للرسول الكريم لا بأسماء عديدة منها Muharrnad movie Trailer، براءة المسلمين، الفيلم المسيئ للرسول، وطلب الحاضر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير التصريح له بالتدخل الانضمامي في الدعوى.
كما قدم الحاضر عن الدولة حافظة مستندات طويت على صورة ضوئية من كتاب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات موجهة إلى هيئة قضايا الدولة تطلب فيه إخراج وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الدعوى باعتبار أن الموضوع خاص بالجهاز التنفيذي لتنظيم الاتصالات وأن رئيس هذا الجهاز هو الذي يتولى تمثيله أمام القضاء ، كما قدم مذكرة دفاع دفع فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعي عليهما بصفتيهما الأول والثاني ، وقدم الحاضر عن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حافظة مستندات طويت على ما سطر بغلافها، وقدم الحاضر عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير إعلان بالتدخل طلب فيه رفض طلبات المدعي في الشقين العاجل والموضوعي.
وكانت المحكمة قد قضت، أولا، بقبول تدخل مؤسسة حرية الفكر والتعبير انضمامية في الدعوي، ثانيا، برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليهما الأول والثاني، ثالثا، بقبول الدعوى شكلا ، وبوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ ما يلزم لغلق الموقع المشار إليه لمدة شهر، وحجب وحظر جميع المواقع والروابط الإلكترونية على الإنترنت التي تعرض مقاطع الفيلم المسئ للرسول الكريم لا تحت مسميات مختلفة، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان، وبإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة الإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الدعوى ارتأت في ختام الحكم برفض طلب الإلغاء مع إلزام المدعي مصروفاته وتبعا لذلك أعادت المحكمة الدائرة السابعة تداول نظر الدعوى على النحو الوارد بمحاضر الجلسات، وبجلسة 7/12/2019 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى الدائرة الأولى بهذه المحكمة للاختصاص.
وأحيلت الدعوى للدائرة الأولى بالمحكمة، وتدوول نظرها بجلسات المرافعة على النحو الوارد بمحاضرها، حيث قدم الحاضر عن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات حافظة مستندات طويت على ما سطر بغلافها، ومذكرة دفاع انتهي في ختامها إلى طلب الحكم برفض الدعوى، وبجلسة10/2/2020، قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى الدائرة الثانية بهذه المحكمة للاختصاص.
وعليه ورفت الدعوى إلى هذه الدائرة، وتدوول نظرها بجلسات المرافعة على النحو الوارد بمحاضرها، وبجلسة 29/7/2020 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسه 20/9/2020، وبتلك الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة لنظرها بجلسة 2/11/2020 ليقوم المدعي بأختصام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وليحدد الروابط الإلكترونية التي تعرض الأفلام المراد حجبها على وجه الدقة، ومن ثم أعادت المحكمة تداول نظر الدعوى على النحو الوارد بمحاضر الجلسات، حيث مثل المدعي بشخصه وقدم مذكرة دفاع صمم في ختامها على ذات الطلبات الواردة بصحيفة الدعوى.
وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء مجلس الدولة أن لمحكمة الموضوع تكييف الطلبات في الدعوى بما يتفق وواقع الدعوى وما يهدف إليه الخصوم والقانون الواجب التطبيق على النزاع، وحيث إنه في ضوء ما تقدم فإن حقيقة ما يرمي إليه المدعي بشان موضوع دعواه المائلة، وفقا للتكييف القانوني السليم، هو الحكم بإلغاء القرار السلبي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بالامتناع عن حجب الروابط الإلكترونية المحملة على الموقع الالكتروني "يوتيوب" داخل مصر، ويعرض عليها الفيلم المسئ للرسول تحت أي مسمى، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وحيث إنه عن موضوع الدعوى.
قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى في تفسير النص المتقدم على أن القرار السلبي لا يصح القول بقيامه وإمكانية مخاصمته بدعوى الإلغاء طبقا للمادة 10 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 إلا إذا ثبت أن جهة الإدارة قد امتنعت عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه طبقا للقوانين واللوائح، وذلك بان يكون صاحب الشان قد توافر في شانه الشروط والضوابط التي استلزمها القانون الذي أوجب توافرها على جهة الإدارة التدخل بقرار لإحداث الأثر الذي رتبة القانون، فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجبا عليها فان امتناعها عن إصداره لا يشكل قرارا سلبيا ما يقبل الطعن عليه بالإلغاء، إلا أنه برغم ما لحرية التعبير من مرتبة عليا في مدارج النظام العام المصرى، فانها ليس لها من ذاتها ما يعصمها من التقييد، فهي ليست من الحريات المطلقة، ذلك أن أثرها لا يقتصر على صاحب الرأي وحده، بل يتخطاه إلى غيره، وقد يشمل المجتمع بأسره، ومن ثم فإنه يجوز تقييدها درنا لغمط حقوق الآخرين، أو حال وجود مصالح أخرى ترجحها. فحرية التعبير ليست القيمة الأجتماعية الوحيدة، وممارستها تقتضي التوفيق بينها وبين قيم أخرى لها وظائف اجتماعية لا تقل أهمية، ومن ذلك القيم الدينية التي يقتضي الحفاظ عليها عدم التعرض لثوابت الأديان أو الاستهزاء بالأنبياء وعصمتهم وتصويرهم بأية صورة سلبية كانت، فالدين، وعلى وجه الخصوص في مجتمعاتنا الشرقية، يعدو أحد أركان النظام العام ويمثل عنصرا بالغ الأهمية في تكوين وجدان الجماعة، ولذلك فإن العقل الجمعي لا يقبل أن يتم التعرض لثوابت الدين أو ازدراء رموزه ، ولا يجري أي من ذلك دون أن تكون له أضرارا اجتماعية جمة تفوق منافعه، ومن ثم فإنه لا يجوز قانونأ تبريره بداعي ممارسة حرية التعبير.
ولذلك فقد أجاز العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في مادته رقم 19 سالفة البيان تقييد حرية التعبير، واشترط في تلك القيود أن تكون منصوص عليها قانونا، وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة كما حظر العهد الدولى أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
كما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ذات الخصوص في حكم حديث لها بأن الهجوم على الرسول الكريم محمد لا يتمتع بالحماية القانونية المقررة لحرية التعبير.
وأفادت المحكمة بأن الهجوم على اتباع الديانات بموجب اقوال مبنية على حقائق غير صحيحة بشكل واضح غیر جائز قانونا، ولا يتماشى مع روح التسامح الواجب توافرها، وأن العبارات المسيئة لنبي الإسلام تتخطى الحدود المسموح بها للحوار الموضوعي وتمثل هجوما حادا عليه من شأنه الإخلال بمقتضيات السلام الديني في المجتمع وغرس بذور التطرف الديني فيه أنظر حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في القضية رقم 12/ 3845 ، بجلسة 25/10/2018 الفقرتين 50 و57، النص الأصلى ورد باللغة الإنجليزية و الترجمة عمل المحكمة وحيث إنه على هدي ما سلف بيانه جميعه، وإذ يطلب المدعي الحكم بإلغاء القرار السلبي للمجلس الأعلى التنظيم الإعلام بالامتناع عن حجب الروابط الإلكترونية المحملة على الموقع الإلكتروني "يوتيوب" داخل مصر، ويعرض عليها الفيلم المسئ للرسول تحت أي مسمى، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وإذ طالعت المحكمة القرص المدمج المرفق بالأوراق والمعروض عليه الفيلم المذكور، وتبين لها أن هذا الفيلم يجسد الرسول في صورة سلبية لا سند لها من الواقع ولا تتفق ومقامه الكريم بل وتجافي الرسالة النبوية العظيمة التي حملها للبشرية جمعاء، وهي رسالة سلام وتسامح ورحمة، مصداقا لقول المولى عز وجل في محكم كتابة العزيز "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، في نطاق الحدود المصرية، ويعرض عليها الفيلم المسئ للرسول تحت أي مسمى.
وهو إذ لم يفعل فإن قراره السلبي المطعون عليه يكون قد صدر بالمخالفة للقانون، خليقة والحال كذلك بالإلغاء، مع كافة ما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما تقضي به المحكمةولا حاجة فيما انتهت إليه المحكمة بان حجب الفيلم المذكور فيه انتهاك لحرية التعبير، إذ إن الإساءة للرسل والأنبياء ليست من حرية التعبير في شئ، كما سبق وأوضحت المحكمة، ولا يجوز البتة أن تعلو مقتضيات ممارسة هذه الحرية على ضرورات الحفاظ على ثوابت الأديان وإجلال رموزها، وحيث أن من يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات، فإنه يتعين إلزام الجهة الإدارية مصروفات الشق الموضوعي من الدعوى، وكذا مبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة عملا بحكم المادة 187 من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 والمعدلة بالقانون رقم 147 السنة 2019.