تاريخ وتطور الحدائق من المصريين القدماء حتى الآن
يضم العالم منذ القدم مجموعة عريقة من الحدائق القديمة والموسسة على أيدي قدماء ملوك العالم بمختلف الحضارة ومنها الحضارة المصرية القديمة، والحضارة العراق "الفارسية، والآشورية والسومرية"، وحضارة الهند، وحضارة الصين، والحضارة اليابانية، والحضارة الرومانية، والفرنسية، وغيرها من الحضارة المختلفة والتي تعبر عن شعوبها منذ القدم، ويرجع اسم الحضارات القديمة إلى الحضارات التي تأسست في العالم القديم "أوروبا، وإفريقيا، وآسيا" وجميعها تطل على البحر الأبيض المتوسط باستثناء حضارتي الصين والهند وذلك يربط بين الزمان والمكان وتاريخ الحضارات القديمة هو أكثر من 5000 سنة قبل الميلاد.
ونستطرد لكم أبرز الحدائق القديمة في العالم كالتالي:
الحدائق الفرعونية: تعد مصر هي أول دولة في العالم تنشئ فكرة الحديقة وتعتبر حديقة الملك تحتمس الثالث فى معبد الكرنك هى أول حديقة فى التاريخ، والملك تحتمس الثالث هو أول من وضع حجر الأساس في إنشاء الحدائق الكبرى ويليه الملك رمسيس الأول، وقد وجدت إحدى صور الحدائق على ورق البردي في عصر الدولة الحديثة في إحدى المقابر الفرعونية بالأقصر.
والحضارة المصرية من أقدم الحضارات التي اهتمت بالحدائق، فعلى الرغم من أن تصميم الحدائق كان يعكس قوة وإبداع الهندسة فى الحضارة المصرية القديمة، فإن الغرض الأساسي من الحدائق لدى قدماء المصريين كان يهدف إلى مابعد الموت، والحدائق في الحضارة المصرية القديمة كانت لها استخدمات أخرى مثل تجميل المعابد وقصور الفراعنة ومساكن طبقة الأثرياء من الكهنة والوزراء، وكان يطلق عليها الحدائق الكبرى أو الحدائق النباتية.
حدائق بابل المعلقة: وهي إحدى عجائب الدنيا السبع التي أنشئت لتكون واحة من النباتات والأشجار، وهي حدائق محاطة بسور نباتي من الخارج لحمايتها، ويوجد بداخلها برك مائية على هيئة شلالات، وقد صممت هذه الحدائق على طراز هندسي مميز، وسميت معلقة لأنها نمت على شرفات القصور، وكانت تروى في ذلك الوقت عن طريق رفع المياه يدويًا.
ويرجع تاريخ إنشاء الحدائق المعلقة إلى عام 600 قبل الميلاد، وصُممت في عصر الإمبراطورية البابلية، وتتميز بكبر مساحتها وتَعَقُّد تخطيطها نظرًا لتصميمها الهندسي المتراكب على هيئة مصاطب أو مدرجات ذات المستويات المختلفة الارتفاع، وهي عبارة عن أربعة أفدنة على شكل شرفات معلقة على أعمدة مرتفعة. كما يوجد بها ثماني بوابات، وهي من أشهر معالم الحضارة العراقية القديمة.
الحدائق الأشورية: وأصل كلمة اشور هو من آشارو وهي تعني البداية وكانوا يسكنون العراق وحدائقهم مقتبسة من الحدائق الفرعونية وهي أول نوع من أنواع الحدائق العامة خارج البيوت، وفي الساحات العامة وضواحي المدن، وتأخذ طابعًا هندسيًا مميزًا، وقد استعملت في الحدائق الأشورية الخطوط الهندسية المستقيمة، وزرعت فيها الأشجار في خطوط مستقيمة ومتوازية دون المساس بمنظر الغابة الطبيعي الذي يوفر للمنتزه وظيفته الأساسية وهي الاستمتاع بأوقات الراحة والتسلية أثناء ممارسة الصيد، وأنُشئت تلك الحدائق حول المعبد الرئيسي في المدينة، ويحيط بالمعابد والقصور التي تُقام في أعالي التلال والدرجات التي نشئت عليها أشجار الصنوبر، والزيتون، وتقسم هذه الحدائق إلى مناطق للحقول والمزارع وأخرى للبساتين والأشجار المثمرة، التي تمت زراعتها بجوار الأراضي المخصصة للبناء بغرض تزيين المساحات.
الحدائق الهندية: بدأ إنشاء الحدائق الهندية في القرن الخامس قبل الميلاد في بلاد الهند والفرس التي دُمرت معالمها الإنشائية وآثارها المعمارية بسبب الغزوات المغولية، وكانت تصمم على طراز هندسي تروى في بداية إنشائها يدويًا ثم تطورت طرق الري بإقامة بعض القنوات الضيقة والمبطنة بالحجارة والتي كانت تستخدم في توصيل المياه إلى البركة التي تكون في منتصف الحديقة، وبعد ذلك يتم توزيع المياه على باقي الأماكن داخل الحديقة. ويوجد بالحدائق الهندية النوافير والممرات المغطاة بالحجارة، هذا وقد زرعت بها العديد من النباتات والأشجار
الحدائق الفارسية: اهتمت الحضارة الفارسية منذ القرن السادس وحتى القرن الرابع قبل الميلاد بجمال الحدائق، وظهر ذلك في كتاباتهم عن طبيعة وتصميم الحدائق ومساحاتها وتنسيقها؛ فالحدائق الفارسية تميل إلى الشكل المربع أو المستطيل، وكان يزرع فيها العديد من النباتات، وكان يطلق عليها (الجنان) أي المحاطة بالجدران.
الحدائق الصينية: تعد الحدائق الصينية من أشهر حدائق التى شهدها العالم وقد اهتمت الحضارة الصينية ببناء الحدائق اهتمامًا كبيرًا، فكانت الحدائق الصينية تتسم بالطراز الطبيعي، حيث كانت تصمم على ضفاف الأنهار، وكلما كانت الحدائق بعيدة عن ضفاف الأنهار ظهر في تصميمها الطراز الهندسي الذي يعتمد على النوافير والممرات داخل الحدائق، وتأثرت الحدائق الصينية بالعديد من الأديان والمعتقدات وأهمها الديانة البوذية، حيث يعتقد الصينيون أن الإنسان خُلِقَ من الأرض مثل الجبال والأزهار، والحديقة الصينية أنشئت على طراز يحاكي الطبيعة ويمثل الجنة.
الحدائق اليابانية: كانت تعرف هذه الحدائق بـ"حدائق القمر"، وتعتبر تطبيقًا لاحقًا للحدائق الصينية، وتتميز الحدائق اليابانية بالطراز الطبيعي، حيث تمثلت الطبيعة فيها بعنصرين أساسيين هما الماء والصخور، وكانت تعتمد في إنشائها على البيئية المحيطة من أشجار ونباتات وأعشاب، وقد استخدمت فيها الأحجار بغرض إنشاء الممرات والطرق الدَّاخلية للحديقة.
الحدائق الإغريقية: تعتبر الحدائق الإغريقية أو ما تعرف أيضا بأسماء اخرى مثل بلاد اليونان القديم أو حدائق الفلاسفة لازدهارها فى عهد الفلاسفة الإغريق، وتعرف بأنها من أقدم أنواع الحدائق التى شهدها العالم، فهى اقتباس من الحدائق التى سبقتها وخاصة الحدائق الفارسية.
الحدائق الرومانية: تعتبر الحضارة الرومانية من أشهر حضارات العالم، نظرًا لكون الرومانيون مغرمون بالطبيعة والنباتات فقاموا بإنشاء الحدائق العامة والخاصة؛ مما جعلها من أهم معالم الحضارة الرومانية، وكان يراعى في تصميمها أن تكون على الطراز الهندسي، حيث يتم إدخال عناصر أخرى لتجميلها؛ كالممرات المائية والممرات التي بين الأشجار والنباتات، وكانت تتزين المدن الكبرى في الحضارة الرومانية من خلال إنشاء حدائق متنوعة والتي كان يستخدمها كافة الأشخاص، ولا يقتصر دخولها على طبقة معينة.
الحدائق العربية والأندلسية: ظهرت الحدائق العربية في القرن التاسع الميلادي بعد أن تمكن المسلمون من فرض سيطرتهم الكاملة على الأندلس في القرن الثامن الميلادي، وأتاح هذا الأمر للحضارة الإسلامية في الأندلس التطور والازدهار. ومن خلال ذلك وصف المؤرخون عاصمتها قرطبة بعاصمة أوروبا الثقافية والعلمية، حيث إن الشعر الأندلسي مليء بوصف الأندلس ومابها من حدائق. ومع انتشار الديانة الإسلامية في أوروبا؛ نقلت إلى أوروبا الفن العربي واختلط الفن العربي مع الفن الأندلسي، وارتبطت الحدائق الأندلسية بالقصور، حيث إن الخليفة الأموي "عبد الرحمن الدَّاخل" هو أول أمر بزرع عدد من الأشجار في حديقة قصره، وبذلك يعد أول من أسس لمفهوم الحدائق النباتية في أوروبا.
الحدائق الإيطالية: ظهرت الحدائق الإيطالية في أواخر القرن الخامس عشر في روما، حيث اشتهرت إيطاليا بعدد كبير من الحدائق العامة والخاصة، وكانتصميمالحدائق الإيطاليةيتميز بالتصميم الهندسي الذي يراعى فيه الربط والتكامل بين تصميم الحديقة والمسكن، وأهم مما تشتهر به الحدائق الإيطالية الخضروات والأشجار والأعشاب الطبية. وكان الهدف من إنشاء تلك الحدائق التأمل والصلاة فيها.
الحدائق الفرنسية: تعود نشأة الحدائق الفرنسية إلى عصر النهضة الذي تميز بالترف الفكري والثراء الفني؛والذيأتاح للمجتمع الفرنسي مزيدًا من الرفاهية في مجالات عديدة، ومكنته - في ذلك الوقت - من تطويرالحدائق، فعلى الرغم من أن الحدائق الفرنسية تميزت بالتكوينات الهندسية في التشكيلات النباتية، إلا أنها لم تفتقر إلى التصميمات الطبيعة في تكويناتها؛ كالوديان والصخور الجبيلة، وقد انتشرت الحدائق الفرنسية في جميع أنحاءأوروبا لتميزها بين الحدائق الأخرى، فهي تمتاز بتطبيق التكوينات الهندسية في التشكيلات النباتية، وتأثرت بالحديقة الصينية والإنجليزية في تصميمها، ومن أهم تلك الحدائق الفرنسية وأشهرها حدائق قصر فرساي.
الحدائق الإنجليزية: تطورت الحدائق الإنجليزية منذ نهاية القرن الثامن عشر حتى بداية القرن التاسع عشر وانتشرت في أنحاءأوروبا في القرن العشرين، وتطورت الحدائق في تصميمها حيث قدمت الحديقة الإنجليزية للعالم صورة مثالية للطبيعة، ولم تفتقر الطُرز الهندسية في تصميماتها كالنوافير والشلالات، وأصبحت الحدائق الإنجليزية حافز للتخطيط الحضاري للحدائق في جميع أنحاء أوروبا.
الحدائق الأمريكية: تعتبر الحدائق والمنتزهات الأمريكية امتدادًا للحدائق الأندلسية التي ظهرت في جنوب أمريكا وكاليفورنيا، وتعود نشأة المنتزهات في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مارس من عام 1872م حيث تم إنشاء منتزهThe Yellow Stoneالممتد بين ولايات مونتانا ويومنجوايداهو، من أجل استمتاع المواطنين بجمال الطبيعة، وكان يراعى عند إنشاء المنتزهات في الولايات المتحدة الأمريكيةاختيار الموقع بأن يكون قريب قدر الإمكان من المحلات والأماكن السكنية والعمرانية، وتم تكوين أول إدارة في الدولة لصيانة المنتزهات، وتم أعداد عشرة منتزهات قومية خلال فترة الخمسينات من القرن العشرين.
تأثرت المنتزهات الأمريكية بالحدائق الإنجليزية، والطابع الياباني، حيث اتضح هذا التأثير على تصميمها، كما توجد بعض الحدائق التي تأثرت بالحدائق الأندلسية. ومع التطور التكنولوجي في كافة المجالات لوحظ إدخال طرازات تعتمد على الطابع الأمريكي سواء في المساحات أو الخدمات أو الأنشطة داخل الحدائق الأمريكية.
ومن خلال ماتم استعراضه من تسلسل تاريخي يمكن تلخيص نشأة وتطور الحدائق والمنتزهات وتصميمها عبر العصور المختلفة والحضارات القديمة والحديثة في نطاق زمني ومكاني؛ فالنطاق الزمني يبدأ من العصر الفرعوني مرورًا بالفتوحات الإسلامية إلى العصر الحديث وعصر النهضة، أما النطاق المكان فيمتد من الحديقة الفرعونية بمصر مرورًا بالحضارة الأوربية وعصر النهضة في كلٍ من إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا حتى وقتنا هذا.