أعظم رحلة استكشافية.. "الجينوم المصري" ومساعي رسم خريطة جينات المصريين منذ عصر الأجداد (تقرير)
يعد مشروع الجينوم المصري واحدا من المشروعات الضخمة التي قد تحدث نقلة نوعية في الطب الحديث في مصر، وأعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي إشارة البدء لتنفيذ مشروع الجينوم المرجعي للمصريين منذ أيام قليلة، ويهدف المشروع إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري، من خلال سحب عينات من الجثث المحنطة لقدماء المصريين وأجراء دراسة، على هذه العينات، لعمل جينوم مرجعي، وذلك لضمان تحديد المؤثرات الجينية، في تأثير الأدوية، وعلاج الأمراض المختلفة، وتحديد العوامل الجينية المؤثرة في الاستجابة لأسباب الأوبئة المختلفة.
يقول الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة 24"، إن مشروع الجينوم البشري هو أحد أعظم أعمال الاستكشاف في التاريخ ولا يضاهيه أي كشف علمي تم على مر العصور ويمثل أعظم رحلة استكشاف داخل أعقد المخلوقات "الإنسان" من أجل كشف أسرار الجسد البشري، مضيفًا أن الفكرة ظهرت لأول مرة في عام 1988، من خلال أكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية.
أهداف مشروع الجينوم المصري
وأضاف صقر أن هدف مشروع الجينوم رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري، تضمن تحديد المؤثرات الجينية في تأثير الأدوية وعلاج الأمراض المختلفة وتحديد العوامل الجينية المؤثرة في الاستجابة لأسباب الأوبئة المختلفة، ما يساعد على تفعيل الطب الشخصي Personalized Medicine والطب الدقيق Precision Medicine، ويساهم في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابات الفيروسية الذي يمكن أن يتعرضوا لانتكاسات صحية عنيفة تتطلب رعاية صحية خاصة، والمشروع هو العمود الرئيسي للطب الشخصي وأي منظومة صحية متطورة.
فوائد تطبيق مشروع الجينوم
وأكد رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا أن مشروع الجينوم هو خطوة أولى لتنفيذ الطب الشخصي في مصر، حيث إن كشف أسرار الجينوم البشري لأي جنس يساعد على تحسين حياة هذا الجنس صحيًا، كما أثبتت الدراسات الحديثة التي أجريت على بعض الأمراض في المصريين اختلافا واضحا في الجينات المسببة لهذه الأمراض عما هو معروف في الدراسات على المرضى من جنسيات أخرى، والآن هو الوقت المناسب للبدء في المشروع.
وتابع "يجب أن تدخل مصر عصر الطب الدقيق والجيني (Personalized medicine, Precision medicine and Gene therapy) ولن يتم هذا إلا من خلال البدء بالمشروع القومي لدراسة الجينوم البشري المرجعي للمصريين، ويجب أن تحتل مصر مركز الريادة في هذا المجال، ويجب أن يتم الإسراع في هذه الخطوات لكي تحافظ مصر على ريادتها العلمية، والأهم من ذلك أن نكون مؤهلين للاستفادة من التقدم الطبي المذهل والعلاج الجيني والطب الشخصي وتوفير العلاج الحديث للمصريين".
وأضاف "تقاعسنا كثيرا فى تصنيع الدواء محليا ونعتمد بدرجة كبيرة على استيراد الأدوية أو خاماتها أو تصنيع مثيلاتها محليا، ولكن أدوية المستقبل ستكون متخصصة ومصممة بناءً على التراكيب الجينية وباستمرار التقدم العلمي في الطب الشخصي لن يكون هناك دواء يصلح لجميع البشر".
كيف يتم عمل جينوم مرجعي؟
وقالت شيرين صبري، المتحدث باسم أكاديمية البحث العلمي، إنه سيتم عمل جينوم مرجعي من خلال سحب عينات من الجثث المحنطة لقدماء المصريين وإجراء دراسة، على هذه العينات، لعمل جينوم مرجعي، يمهد للبحث عن المتغيرات الجينية المختلفة والمرتبطة بالأمراض المنتشرة وقابلية الإصابة بها بين المصريين.
وأضافت شيرين أنه من المتوقع أن يكون المصريون مزيجًا من إثنيات مختلفة تشمل العرب والأفارقة والبربر وبعض الأجناس المنحدرة من أوروبا، إلا أن ذلك لا يقلل من رجاحة احتمال وجود نمط جيني سائد يميز المصريين، مشيرة إلى أن معرفة النمط السائد والطبيعي من خلال بناء جينوم مرجعي للمصريين، ويضيف أن ذلك يتم من خلال مقارنة المادة الوراثية للمرضى مع الجينوم المرجعي.
المشروع مصري بدون مساعدات خارجية
وأكدت شيرين أن المشروع مصري، ولن تتولى دولة أخرى بالنيابة عنا دراسة الجينوم البشرى للمصريين وتصميم الأدوية المناسبة لنا، مضيفة أنه لن يستطيع أطباؤنا ومقدمو الخدمة الطبية وصف العلاجات التى تعتمد على الطب الشخصي بدون وجود قواعد بيانات مرجعية مؤمنة ومتاحة لجينوم المصريين، وكوادر طبية مدربة على أعلى مستوى لاستخدام هذه البيانات وتحليليها، الموضوع غاية في الخطورة وعدم البدء الفوري يعنى أننا سنحرم المصريين من العلاج والتدواي والاستفادة من التقدم الطبي خلال خمس سنوات من الآن.
إدارة المشروع
وأوضحت أن الأكاديمة ستتولى تنسيق المشروع، مع تشكيل مجلس إداري من ممثلي عدة مؤسسات وطنية وعلمية تنبثق منه لجنة علمية لوضع ومتابعة الخطية التنفيذية، ولجنة أخلاقية لوضع المعايير الأخلاقية وقواعد خصوصيات المعلومات، بينما سيتم إنشاء المعمل المركزي داخل مركز البحوث الطبية والطب التجديدي التابع لوزارة الدفاع.
وأكدت أن المعمل المركزي سيحوي جهاز "نوفا سيك" Novaseq، كجهاز رئيس لقراءة كامل تتابعات الجينوم، بينما سيتم جلب جهاز آخر في فترة تالية، كما سيشرف المركز على التنسيق بين المجموعات البحثية المشاركة والمكونة من عدة جامعات ومؤسسات علمية مصرية.
خطة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ما بعد كورونا
وتابعت: "أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا تشمل خبرة مصرية ووعاء فكر لصانع القرار وقامت برسم خريطة طريق البحث العلمي لمرحلة ما بعد كورونا على خمس عشرة ورقة من أوراق السياسات في قطاعات التعليم والصحة والدواء والزراعة والغذاء والبيئة والطاقة والمياه والبترول والثروة المعدنية والنقل والفضاء والاستشعار من بعد والعمران الأخضر والتكنولوجيات البازغة والصناعة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإنسانية والأخلاقيات، بالإضافة إلى ملحق للخطة التنفيذية ويحتوي على بعض المشروعات المحددة ذات الأولوية القصوى في القطاعات المختلفة، وبعض خرائط الطريق التكنولوجية التفصيلية.
واستطردت شيرين صبري قائلة: "تتلخص أهم توصيات أوراق السياسات القطاعية في ضرورة الإسراع في التحول الرقمي وسرعة الانتهاء من تهيئة البنية التحتية التكنولوجية المناسبة والاستفادة من التكنولوجيات الذكية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وضرورة اللحاق بالثورة الصناعية الرابعة وبناء منظومة بحوث وتطوير متكاملة تشمل شبكة قومية من معامل الأمان الحيوي للتعامل مع الأمراض المعدية من المستوى الثالث، وسرعة إنشاء مركز وطني للسيطرة على الأمراض المعدية والوقاية منها ومشروع جينوم مرجعي للمصريين، ومنظومة بحثية وتشريعية ورقابية متكاملة للبحوث السريرية وقبل السريرية. وطبقًا للورقة فإن الخطط القطاعية في مرحلة ما بعد كورونا قد ركزت على ضرورة استكمال مشروع البنية التحتية البحثية والتكنولوجية وسرعة التحول الرقمي نحو النظم الذكية مثل الزراعة الذكية، والتعليم الإلكتروني والشخصي والمستمر، والمدن الذكية والمستدامة، والتجارة الإلكترونية، وتحقيق الأمن الغذائي والصحي والتعليمي والسيبرانى والبيولوجي والاجتماعي والتحول نحو علوم المستقبل والدراسات الاستشرافية والنمذجة الرياضية في إدارة الأوبئة والأزمات.
واختتمت قائلة: "أشارت الخريطة إلى وضوح لأهمية البحوث الاجتماعية والإنسانية في التعامل مع الأزمة والتقليل من آثارها الاجتماعية والنفسية، ودور الفن في صياغة الوعي وتوحيد الجبهة الداخلية والتكافل وربط التاريخ بالحاضر".