في اليوم العالمي للمرأة.. نماذج من النقد النسوي في التراث العربي

  تحل اليوم ذكرى اليوم العالمي للمرأة الذي يوافق 8 مارس من كل عام وهو وإن كان مستحدثًا للاحتفاء بالمرأة فإن للمرأة وخصوصًا المرأة العربية حضورها وتفاعلها منذ القدم، وهنا نستعرض نماذج لسيدات كانت لهن جهودهن النقدية منذ القدم.

أم جندب

تزودنا كتب التراث بالعديد من المواقف التي برزت فيها المرأة ناقدة تدلي بدلوها في القصائد والأشعار وتفصل بين الشعراء وتحكم لأحدهم بالشاعرية على حساب الآخر، ومن بين هؤلاء نذكر أم جندب التي فضلت شعر علقمة على امرئ القيس عندما احتكما إليها إثر تنازعهما أيهما أشعر في وصف فرسه فقال امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها:

 خليلي مرا بي على أم جندب ... نقضّ لبانات الفؤاد المعذب

وأنشد علقمة قصيدة مطلعها

 ذهبت من الهجران في كل مذهب .. ولم يك حقا كل هذا التجنب

وبعد الإنشاد، حكمت بشاعرية علقمة، على زوجها امرئ

لأن الأول لم يجهد فرسه حيث قال:-

فأدرَكَهُنَّ ثانيًا من عِنانِه ... يمر كمرِّ الرائحِ المتحلِّبِ

بينما قالت لامرئ القيس: إنك زجرتَ ، وضربتَ بسوطِك

في قولك فللسوطِ ألهوبٌ وللساقِ دِرةٌ.. وللزجرِ منهُ وقعُ أهوجَ مُهذِبِ.

وهي تعني بذلك أفضلية فرس علقمة لأنه لا يحتاج إلى الضرب.

لكن امرأ القيس لم يرتضِ هذا الحكم واتهمها بأنها تحب علقمة فطلقها وتزوجها علقمة بعد ذلك.

ليلى الأخيلية

وبعد العصر الجاهلي، يستمر الشعراء في انتداب المرأة محكمًّا للشعر، ومن ذلك أن حميد بن ثور الهلالي، والعجير السلولي، ومزاحم العقيلي، وأوس بن غفاء الهجيمي، حكموا ليلى الأخيلية، في وصفهم للقطاة، وبعد الاستماع إلى قول كل واحد منهم، حکمت للعجير السلولي قائلة:

ألا كل ما قال الرواة وأنشدوا ... بها غير ما قال السلولي بهرج

وقد أثار حكمها ذاك، غضب حميد، فهجاها ردًّا على موقفها من شعره مما يعني اعتناء الشعراء بدور المرأة النقدي، وتحسبهم لرأيها وتخوفهم من الانتصار لمنافسيهم.

نوار زوجة الفرزدق

وها هو واحد من أهم وأشهر شعراء العصر الأموي، وهو الفرزدق يحرص على أخذ رأي زوجته "نوار" في شعره، حين طلب منها المفاضلة بينه، وبين جرير فقالت: "شاركك في مر الشعر وغلبك في حلوه". تعني بذلك تساوي الشاعرين، في غرض الهجاء وتفوق جرير في الغزل، فكشفت الناقدة، بذلك قدرتها الفائقة، على تمحيص الشعر، وإبداء الرأي النقدي بكل جرأة، وموضوعية، وبعيدًا عن اعتبارات العلاقات الاجتماعية.

بثينة

 وتدلي بثينة برأيها في شعر عمر بن أبي ربيعة، على تشبيبه بنفسه قائلة: والله يا عمر لا أكون، من نسائك اللاتي يزعمن أن قد قتلهن الوجد بك"، فلم يرق لها أبدا حالة النرجسية وقلب المألوف عندما جعل من نفسه معشوقا من قبل المرأة لا العاشق.

عقيلة بنت أبي طالب

وقد عرفت بجلوسها للناس، والحكم على ما يقولون، وكان الشاعر العذري، ممن وقف يوما، باب مجلسها، فأذنت له، سائلة إياه معاتبة له على قوله:

فلو تركتْ عقلي معي ما بكيتُها... ولكن طِلابيها لما فاتَ من عقلي

فهي هنا تعلن غيرتها على بنات جنسها وتؤاخذه على قوله، لأنه لا يطلب محبوبته، إلا لذهاب عقله.

سكينة بنت الحسين

فضلا عن نسبها العالي المقام ونسبها لآل البيت، فقد عرفت السيدة سكينة بنت الحسين، بقيمتها الشعرية والنقدية واستطاعت أن تحصل مكانة مرموقة، لم ترق إلى مثلها، وقد عرفت بذائقتها النقدية الحاذقة، حتى يروى أنها كان لها منتدى أدبي تحكم فيه بين الشعراء.

ويروى أن "جريرًا أو الفرزدق وكثيرًا، وجميلاً ونصيبًا"، اجتمعوا يومًا في ضيافتها، فأذنت لهم، وقد اتخذت وصيفة، تروح وتجيء، لتنقل إليهم، ما اختارت من شعرهم، وما انتهت إليه من حكم، وبعد فراغها من تقويمهم، واحدًا تلو الآخر، أبدت إعجابها بقول كثير:

وأعجبني يا عز منك خلائق... کرام إذا عد الخلائق أربع

دنوك حتى يذكر الجاهل الصبا ... ودفعك أسباب المنى حين يطمع

فقد أعجبت سكينة بنت الحسين بثناء المحب على محبوبته وتدليله لها.

وسكينة بنت الحسين تفضل جريرًا على الفرزدق، دون مواربة، أو مجاملة، ويروى أنها سألت يومًا الفرزدق، عن أشعر الناس، فقال: أنا فعارضته، وأخذت عليه قوله:

لولا الحياء لهامني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار

فهي تأخذ عليه حياءه من البكاء وتريد من الشاعر، أن يكون أكثر رقة لمحبوبته، وأشد تعلقا وتمسكا بها.

أسرة نجيب سرور تطالب الحكومة بالتدخل لإعادة أرملته من الهند