حب الأولاد فطرةٌ
جُبلت البشرية على حب كثرة الأولاد، ووفرة الأعداد، حتى قيل قديما: (كثرة الأولاد عزوة)، واصطلحت المصطلحات السياسية على أن كثرة الأعداد ثروة، ولذلك لما امتن الله –تعالى- على قوم شعيب امتن عليهم بهذه الكثرة، فقال –سبحانه-: {واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم} [الأعراف: ].
إن كثرة الأولاد سنةٌ عن النبيين السابقين، قال –سبحانه-: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية}، وأخبرنا رسولُنا الكريمُ –صلى الله عليه وسلم-، أن أخاه سليمانَ بنَ داود –عليهما السلام-، قال: "لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسًا يجاهدُ في سبيل الله" ولم يقل: إن شاء الله، قال –صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله؛ لجاهدوا جميعًا في سبيل الله فرسانًا أجمعون"، وهذا الحديث يبيِّن حبَّ سليمان لكثرة الولد.
كما أن بني إسرائيل –عليه السلام- كانوا اثني عشر رجلا، وهم الأسباطُ، إخوةُ يوسف –عليه السلام-.
وكذلك هذه سنة العرب قديمًا، فكانوا يتباهون بكثرة أولادهم، ويتفاخرون بأبنائهم، وكانت كثرة الأولاد عندهم عدة ومنعة، وحصنًا حصينا يحتمي به الرجلُ إذا ألمت به ملمة، أو صال عليه عدوٌّ صائل ... فعبدُ المطلب جدُّ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم- كان له أربعة عشر ولدًا، ما بين ذكرٍ وأنثى، والوليدُ بنُ المغيرة –عليه من الله اللعنة- كان له عشرةٌ من الولد، ولذلك استفزَّ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- فينا معاشر المسلمين هذه الفطرة، تأسِّيًا بالأنبياء والمرسلين، والعرب الأقدمين، فقال –صلى الله عليه سلم-: "تزوجوا الوَدُود الولُود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة"، وقال: "تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مُباهٍ بكمُ الأمم يوم القيامة". وكان لرسولنا –صلى الله عليه وسلم- سبعةٌ من الولد، أربعةٌ من الإناث، وثلاثةٌ من الذكور، وقد أثِر عن عمر أنه كان له تسعة من الولد: سبعة من الذكور، وابنتان، فهذه فطرة وجبلة، جبلها الله على القلوب، وفطرَها عليها. حكم تنظيم النسل: تنظيم النسل له صورتان: الأولى: تحديد مدةٍ معينة بين كل ولدٍ والآخر. والثانية: تحديد عدد الأولاد. وتنظيمُ النسل على تين الصورتين يدور حكمه بين الإباحة وعدمها على حسب الداعي إليها، فإذا كان الباعثُ عليه مباحًا كان التنظيم جائزًا، ولا حرج فيه، فقد روى جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- أن الصحابة كانوا يُعزِلون على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-، والقرآنُ لا يزال ينزلُ، ولم ينكر عليهم القرآنُ ذلك، مما يدل على الإباحة والجواز، والعزلُ وسيلةٌ من وسائل التنظيم. إلا أن سببَ عزلِهم تصحيحُ أنسابهم، والمحافظة على شرفها، فإذا كانت تحتهم امرأةٌ ذات حسب أو نسب، ما كانوا يعزلون عنها، رجاء أن يكون لهم ولدٌ له صلةٌ بهذا النسب، أما إذا كانت المرأةُ غيرَ حسيبةٍ ولا نسيبةٍ، فكانوا يعزلون عنها، ولذلك لم يؤثر عنهم عزلُهم عن بنات كسرى وفارس، لِمَا اشتُهر عنهم من قوة العقل، وحدة الذكاء. ويكون التنظيم مكروهًا إذا كان الدافعُ عليه الخوفَ من الفقر وقلة ذات اليد، لعدم يقيننا في وعد الله لنا بالرزق، كما قال –سبحانه-: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم} [الإسراء: 31]، وقال –جل ذكره: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها} [هود: 6]، وقال –عز من قائل-: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} [الذاريات: 22]، وأقسَمَ على ذلك، وما كان له أن يُقسم، فقال: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} [الذاريات: 32]. ومما هو معلومٌ بالفطرة أن الولد يولدُ برزقه، وقد أكَّد على ذلك رسولُنا الصادقُ المصدوقُ –صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن أحدكم يُجمع خَلقُه في بطن أمه أربعون يومًا نطفةً، ثم يكون علقةً مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يأتيه الملَكُ، فينفُخُ فيه الرُّوح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: بكَتبِ رزقه، وعمله، وأجله، وشقيٌّ أو سعيدٌ..."، فرزق الولد مكتوبٌ مذ أن كان جنينًا في بطن أمه، بل محدَّدٌ له ومقدَّرٌ من قبل خلق السموات والأرض، قال –سبحانه-: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22]. فالأصل في تنظيم النسل الجواز والإباحة، إلا أن يكون سببه الخشية من الفقر، وقلة ذات اليد؛ فيكون مكروهًا. حكم وسائل تنظيم النسل: وسائل منع الحمل نوعان: الأول: وسائل تمنع منعا مؤقتا، وهذه لا حرج فيها، وهي جائزة ومباحة. الثانية: وسائل تعطِّلُ تعطيلا مؤبدًا، وهي حرامٌ لما فيها من تغيير لخلق الله، وتحويل لطبيعة المرأة التي خلقها الله بها، فروَى جابرُ بنُ عبد الله –رضي الله عنهما-، أن رجلا جاء للنبيِّ –صلى الله عليه وسلم-، يستأذنه في الخِصاء، فنهاه النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على حرمة تعطيل آلة النسل تعطيلا تاما، وسواء في ذلك الرجل والمرأة. أسأل الله أن يحفظ علينا أولادنا، وأن يجعلهم مبارَكين في الدنيا والآخرة.