مرصد الأزهر يحذر من الاستقطاب داخل السجون البريطانية
شدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على تحذيره المتكرر من الخطر الذي تشكله السجون، كبيئة خصبة لنمو وانتشار الفكر المتطرف؛ لا سيما أن العديد من السلطات لا تفطن لهذا الخطر الكامن، ما ينتج عنه عمليات إرهابية تحصد أرواح الأبرياء.
ونشر المرصد بيانًا يحذر فيه من جديد من حالة الاستقطاب الموجودة داخل السجون البريطانية، والذي أكد خلاله على المخاطر الموجودة من مثل هذه الحوادث خاصة حادث جسر ويستمنستر في العام 2017، فيما جاء نص البيان على النحو التالي:-
"لم يكن حادث جسر ويستمنستر الذي تم تنفيذه في مارس 2017 في مجلس العموم البريطاني وسط لندن هو الإشارة التنبيهية الأولى لضرورة الالتفات لهذا الخطر كما أنها ربما لن تكون الأخيرة!
لقد أسفر هذا الحادث عن مقتل 5 أشخاص، من بينهم ضابط شرطة، كان في نوبة عمله في محيط مجلس العموم البريطاني، وإصابة حوالي 50 آخرين، وعلى الرغم من أن تنظيم داعش الإرهابي أعلن مسؤوليته عن هذا الهجوم وأن منفذه كان على اتصال بالتنظيم لتنفيذ هذه الهجمات على المدنيين وقوات الأمن في بريطانيا؛ إلا أن شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية صرّحت وقتها أنها لا تزال تعتقد أن منفذ الهجوم تحرّك بمفرده، ولم يكن تابعًا لجماعة، وأنه تأثَّر بالدعاية الإرهابية.
علاوة على ذلك، صرَّحت الجهات المختصة بأنها ربما لا تفهم دافعه، بل إن شرطة العاصمة لم تجد دليلًا يُذكر على أن هجوم مسعود تمَّ تنفيذه وتنظيمه من قبل تنظيم داعش الإرهابي، حتى إن رئيسة وزراء بريطانيا وقتها، تيريزا ماي، قالت إن منفذ الهجوم خضع لتحقيق بشأن التطرف المتسم بالعنف من قِبل الفرقة MI5قبل ذلك "ولكنه لم يكن جزءًا من المشهد الاستخباراتي آنذاك؛ كما وصفته بأنه: "شخصية هامشية"، قائلة: "لم تكن لدينا أية معلومات مسبقة بشأن نيته في الهجوم أو المؤامرة".
ربما رغبت بريطانيا، بما لديها من مخابرات قوية وهيئة شرطية، وقوات مكافحة إرهاب على أعلى مستوى، في إنكار ارتباط منفذ هذا الهجوم بداعش تنظيميًا، ثقةً في قوة جهاز المخابرات لديها، واعتزازًا بالوضع الأمني فيها وطمأنةً للشعب. لكن الأمر الأهم الذي لا يمكن التنكر له أنه تم اختراق هذا الفاعل فكريًّا من قِبل تنظيم داعش الإرهابي، الأمر الذي يصعب جدًا رصده ما لم يتحول هذا الفكر إلى عمل إرهابي مروع كالذي وقع.
وببحث المرصد عن البيئة التي نَفَذَت من خلالها أفكار هذه التنظيمات المتطرفة إلى رجل مثل هذا، الذي لم يسلط عليه واحد من أقدر أجهزة المخابرات في العالم الضوء، ولم يرصد تحركاته وتبنيه للفكر المتطرف، وبالنظر في تفاصيل هذا الحادث، والمراحل العمرية لمنفذه، تبيّن لنا أنه تحول من "شاب محبوب من الجميع" إلى "مجرم يمارس العنف" ثم إلى "إرهابي".
وبين كل مرحلة وأخرى تفاصيل قد يكون من الصعب ذكرها في هذا التقرير، ولكن الملامح الأبرز في حياته تكشف لنا عن أنه نفّذ أحكامًا بالسجن في جرائم اعتداء متعددة، تتراوح من الأذى الجسماني الخطير، والاعتداء وحتى حيازة سلاح، وذلك منذ فترة مراهقته. وعليه، لا نرى غضاضة في القول بأن السجن جامعة تخرَّج فيها كثير من الإرهابيين حول العالم وعلى رأسهم "أيمن الظواهري"، زعيم تنظيم القاعدة، و"أبو بكر البغدادي"، زعيم تنظيم داعش الإرهابي.
لقد كان السجن بيئة خصبة لتخريج منفذ هجوم لندن، حيث التقطه أصحاب الفكر المتطرف هناك وأدلجوه عبر غرس الفكرة في ذهنه. لكن الظروف كانت مواتية جدًا في حالته تحديدا، إذ كان لديه استعداد نفسي للعنف بشكل كبير، فما برح المتطرفون داخل السجن حتى استغلوا مهاراته الإجرامية، وحالته النفسية الحانقة على المجتمع وميله إلى العنف؛ لتقنعه بأن هذا هو طريق الخلاص وأنه لا ثَمّ أفضل من "القتل باسم الله والموت في سبيله".
وعن خطورة السجون في تشكيل الفكر المتطرف لدى شريحة من السجناء ليست بالقليلة، أوردت صحيفة " "Daily Mailالبريطانية تقريرًا في 12 أكتوبر 2016، أشارت فيه إلى أن الجماعات الإرهابية تسعى لاستقطاب أتباع لها من داخل السجون.
وبذلك، أصبحت السجون بيئة خصبة للاستقطاب؛ لا سيما وأن بعض السجناء يرون في انضمامهم إلى الجماعات الإرهابية داخل السجون تكفيرًا عن جرائمهم، وخلاصًا لهم في الدنيا والآخرة.
وأعلن "بيتر نعمان" مدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، وأحد المشاركين في التقرير، أن السجناء يقيمون العديد من العلاقات الاجتماعية في السجون، وقال إن "داعش" تمثل لهم القوة والسلطة التي يبحث عنها الشباب. كما أكد أن الاستقطاب في السجون أسهل؛ لأن السجناء يكونون متورطين بالفعل في ارتكاب جرائم، وبذلك يصبح تحولهم إلى التطرف والعنف أكثر سهولة.
المشكلة قائمة وتتجدد
تتجدد تلك المعضلة الكبيرة هذه الأيام، مع تجدد الهجمات داخل السجون على الضباط، وأطقم العمل. وقد تعالت الأصوات المحذرة من تفاقم المشكلة حتى بين المسؤولين الحكوميين أنفسهم. وفي هذا السياق، يقول (جوناثن هال)، خبير معني بمراقبة التطرف، إن السجون البريطانية باتت مرتعًا للتطرف، وإن السجناء الإرهابيين لا تُوجَّه لهم تهم استقطاب زملائهم داخل السجون وتشجيعهم خلف القضبان على ممارسة التطرف، ما أدَّى بدوره إلى وقوع هجمات إرهابية شبه منتظمة على ضباط السجون.
وأضاف هال أن الإرهابيين يحظون بمكانة عالية داخل نظام السجون، ممَّا يخلق بيئة خصبة لهم للتأثير على من هم دونهم، لافتًا إلى أنه اقترح إجراء تحقيق في كيفية معاملة الإرهابيين داخل السجون. وفي السياق ذاته، أكَّد إيان أتشيسون، خبير معني بأمن السجون ومكافحة الإرهاب، أن هناك ضرورة لإنشاء أروقة خاصة لاكتشاف عمليات الاستقطاب، والحدِّ من إمكانية حصول السجناء على هواتف داخل السجون.
كيف تعمل شبكات التطرف داخل السجن؟
من المعلوم أن إدارات السجون تخلط بين المعتقلين من القتلة والمغتصبين ومدمني المخدرات وبين أصحاب الفكر المتطرف والإرهاب. وهنا يأتي دور هؤلاء، فهم يعرفون كيف يستقطبون هؤلاء السجناء الجنائيين، الذين لا يملك معظمهم سوى مستوى تعليمي محدود، ومن أوساط دخل محدود عادة، ومحرومة من العطف، علاوة على استعدادهم النفسي للإجرام وسفك الدماء؛ فيعمل المتطرفون على إدخال الواحد منهم تلو الآخر في شبكتهم الاجتماعية تدريجيًا، ليجد فيهم بعد فترة قليلة العائلة التي يفتقدها وطريق "التوبة" للتكفير عن ما ارتكبه من جرائم، حتى يصبح مقتنعًا تمامًا بالفكر الذي يقدمه هؤلاء له، وبمجرد خروجه من السجن تنتقل الأفكار التكفيرية التي تلقاها في السجن إلى حيز التطبيق على أرض الواقع.
إننا نؤكد على أن الوقت قد حان لمجابهة الإرهاب بغير الطرق التقليدية التي تركز بالأساس على المواجهة الأمنية، عن طريق الاهتمام باقتلاع جذور الفكرة وتجفيف المنابع والتنبه إلى النواحي النفسية والاجتماعية للإرهابيين. لقد حان الوقت للتعاطي مع الأفكار التي ينشرها المتطرفون ويبرعون في زرعها في عقول أتباعهم والمتعاطفين معهم، والنظر إلى وضع حلول عملية للقضاء على مفارخ الإرهابيين، ومنها السجون! فإذا كان السجن أحد القلاع الرئيسة التي تنتج التطرف وينتشر فيها، فإن التعامل مع هذه الأزمة بنوع من الاهتمام قد يكون بداية جيدة للحد من انتشار التطرف والإرهاب. وهذه بعض الإجراءات التي قد تكون مفيدة في هذا الصدد:
عزل السجناء ذوي الميول المتطرفة لمنع انتقال "عدوى التطرف" إلى السجناء الآخرين
ضرورة توجيه القوة الناعمة وحملات الإرشاد الديني إلى السجون؛ لتصحيح المفاهيم وتعليم معتنقي الإسلام حديثًا تعاليم الدين الصحيحة. وذلك بعدما ثبت أن المتحولين الجدد للإسلام هم أكثر الناس عرضة للتعصب أو التشدد، حيث إنهم يفتقدون الأصوات الوسطية المعتدلة بين الأصدقاء والأقارب، وليس لديهم العلم الذي يؤهلهم لمواجهة التعاليم المتطرفة. إعداد البرامج التأهيلية للمجرمين المتسمين بالعنف، والمساعدة في معالجة الأسباب التي قادتهم إلى ارتكاب الجرائم، واستغلال طاقاتهم فيما يفيد المجتمع، بدلًا من تركهم للدروس المتطرفة في السجون للاستفادة من طاقاتهم الإجرامية في الإرهاب والقتل.