يبني قواعد مجده.. حكاية "عبد الله" من نزيل دار رعاية لمُعيد في جامعة الزقازيق (صور وفيديو)
"الناس لا ترحم".. عبارة قاسية لكنها واقعية جدًا في وصف نظرة المجتمع حيال أطفال الشوارع ومن لم يجد مأوى سوى دور الرعاية، يكيلون لهم الاتهامات ويصفونهم بأبشع الصفات، لا لشيء إلا لظروف لم يختاروها أو يكن لهم فيها من الأمر شيء، وبين هذا وذاك يفاجأ الجميع بمن يُدون اسمه فجأة بحروف من نور في جبين هذا المجتمع، ويؤكد سلبية وسوء تقدير من لا يرحمون، ويُعلي من قيمة وإمكانية نجاح هؤلاء إذا ما تغيرت النظرة وزاد الإيمان بهم وفيهم لإعلاء شأن الوطن وأبنائه.
"عبدالله شكري".. اسم تصدر محركات البحث وعبارات القاصي والداني داخل محافظة الشرقية وخارجها، بعدما تمكن ابن الثانية والعشرين ربيعًا، من تحدي ظروف لم يعرف سواها، ونجح أخيرًا في نيل وسام التفوق وثقة جامعة الزقازيق في أن يكون أول مُعيد بكلية التربية الرياضية بنين، وهو ابن ممن تربوا في دار رعاية، وهو ما لا يعرفه كل من خط القرار أو رشحه أو علم بذلك داخل أسوار الجامعة، على الرغم من الفخر الذي يبعث عليه ذلك بعكس من الكثيرين.
"نفسي إخواني في الدار يشوفوني قدوة ويكونوا أحسن مني كمان".. عبارة قالها "عبدالله" بإصرار كما لو كانت رسالته التي يؤمن بها، منوهًا بأنه لم يكُن مثالًا في استذكار دروسه، كما يخال للبعض، وكان في ذلك حلم آخر: "كنت بلعب كورة وبحب لعب الكورة ووصلت لأني كنت هلعب في فريق الإسماعيلي لكنهم طلبوا قيدًا عائليًّا وعلشان ظروفي مروحتش تاني ولا عرفت حد".
ضاع حلم كرة القدم من "عبدالله" لكنه لم يتخلَّ عن حُب الرياضة وعاد أقوى، يتعلم ويتدرج بعد التحاقه بكلية التربية الرياضية بنين، جامعة الزقازيق، وسنة دراسية بعد الأخرى يؤكد الفتى تفوقه حتى نجح أخيرًا في احتلال المرتبة الخامسة على مستوى الكلية، وبين هذا وذاك كان امتحان إحدى المواد التي تعرض خلاله لحالة إغماء، لكنها لم تمنعه من التفوق.
في أغسطس الماضي كان النبأ الأسعد في حياة "عبد الله" باختياره مُعيدًا بالكلية التي أحبها وتفوق فيها، لكن الأمر استغرق بضعة أشهر لخروجه إلى الإعلام عبر بيان رسمي من مديرية التضامن الاجتماعي بمحافظة الشرقية، وكأن الله يُعوضه عن ضياع حلم كرة القدم بأن يهرول الجميع خلفه يبحث عن كلمات يقولها وتصاريح يؤكد خلالها على ما دفعه للتفوق، وبالطبع كان "القاهرة 24" أول الحضور لتوثيق ذلك في ظهور حي وأول مع الشاب.
اختتم "عبد الله" سرده لتفاصيل رحلته لـ"القاهرة 24" بالتأكيد على أن حلمه لا يزال يبحث عن أعلى الدرجات الدراسية "ماجستير ودكتوراة"، فضلًا عن إثراء الرياضة في مصر وأن يكون سببًا في ذلك، لكنه بعث برسالة بين السطور يُغلفها الحياء، بأن تسمح الجهات المسؤولة بأن يكون له وحدة سكنية تأويه وتُعينه على حالة وترحمه من مشقة الذهاب والعودة يوميًا بين المسكن الذي وفرته المديرية بمدينة العاشر من رمضان، وبين جهة عمله وتفوقه بجامعة الزقازيق.
يلتقط محمد كمال الدين الحجاجي، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بمحافظة الشرقية، أطراف الحديث، ليؤكد على أن "عبدالله" بات مثالًا يُحتذى به ويدفعهم للفخر بأن دور الرعاية باتت مصدرًا للتفوق والأشياء الجميلة، ولم تعُد مصدرًا للقلق أو الحديث غير الجيد، كما يخال للبعض.
وقال "الحجاجي" في تصريحات لـ"القاهرة 24"، إن المديرية كانت وستظل داعمة لـ"عبدالله" والنماذج التي تشبهه من المتفوقين من أبناء دور الرعاية المختلفة بالمحافظة، منوهًا بأنهم يتحملون ما لا يتحمله بشر لأجل أن يعيشون لحظة تفوق كتلك التي يعيشونها منذ سطوع نجم "عبدالله" وتفوقه.
سيد عثمان، مدير الرعاية بدار "المدينة المنورة" بمدينة العاشر من رمضان، كان له نصيبًا من الحديث هوَّ الآخر، خاصةً وأن الدار كانت المكان الشاهد على حياة "عبدالله" ونضوجه وتفوقه، ليؤكد "عثمان" على أن نماذج الدار الطيبة من شاكلة "عبدالله" وإخوته في الدار ليست قليلة، داعيًا الجميع بزيارتها للتأكد من صحة حديثه.
وأشار مدير الرعاية بدار المدينة المنورة بالعاشر من رمضان، إلى أن ما حققه "عبد الله" مثالًا يؤكد على أن أبناء دور الرعاية بينهم نماذج تستحق المساندة، خاصةً وأنه تفوق وحده وشق طريقه، منوهًا بأن أبناء دور الرعاية يستحقون نظرة طيبة وأملًا وفرصة لا أكثر كي يصبحوا أكثر نضجًا وصلاحًا.