السبت 02 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مسقى الطيور والحيوانات.. حياة في كنف الموتى (صور وفيديو)

مدحت محمد صبري
كايرو لايت
مدحت محمد صبري
الأحد 07/مارس/2021 - 07:17 م

بجسد نحيل وعينان حائرتان يتكئ الرجل الخمسيني على مقعد خرساني بمدفن عائلته، في ساعة تجلي تصفو فيها روحه مع أحبابه، وبجانبه قارورة مياه فارغة وحيوانات وجدت قوتها من مياه وحبوب لتروي ظمأها من مساقي صُنع يديه المبتورتين، أعلى المستقر الأخير لوالديه، وطيور تهبط عليها من حين إلى آخر، في صورة وحيدة للحياة من مرقد الموتى، يرجو بها نصيبًا في رحمة رب العباد لذويه.

مدحت محمد صبري، عامل بمستشفى أطفال مصر، في أوقات فراغه تخطو أقدامه نحو مشتهى روحه، حيث المرقد الأخير لعائلته، ليجد هناك راحته وضالته، على عكس الكثير من البشر يجدون في المقابر شعور الرهبة والضيقة، وبعد وفاة والدته في يونيو الماضي وإلحاقها بوالده، قرر انشاء مساقي بمدفنهما لـ"عابري السبيل" من الطيور والحيوانات، كما يصفهم، آملًا أن يذهب الثواب لأرواحهم.

"الطير مابيقولش عايز أشرب ولا الحيوان.. عاملين كولدير قصاد البني آدم، ولو مفيش ممكن يقول لحد اسقيني، لكن الطير أو الحيوان لما يعدي على المقابر بيبقى زي عابر السبيل، لازم تمهدله طريق وفي نفس الوقت ربنا يتقبل وتنزل رحمات على الأموات" يقول الرجل الخمسيني بسرد لا ينقطع وعينان حائرتان نحو الماعز.

بعد وفاة والدته كان مدحت دائم الزيارة للمقابر، وبقلب مربي للحمام كان كل ما يشغل باله حينها زادهم من المياه، ويستعيد في مخيلته مشهد ظل عالقًا بذهنه، وهو يرى التربي منذ صغره يروي تراب المقابر بالمياه، مما يثير غيظه، فكل قطرة مياه الأولى بها كائن حي يجد فيها قوته، مضيفًا أنه بعد وفاة والده أقام كولدير مياه أمام منزل العائلة كصدقة جارية، ولكنها لم تكن بالمرضيه بالنسبة له، ويتسائل: "البني أدم يجد شربته أما الطير أين سيجدها؟!".

يرنو ببصره نحو الماعز والعصافير وهي تروي ظمأتها، وببسمة لا تفارق ملامحه طوال النظر إليهم، يردف: "لما بلاقي طيور أو حيوانات بتشرب من المساقي، ببقى في غاية السعادة، وبقول للمرافق بتاعي: بص المنظر دا يستاهل الدنيا كلها، ممكن بوق مايه بيشربه سبب في دخولي أنا وأنت الجنة".

لم يقع مدحت تحت وطأة الإعاقة، التي لحقت به منذ عمر السبع سنوات، فبالرغم من بتر يداه يتحرك بنشاط وهمة لإنشاء المساقي وملأها بين الحين والآخر، ويتكأ على صديقه وخير في الجلوس بالمقابر ونيسه "عبد النبي"، فيما لا يستطيع القيام به.

"الله" لفظ عفوي يخرج من المارين على مشهد عائلته بعد رؤيتهم للطيور والحيوانات وهي تحصل على زادها، ليسر به قلبه، في صورة وحيدة للحياة من مرقد الموتى. وبنبرة أمل يتجلى فيها اليقين، يردف: "بندعي ربنا إنه يتقبل بإن الشئ دا يوصل لأمواتنا وتكون سبب لرحمتهم ودخولنا الجنة إن شاء الله معاهم.. مفيش وسيلة اتصال، وهما بيسعدوا بلقائنا معاهم".

لا تتوقف خطاه يوميًا عن المقابر صيفًا؛ بسبب الحرارة واحتياج الطيور والحيوانات للمياة، وشتاءً يذهب كل اثنين وخميس فقط، وإذ خالف يومًا لظروف طارئة تثقل عليه ساعاته مثله كمثل يوم الوفاة، حسب قوله، مسترسلًا: "اليوم اللي ببقى مواعد نفسي إني آجي المقابر ولظروف خارجة عن إرادتي أو عن صديقي، مابجيش، يوم حزين كإنه يوم وفاة بالنسبالي، روحانياتي بتبقى عالية.. مابلاقيش نفسي إلا لما أجي المقابر". 

من مؤسسة أيتام لجاليري فن.. قصة "حمودي" من التفكك الأسري لعشق الألوان (فيديو)

بدأ الخمسيني فكرته بـ4 مساقٍ وأخذ في نشرها حتى وصلت نحو19 مسقى، وكل المنى أن يجدها مُعممة بكافة مقابر مصر، بعد انتشارها بمقابر عمرو بن العاص في مصر القديمة، "الفكرة انتشرت بمقابر عمرو بن العاص، الناس لما تنزل وتلاقي المشهد اتشجعوا إنهم يعملوا مساقي على المقابر".

يحلم مدحت بأن تتبنى الاستشارات الهندسية للقوات المسلحة فكرته، بإقامة مساقي في الجندي المجهول، قائلًا: "بحلم يتبنوا فكرة السبيل على روح الشهداء اللي هناك، بدل ما يبقوا في الجنة يبقوا في الفردوس الأعلى، نطمع إنهم يبقوا في مكانة أعلى من اللي هما فيها، الجنة درجات لو أتعملهم سبيل هيبقوا في درجة أعلى حد يكره.. بما فيهم الرئيس الراحل السادات، بطريقة احترافية أكثر، هكون ممتن".

 

تابع مواقعنا