"ولا ننسى حبايبنا"
• زمان من حوالي 300 سنة وفي واحدة من القصص الحقيقية في المغرب واللي انتشرت بعد كده وبقت مع الوقت قصة تراثية الناس بيقولوها بدون ما يكونوا عارفين أصلها إيه؛ كان فيه اتنين أخوات واحد اسمه "إبراهيم"، والتاني اسمه "عابد" عايشين في قرية.. إتنين شباب عايشين لوحدهم بعد وفاة والدهم ووالدتهم اللي ماتوا ورا بعض بسبب وباء قاتل في خلال شهر واحد بس!.. صحيح إن الولدين بقوا كبار وعدوا سن الـ20 وبقوا قادرين يعتمدوا على نفسهم بس برضه كسرة القلب والضهر بعد وفاة الأب والأم صعبة حتى لو الواحد عنده 100 سنة!.. "إبراهيم" هو الأكبر وخلينا نقول الأطيب.. "عابد" الأصغر وبرضه كان طيب بس منسوب قلة الأصل والقرف والتخلي اللي شافه هو وأخوه من الناس خلّوا قلبه بقى جامد شوية.. رغم أن الأب "منصور" كان خيره حرفياً على كل الجيران والمفروض إن الكل يقف جنب ولاده بعد وفاته بس ده ماحصلش!.. الأب كان بيشتغل شيال.. ماكنش ثري آه بس كان مستور لكن بعد الوفاة بقى برد اليُتم يلسع الأخين.. الأخين اتمرمطوا في كذا شغلانة بدون ما نفر يمدلهم إيده.. طبع الدنيا القاسي اللي بتظهر فيه حقيقة الناس كان هو صاحب الكلمة في الموقف.. "إبراهيم"، و"عابد" ماخدوش وقت طويل عشان يكتشفوا إن الدنيا عايزة معافرة واعتماد على النفس وتخلّى عن اللي اتخلوا.. اشتغلوا مزارعين في مزرعة كبيرة في قرية جنب قريتهم الأساسية ومرت الأيام واثبتوا نفسهم فيها والأمور بتاعتهم اتحسنت نسبياً.. على فكرة هما ماكانوش مقطوعين عن الناس نهائياً!.. لأ خالص ما هو برضه محدش ينفع يعيش لوحده بنسبة 100%.. كان فيه تعامل وعلاقات ما هو أنت كل ما بتنجح أو حياتك بتنور بيبقى حواليك ناس حتى اللي بعدوا وقت ما كنت محتاجهم!.. من الجيران.. أو من الأصدقاء القدام اللي بيظهروا عشان مصلحتهم بقت معاك.. أو من الأصدقاء اللي حسوا بغلطتهم إنهم اتخلوا فرجعوا تاني عشان يكفروا عن غلطة بُعدهم بالقرب.. أو من ناس جديدة حتى.. المهم إنك بتبقى متحاوط كده كده بـ ناس، والشاطر هو اللي الأزمة تعلمه ويبقى قادر يفرز قبل ما يلبس تاني!.. ظروف الأخين بقت في تحسن مستمر لدرجة إن صاحب المزرعة اللي بيشتغلوا فيها من أمانتهم خلاهم شركاء معاه.. طبعاً ده تحول عمل طفرة في حياة الاتنين وكان بمثابة تعويض إلهي عن اللي فات كله.. "إبراهيم" قرر يشتري بقرة ودبحها وبدأ يطبخها وعملها مفاجأة لأخوه!.. والسبب؟.. حاجة كده زي حلاوة النقلة اللي حصلت في حياتنا.. بس إحنا هناكل بقرة لوحدنا!.. أكيد لأ.. طلب "إبراهيم" من "عابد" إنه يطلع ينده كل جيرانهم وأصحابهم اللي في القرية عشان ياكلوا معاهم احتفالاً بتحسن الأحوال.. هنا وقف "عابد" لأخوه ورفض!.. ناس مين اللي نعزمهم ياكلوا معانا يا عم!.. ما إنشالله ماطفحوا أنت نسيت اللي عملوه فينا؟.. أو على وجه الدقة اللي ماعملهوش معانا!.. "إبراهيم" اللي منسوب الطيبة عنده أكتر شويتين تلاتة كان بيتكلم من منطلق إن خلاص بقى عفا الله عما سلف وخلينا إحنا الأحسن والحمدلله إن ربنا هو اللي وقف جنبنا عشان مايبقاش لمخلوق فضل علينا.. "عابد" صمم وقعد يرص قدامه سلسلة الندالات اللي حصلت.. فاكر لما أنت كنت عيان وجارنا الطبيب فلان رفض ييجي حتى يبص عليك؟.. فاكر عمنا اللي المفروض دمه من دمنا اللي ماجاش سأل علينا ولا مرة بعد وفاة أبوك مع إن بيته جنب بيتنا؟.. فاكر الناس اللي كنت هتناسبهم بس لما بقينا لوحدنا رفضوك؟.. فاكر وفاكر وفاكر؟.. كل الكلام ده كان بيوجع "إبراهيم" أكيد بس فضل هو كمان مصمم على رأيه وإن اللي فات مات وإخلص بقى يا عم الأكل هيبرد.. قدام تصميم "إبراهيم" وتقديراً له عشان هو الأكبر وافق "عابد" على مضض على طلب أخوه.. خلاص خلاص هخرج أناديهم.. بس برضه فضلت جواه النغزة بتاعت إن الناس دي واطية ومحدش منهم يستاهل.. خرج "عابد" وهو بيفكر إزاي ينفذ اللي طلبه "إبراهيم" بس بطريقته هو.. في القرية فيه زي تبة أو هضبة عالية شوية كانوا بيستخدموها الناس عشان ينادوا من فوقها لو فيه حد هيتجوز أو لو حد مات أو لو فيه خبر مهم عايزين يعلنوا عنه.. طلع "عابد" فوق التبة ونده الناس.. هو الحقيقة قبل ما يطلع فوقها كان استقر على اللي هيقوله خلاص.. بأعلى صوته صرخ: يا ناس يا ناس إلحقوا بيتنا بيتحرق.. بيت إبراهيم وعابد ولاد الشيخ منصور بيتحرق.. بيت الشيخ منصور بيتحرق.. صراخ هستيري وعصبي متتالي يخلّي أى حد يسمعه يكون متأكد إن البيت بقى جمرة لهب.. بعد ما خلص المهمة بتاعته نزل بسرعة جري على البيت.. وصل.. بدأ الناس تباعاً يوصلوا على البيت.. طبعاً "إبراهيم" بسبب صوت الأكل اللي بيتطبخ في الكذا حلة الكبيرة كان معزول عن القصة اللي كانت حاصلة من لحظات وعملها أخوه دي.. "عابد" كان بيقابل على باب البيت الناس اللي جاية عشان يفهمهم إنه كان بيهزر.. كام الناس اللي وصلوا؟.. 5 أشخاص.. بس؟.. آه بس.. "إبراهيم" طبعاً استغرب بس ماكنش فيه وقت يستفسر عشان كان بيحط الأكل.. الناس أكلت وانبسطت تمام التمام وكلهم أخدوا معاهم أكل وهما ماشيين.. بس فضل طبعاً أكل كتير برضه.. بعد ما بقى البيت فاضي "إبراهيم" سأل "عابد" أنت برضه عملت اللي في دماغك صح؟ رحت ندهت الـ 5 دول بس عشان تسكتني وترضيني وماندهتش باقي أهل القرية زي ما طلبت منك مش كده؟.. "عابد" حكاله عن اللي هو عمله وقال له: (اللي جُم هما الحقيقيين الصادقين، ودول فيهم الكفاية عن أى مزيفين).. في الأزمة بتعرف مين الدهب ومين الفالصو، وده الدرس اللي علمه "عابد" لـ "إبراهيم" أو خلينا نقول الدرس اللي بنتعلمه كلنا كل فترة في حياتنا بشكل مستمر.
• من 15 سنة تقريبا "هيثم" أخويا كان عنده صاحب اسمه "مصطفى همام".. "مصطفى" فجأة وبدون مقدمات و كـ خبر نزل زى الصاعقة على دماغ أصحابه جاله سرطان!.. جزء ضخم من صدمة المحيطين كانت في صغر سن "مصطفى" اللي لسه في أول حياته عود أخضر بيلعب ويروح وييجي!.. ليه وإشمعنى هو بالذات بس!.. دي كانت أول مرة أشوف تأثر غير محدود في عين "هيثم" رغم إن "مصطفى" ماكنش الصديق المقرب منه لكنه واحد من الشلة كمجموعة بس مش أنتيم.. فاكر إنى ظبطت "هيثم" بعد الخبر ودموعه غالباه وحاول يداري ده بس كان الموضوع باين يعنى.. بعدها بيومين تلاتة "هيثم" سخّر كل وقته إنه يعمل سيرش على علاج للسرطان في جوجل!.. بنتكلم عن حاجة قديمة وقت ما كان السيرش على جوجل مش مضمون يجيب لك ربع نتيجة موثوق فيها حتى.. ورغم عبثية الموقف وسذاجة الفكرة؛ كتمت غصب عنى كلام كنت عايز أقوله لـ "هيثم" من نوعية: (سرطان إيه بس اللي بتدور على علاجه في النت؟!).. سيبته وطنشت على أساس إنه بيحاول يعمل أى حاجة عشان صاحبه وعشان يريح ضميره إنه ماقصرش.. حياة أخويا مابقاش فيها غير حاجتين: كل يوم زيارة لـ "مصطفى" في مستشفى القصر العيني بعد بدء جلسات الكيماوي + قعدة بالأربع خمس ساعات يومياً وقراية عشرات الأبحاث والمعلومات من كل حتة في العالم في رحلة البحث عن علاج صاحبه!.. مانكرش إنى كتير كنت بشفق عليه من السحلة اللي ماكنش باين ليها آخر دي.. خرج في مرة في الصالة وكنت قاعد أنا وأبويا الله يرحمه وهو بيقول بحماس: (بيقولوا إن مسحوق "بذر العنب الأحمر اليمني" جاب نتايج إيجابية في علاج الكانسر).. بصيت أنا وأبويا لبعض ولا إرادياً رديت عليه: (عنب إيه وبذور إيه يا إبني ده دجل وشعوذة وعبط!).. قال بـ عِند: (إنت هتفهم أكتر من دكاترة متخصصين!.. ملكش دعوة).. قلت بـ عصبية أكتر: (اللي بتحكي فيه ده هتش وكلام فارغ ونصب علني).. بصيت لـ أبويا الله يرحمه على أساس إنه يتدخل برأيه في الحوار ويمنع الهبل اللي هيثم ناوى عليه؛ بس عمل كإنه مش سامع وكمل قراية الجورنال اللي في إيده!.. (أنا هبعت أجيب البذور دي لـ "مصطفى" من بره مادام فيه أمل).. يسيبنا "هيثم" بعد ما يقولها وكإنه كان بيرمي معلومة مش بياخد رأينا اللي حتى لو كنّا قولناه ماكنش هيمنعه عن اللي في باله.. بمنتهى الحماس بدأ يبحث إزاى يجيب عبوة مسحوق البذور دي من بره.. حدد سعرها اللي ماكنش بسيط وفضل يحوش فيها فترة مش قليلة وكونهم.. اتصرف في فيزا كارد بتاعت واحد صاحبه لأن الشراء كان أون لاين.. وبعت يجيبها فعلاً.. "مصطفى" حالته كانت بدأت تتدهور وتسوء واتوفى فعلاً قبل وصول البذور بيومين!.. كنت فاكر إن أخويا هينهار بسبب وفاة صاحبه اللي بانت محبته له من اللى عمله عشانه؛ لكنه حوّل حزنه لدعاء وصلاة.. واحد صاحبهم اسمه "محمد" كان شايف ومتابع اللي "هيثم" عمله خطوة بخطوة من الأول وانتهاءً بوفاة "مصطفى" كان واقف بيحكي في العزاء لباقى أصحابهم عن اللى إتعمل وماكانوش عارفينه وفي آخر كلامه قال: (والله يا بخت اللي صاحبه "هيثم").
• مع الوقت وبالتجارب بنقدر نفرز إحنا عايزين مين فعلاً جنبنا.. الكاتب والروائي "دوستويفسكي" قال: (ستصل إلى النضج الذي يجعلك ترفض التورط بعلاقة مؤقتة أو صداقة باردة أو جدال أحمق أو التعلق بالزائفين).. الشخص الحقيقي في حياتك سواء حبيب أو صديق هو اللي لما تقول له: "إلحقني" هيكون رده "إمتى؟" مش "ليه؟".. الواحد فعلاً يبقى محظوظ وربنا بيحبه لو كان في حياته حد يكون متأكد إنه هيفضل ساند للنهاية.. مصدق وقت ما يكدبك الكل.. شايفك في أحسن حالاتك حتى لو الأصل غير كده.. مؤمن بيك وقت ما يكفروا بيك الباقيين.. حتى لو اتشاف تصرفه هبل وجنان وملوش أساس ولا منطق.. مش مهم؛ المهم إني مقتنع!.. مش هيفلت إيدك طول ما فيه نفس وفيه أمل.. فقير اللي ماعندوش صديق، وأفقر منه اللي مش قادر يحافظ على صديق مخلص بيحبه وبيسمع سكوته قبل الكلام.. "جبران خليل جبران" قال: (إذا صمت صديقك ولم يتكلم فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه لأن الصداقة لا تحتاج إلى الألفاظ والعبارات).