"نصف بحر".. قصة قصيرة للكاتبة السورية عبير عزاوي
ولدنا متلاصقين، نتلاقى في الخاصرة وجزء من الظهر أكاد أقول إنه يحملني على ظهره أو ربما أشكل امتدادا متطاولاً لمنتصف جسده. أجمع الأطباء أن حالتنا نادرة، رغم أننا بقينا نحن الاثنان على قيد الحياة. طبياً في مثل حالتنا يموت أحد الطفلين ليعيش الآخر، يمكن أن تجرى عملية لفصل المولود الأضعف، كنت أنا الأضعف، لكن كما تقول أمي فإن مثل هذه العملية لم تجر لنا لأن نبضاً متسارعاً في قلبي منع الأطباء من فصلي عن أخي التوأم الملتصق بي، ربما أنا الملتصقة به، فقد كان هو ذي البنية الأقوى ربما كانت يده التي تتشبث بي هي التي منعتهم من إجراء عملية الفصل بعد ولادتنا مباشرة. الآن حان وقت هذه العملية. وقد بلغنا من العمر مرحلة اشتد فيها عودنا ويمكننا تحمل تبعات العمل الجراحي .
بينما تجري التجهيزات لإدخالنا إلى غرفة العمليات، تذكرت وقوفنا أمام البحر في شرفة بيتنا المحاذي للشاطئ وحديثنا معاً وأمنيتنا برؤية وجه بعضنا البعض فقد مرّ كل هذا الوقت دون أن نرى وجهينا. حاولت أمي أن تصورنا لنرى ملامحنا المتشابهة، لكن أخي كان يريد رؤية وجهي ولمسه والشعور بحرارته، كان ذلك بالنسبة إلينا أمراً جديراً بالمحاولة.
في المشفى كنا نتكوم على السرير مثل كائن خرافي بتكوين عجيب ويقوم فريق طبي بوصل الأجهزة الخاصة بالعملية حول جسدنا .
أخي يهمس لي بصوت خفيض :
- سنكون بخير سأتمكن من رؤية وجهك الحبيب وساتمكن من السير إلى جانبك، سنقف أمام البحر ووجهانا متقابلان كما وعدتك، كوني قوية .
كان هو دائماً التوأم الأقوى؛ نما جسده على حساب جسدي طالت قدماه وذرعاه بسرعة بينما كانت قدماي وذراعاي تنموان ببطء وتتقزمان ويبدو كمن يحملني على ظهره .
عندما كان يسير يضرب الأرض بقدميه الواثقتين بينما كانت قدماي تلوحان في الهواء فتضطرب مشيتنا ونكاد نطيح و نهوي معا لولا أنه يمنّ عليّ فيبطئ من سيره وأحيانا يضيق ذرعاً بي وبضعفي فيتقصد أن يسرع ولا يتوقف حتى يشعر بصوت لهاثي ونشيجي.
ورغم قوته ونموه الجسدي على حسابي كان عقلي يعوض هذا النقص فيتمدد ويتوسع ويكبر ويركز على كل شيء، كنت الأذكى والأسرع في التعلم والأكثر تفوقاً في المدرسة الخاصة التي ألحقتنا أمي بها ؛ كان منظرنا السريالي يثير حفيظة المدرسين بادئ الأمر ثم لايلبثون ان يعتادوا على شكلنا وربما تنتابهم مشاعر الشفقة او الاستغراب او الدهشة.لكنهم يصمتون وتحكي عيونهم.
خرجت من غرفة العمليات.. هذا هو الإنجاز الأهم في حياتي، أن أكون على قيد الحياة .
عندما فتحت عيني عرفت أنني اجتزت معبر الموت وأن المعجزة التي كان عقلي يوهمني بها صارت حقيقة.
أول ما فعلته تحسست خاصرتي حيث موضع التصاق أخي بي. الفراغ يبدو هائلاً؛ شعرت كأني نصف كائن فقط.
همست لمن حولي لمَ لم يضعوا أخي معي في نفس الغرفة صمت الجميع.
ها أنا أقف وحدي؛ الآن أصبحت مكتملة إلا موضعا، أمامي يتلاطم البحر وخلفي فراغ قاتم يثقل ظهري يجعل خاصرتي مجوفة ممتدة إلى أفق المجهول.