من الأمية إلى المحاماة.. قصة فتاة تمردت على تقاليد عائلتها بالصعيد
لم يعيقها منع عائلتها لها من الحصول على حقها في التعليم كونها فتاة نشأت في عائلة صعيدية تؤمن بأن الفتيات قد خلقن لتكون زوجة وأمًا فقط، من تحقيق هدفها وحلمها الذي كانت تحارب لأجلهم بداية من التحاقها بفصول محو الأمية مرورًا بالجامعة حتى أن فتحت مكتب المحاماة الخاص بها.
تقول رية، في حديثها لـ"القاهرة 24"، إن قدرها كان أن تنشأ في عائلة من العائلات التي ترفض تعليم الأبناء، حيث إن الفتاة من المفترض أن تمكث في المنزل لخدمة أهلها، والولد يمتهن أي مهنة لمساعدة الأب في تحسين وضع الأسرة ماديًا، مشيرة إلى أنها عندما كانت في المرحلة الابتدائية عندما كانت تخبر أهلها بأنها ذاهبة على المدرسة، كانت تتلقى سيلًا من السباب والصراخ وفي بعض الأحيان كانت قد تصل إلى الضرب.
ولكن على الرغم من نشأتها وسط عائلة رافضة لمبدأ تعليم الأبناء، لم تشعر رية بالسخط أو الحقد اتجاه الفتيات الأخريات اللاتي سلكن طريق العلم بدون عوائق، حيث إنها دائمًا ما تشعر بالفخر لأنها اضطرت إلى أن تسير في طريق مليء بالصعوبات التي من شأنها أن تصيب الشخص بالإحباط واليأس، ولكنها لم تفعل، حيث إنها كلما زادت العوائق شعرت بالتميز والاختلاف عن غيرها، على حد وصفها.
التحقت رية بالمدرسة في المرحلة الابتدائية وهى في عمر الثماني سنوات، دون علم والدها وأهلها قضت بها سنتين فقط، إلى أن وصلت إلى المرحلة الإعدادية، تضيف في حديثها لـ"القاهرة 24"، أنها عندما كانت تذهب للمدرسة تختار أن لا تسير في طرق من الممكن أن تقابل أحد من عائلتها به، حتى لا يمنعوها من الذهاب إلى المدرسة لقضاء يومها الدراسي.
وأشارت رية، في حديثها لـ"القاهرة 24"، إلى أن أهلها علموا بالتحاقها المدرسة منذ أن كان عمرها لم يتجاوز العشر سنوات، بعد أن التحقت بالمرحلة الإعدادية، مضيفة أنها بعد أن نجاحها في تلك المرحلة صارحت والدها الذي لم يمانع استكمال مسيرتها التعليمية بعد أن وجد تمسكها وإصرارها على أن تحقق ذاتها وتكون أول فتاة في عائلتها تلتحق بالجامعة، "عندما وجدوا نتائج ما أسعى لأجله وإنني اتخذ الموضوع على محمل الجد لم يقفوا أمام حلمي الذي لطالما تمنته"، تقول رية. لم يكن إصرارها وعزمها على النجاح هما فقط الدافع وراء موافقة أهلها لتحقيق هدفها، ولكن كان هناك حافز أقوى وأهم تعتبره رية "بطل القصة"، ولولاه ما كانت لتوصل إلى ما هي عليه الآن، توضح رية أنها بدون إيمان والدتها بها وإلحاحها على تحقيق ما كانت تتمناه عن طريق أولادها لما كانت استطاعت دخول الجامعة، "لولا أمي لكنت وصت للمرحلة الإعدادية فقط ومكثت طوال حياتي بالمنزل" تضيف رية.
بطاقات بالمجان وتوعية حول كورونا.. قومي المرأة بالمنيا يبدأ العمل داخل قرى "حياة كريمة" (صور)
صممت والدتها على دخولها مرحلة الثانوية على الرغم من حصولها في السنة الأولى لها في الصف الثالث الإعدادي على مجموع لم يؤهلها لدخول المدرسة الثانوية، ولكنها رفضت بشدة أن تترك التعليم أو تلتحق بأي مدرسة أخرى، تضيف رية أنه من شدة إصرار والدتها على التحاقها وأخيها بالمدرسة جعل أهلها يدفعون والدها للذهاب لأهل والدتها للشكوى منها، حيث إن المصاريف التي تطلبها العملية التعليمية كثيرة وهو ما لا يقدر على توفيره، وهو الأمر الذي قامت والدتها بالتصدي له حتى إن والدها قام بسحب ملف أخيها من المدرسة ما دفع والدتها للذهاب للمدير وتهديده إنه في حال ضياع ملف ابنها مرة أخرى ستقوم بتقديم شكوى ضده.
توضح رية، خلال حديثها لـ"القاهرة 24"، إلحاح والدتها لاستكمال تعليمهم كان نابعًا من أنها كانت تود أن تلتحق بالمدرسة مثل باقي صديقاتها ولكن كان حظها بأنها ابنه لعائلة ترفض تعليم أولادها، لذلك كانت تسعى إلى أن تعوض ما حرمت منه في أولادها، وذلك دفعها أن تحيد عن اتباع التقاليد المتعارف عليها في الصعيد وهو زواج الفتيات في سن صغيرة، حيث إنها كانت ترفض أي "عريس" يتقدم لخطبة ابنتها، في بداية الأمر كانت تبرر ذلك بأنها صغيرة ولا تستطيع تحمل مسئولية بيت وعائلة، ولكن بعد أن افتضح السر الذي بقي بينها وبين ابنتها سنين أصبحت تقف في وجه كل من يفكر في الحديث عن زواج ابنتها دون أن تكمل تعليمها.
وزير التعليم: غير مسموح لطلاب الثانوية باصطحاب ملازم أو كتب خارجية في الامتحان
ما دفع رية لعدم السير على خطى باقي فتيات عائلتها أنها نشأت في العائلة أغلبها لم يحصل على شهادة جامعية إن لم يكن متعلمًا بالأساس، "اكتشف أن هناك دنيا أخرى وأشياء مختلفة"، تقول رية، مضيفة أن رؤيتها للمجهود التي تبذله والدتها لتحصل هي وأخوها على شهادة دراسية يحسن من مكانتهم في المجتمع، كان دافعًا وراء قيامها بذلك.
في نهاية حديثها لـ"القاهرة 24"، قالت رية إن هناك عديدًا من العائلات التي ما زالت حتى الآن ترفض تعليم الأبناء خاصة في محافظات الصعيد، موجهة لهم نصيحة بالسماح لأولادهم للحصول لهم على شهادة جامعية، التي في المستقبل ستكون هي سلاحهم في المستقبل، وسيمكنهم من أن يحتلوا مكانة مرموقة في المجتمع، مضيفة أن الشخص المتعلم دائمًا ما ينفع نفسه ولا يحتاج إلى مساعدة شخص آخر، كما أن الزمن الذي نعيش به الآن لا يحتاج إلى شخص لا يخطو أي خطوات للأمام منتظرًا أن تأتي الفرصة بدون بذل أي مجهود.
وأوضحت حتى إذا كان العائد المادي الذي تجنيه كونها محامية ليس بالمجدي إلا أنه من الممكن أن يجعلها تشعر بأن ما قامت به والتحديات التي واجهتها كان دون جدوى، لكنها تنتظر فرصة أفضل في المستقبل إذا لم تكن في مجال المحاماة فمن الممكن أن تكون في هيئة محو الأمية المكان الذي شهد على رحلة نجاحها الذي تفتخر أن تقدم له أي خدمات عرفانًا منها بما ساعدها أن تصل إليه.