أمين "البحوث الإسلامية": مؤتمر "الفارابي" استجابة لواقع يدفعنا للكشف عن أعلام الأمة
قال الدكتور نظير عيَّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الحديث في هذا المؤتمر عن شخصية الفارابي، هو من باب الوفاء لأسلافنا والاعتراف بجميلهم على الحضارة الإنسانية عامة والإسلامية خاصة، وإن انعقاد المؤتمر في هذا الوقت وفي هذه المؤسسة العريقة وبالتعاون مع سفارة جمهورية كازاخستان، لهو استجابة لواقع يدفع بنا إلى ضرورة الكشف عن أعلامنا ومصادر عزِّنا، التي يحق لنا الفخر بهم وإبرازهم على ساحة المعرفة، فعالَمُنا الإسلامي كان وسيظل زاخرًا بلآلئ الفكر ومصادر المعرفة.
وأضاف د. عيَّاد خلال كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «إسهامات الفارابي (المعلم الثاني) في إثراء الحضارة الإنسانية» أن الله -عزَّ وجلَّ- قد حبا الحضارة الإسلامية جوانب تميُّز وازدهار؛ فجادت لنا بأساطين نطقت بصماتهم في شتى مجالات الفكر والعلوم، وأسمعت أعمالهم آذان العالم على مر العصور؛ ففي مجال الفكر شَرُف العالم الإسلامي بالعديد من الشخصيات المهمة التي أثّرت في الفكر الإنساني قاطبة، كان من أبرزهم: الفيلسوف المسلم أبو نصر الفارابي، فيلسوف الإسلام.
وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الفارابي كان عبقريًّا مبدعًا، وموسوعيًّا مكثرًا، خطّت يمينه في الفلسفة والمنطق وعلم الطبيعة وما بعد الطبيعة، وأشرق فكره في علوم: الموسيقى، والسياسة، والأخلاق، والخطابة، والشعر، كما نبغ علمه في الرياضيات والكيمياء، مشيرًا إلى أن مؤلفاته قد تجاوزت المائة وقيل بلغت المائتين، وأن هذه الغزارة منحته التفرد بين الفلاسفة، فلقب بـ«المعلم الثاني» بعد أرسطو، فكان غرضه الإحاطة بجميع علوم عصره؛ إذْ طرق أبواب المعرفة، وجاد في العلوم العقلية والتطبيقية، والعلوم الخفيّة، هذا إلى جانب كونه موسيقيًّا متفننًا ألف الألحان، وندين له بأهمّ رسالة عن نظريّة الموسيقى الشرقيّة.
وأشار إلى أن الفارابي قد تميَّز بفكره وذيوع صيته، وتميُّز مؤلفاته وتفرد نتاجه، فكتابه «إحصاء العلوم» خير شاهد على ذلك؛ إذْ يُنظر إليه على أنه اللبنة الأولى في حقل التدوين الموسوعي وبداية التفكير في تأليف دوائر المعارف، وكتابه «المدينة الفاضلة» من أوائل كتب الإدارة والإصلاح الاجتماعي، أما الكتاب الكبير في الموسيقى فيعدُّ أصلًا من أصول هذا الفن، لافتًا إلى أن الفارابي نال شهرته بفلسفته المتعمِّقة، ونظريته الشمولية التي عرضت لموضوعات عدة وقضايا متنوعة لواجب الوجود والخلق والنفس والسياسة المدنية والاجتماعية والسعادة الإنسانية.
وتابع: الفضل الأول في تأسيس علم المنطق والكلام يعود إلى الفارابي؛ إذْ قام بشرح مؤلفات أرسطو المنطقية، بعد أن استطاع ترجمتها وتعريبها بصورة سلسة وبأسلوب سهل؛ وذلك نظرا لتمكُّنه من اللسان العربي واليوناني بجانب معرفته التركية والفارسية وغيرها من اللغات، كما أن الفارابي رأى في علم المنطق الوسيلةَ التي يمكن بواسطتها القضاء على الفوضى الفكرية التي سادت عصره، وسيطرت على بعض أهل زمانه، ومن هنا حرص على توضيح وظيفة هذا المنطق ودوره في المجتمع.
وفي ختام كلمته، أكَّد د. نظير أن الجميع -عربًا وغربًا- قد أقرُّوا للفاربي بالفضل واعترفوا له بالمكانة، وأننا بإمكاننا أن نرسخ لحقيقة مهمة وهي تفرد الفارابي فيلسوفًا ومنطقيًّا وعالمًا، قلما يجود الزمان بمثل تمكنه؛ فقد سبق أهل زمانه، وأضاء النور لمن أتى بعده من علماء ومفكرين.
جدير بالذكر أن مؤتمر “إسهامات الفارابي (المعلم الثاني) في إثراء الحضارة الإنسانية” تنظِّمه الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع سفارة دولة كازاخستان بالقاهرة، على مدار يومين عبر تقنية فيديو كونفرانس؛ وذلك في إطار عناية الأزهر الشريف بالرموز العلمية والفكرية للأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل وعلى امتداد رقعتها الجغرافية. وتضم اللجنة العليا للمؤتمر كلًّا من الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، والدكتور نظير عيَّاد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتورة سونيا الهلباوي، أستاذ العقيدة والفلسفة المساعد بجامعة الأزهر.