أول سيدة طالبت بتعيينها في القضاء.. عبد الناصر آمن بقضيتها وشيخ الأزهر رفضها ونجلها يكشف التفاصيل (خاص)
معركة ضارية خاضتها كريمة علي حسين المحامية المناضلة، للدفاع عن حقها في تعيينها بهيئة القضاء والعمل كقاضية، فخاطبت وزير العدل فتحي الشرقاوي، ورئيس الجمهورية جمال عبد الناصر آنذاك، ووقفت أمام الأزهر الشريف وشيخه الذي كان حجر عثرة في مصيرها المهني.
تخرجت كريمة في كلية الحقوق عام 1941 ضمن 5 فتيات فقط، هي أكثرهن تفوقًا، فطالبت أولًا بتعيينها معيدةً، والانضمام إلى هيئة التدريس، لكن الجامعة رفضت رفضًا قاطعًا بحجة أن النساء لا يمكنهن العمل في هذه المهنة، وأن الطلبة لن يكونوا تلاميذ لهن على محمل الجد، كما يحكي ابنها المحامي والباحث القانوني "نجاد البرعي"، لـ"القاهرة 24" قصة نضالها.
آمنت كريمة منذ اللحظة الأولى بدور المرأة وأهميته ومساواتها أمام القانون والدستور، وانطلاقًا من مبادئ ثورة 1952، وعملًا بالميثاق الوطني لمصر الذي أُقر عام 1962، والذي يكفل مبادئ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وطالبت بحق تعيينها كقاضية مثل زملائها الرجال، لكن أحلامها تحطمت على صخرة التشدد والجمود.
"الرقم القومي غير صالح للتسجيل".. مطالبات بدعم تعيين المرأة في مجلس الدولة بعد رفض طلبات التقديم
دعم رئاسي وتعنت من الأزهر
لم تهدأ كريمة وهي أكبر إخوتها، وأرسلت خطابًا رسميًا إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ذكّرته بنص القانون الخاص بتعيين 25% من رجال هيئة القضاء واختيارهم من المحامين، وطلبت منه تعيينها قاضية بموجب حق المساواة بين الجنسين وانطلاقًا من مبادئ ثورة 1952.
هناك رأيان في قضية والدتي يقول "نجاد البرعي" ابن الراحلة في حديثه لـ"القاهرة 24"، فالأول يرى أن تعيينها قاضية هو حق أصيل لها يكفله القانون، وهذا الاتجاه يتبناه رجال داخل الدولة أهمهم الرئيس الراحل عبد الناصر.
ولسوء حظ كريمة في ذلك الوقت كان الرئيس عبد الناصر يقود معركة كبيرة ضد الأزهر الشريف، وهي ما عُرفت بمعركة الحداثة لتحديث المؤسسة الأزهرية وإدخال مجالات أخرى للدراسة داخل أروقة المسجد.
أما الاتجاه الثاني وهو رأي محافظ متمثل في الأزهر الشريف وشيخه آنذاك محمود شلتوت، والذي يرى أن المرأة لا يمكنها العمل في القضاء لأنه ينقصها "العقل التجريبي"، وبناء عليه لا تستطيع أن تحكم، غير أن الحكم ينبع أساسًا من الولاية وليس للمرأة ولاية على أحد.
الولاية حقي.. كيف تناضل النساء من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية؟ (صور)
"إن الرئيس جمال عبد الناصرمقتنع 100% بحقك في القضاء، لكنه يخوض الآن معركة لتحديث الأزهر ولا يريد فتح مجالات جديدة للمعركة"، هذا كان رد فتحي الشرقاوي وزير العدل حينها، الذي دعم كريمة في مطلبها، وفقًا لرواية ابنها "نجاد" في حديثه لنا.
وبعد محاولات عدة رضخت كريمة للأمر الواقع، ورضيت بتعيين أخيها الأصغر قاضيًا بدلًا منها، ونحّت حلمها جانبًا إلى حين إشعار آخر.
نضال على الورق
لم تتخلَِّ كريمة عن حلمها، بل قررت تغيير أدواتها فقط، فلجأت إلى الصحافة وأفرد لها كلٌ من الصحفي أحمد بهاء الدين رئيس تحرير مجلة المصور آنذاك، وعبد الله إمام في جريدة روزاليوسف، مساحات مخصصة لحوارات ومقابلات صحفية وتناول قضيتها على نطاق واسع، فالجميع في ذلك الوقت آمن بالتغيير وبقدرة المرأة على القيادة، وأن "البنت مثل الولد"، إلا شيخ الأزهر.
وكتبت المحامية "كريمة علي حسين" مقالات وأجرت حوارات في صحف أجنبية، تنادي بحق المرأة في القضاء وتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين، إلى أن تمكن المرض منها، وضعفت وتوفاها الله.
مناصب شغلتها
شغلت كريمة منصب محامية أمام المحاكم الشرعية، لتزاحم في ذلك الوقت رجال الأزهر الشريف الذين كانوا يستولوون على منصة القضاء في تلك المحاكم، وهي السيدة الوحيدة بين قضاة "معممين".
ويقول ابن الراحلة: "والدتي كانت السيدة الوحيدة التي استقلت السيارة ودخلت في الصحراء إلى معسكرات الإنجليز"، حيث عملت المحامية كريمة حسين في المحاكم العسكرية التي تختص بالبتّ في الأمور الخاصة بمعسكرات جنود الاحتلال البريطاني في مصر.
وكان اهتمام المحامية كريمة بالسياسة والعمل في منظمات المجتمع المدني والاتحاد الاشتراكي، الذي بدأ مع انطلاق الشرارة الأولى لثورة 1952، قد شكّل وعي المناضلة، وأثّر بشكل كبير في تبنيها أفكارًا متفتحة مثل رفع سن الزواج، وحق الفتيات في التعليم، وعملت على تدريب المحاميات الناشئات حتى وإن لم يكملن المسيرة المهنية، وكانت تركز على قضايا الأحوال الشخصية وقضايا المرأة.
مجلس الدولة يعيّن قاضيات تنفيذًا لقرارات رئيس الجمهورية
نشأتها
نشأت كريمة في أسرة بسيطة تنتمي إلى طبقة فقيرة بين 7 أطفال فتاتين و5 ذكور هي أكبرهم، لذا كان يفرض عليها الوالد ارتداء ملابس ذكورية وطربوش، لتتمكن من الجلوس معه على المقهى، وكله فخر بها وبتفوقها في التعليم، "جدي كان فخورًا بوالدتي لأنه كان نادرًا أن تتعلم فتاة في ذلك الوقت" يقول نجاد البرعي ابن المحامية الراحلة.
على الرغم من عدم قدرة "علي" والد كريمة وهو معاون محكمة في تلك الأثناء، على الإنفاق على تعليمها، إلا أنه دعمها لإكمال مسيرتها العلمية، حيث اقتطع جزءًا كبيرًا من راتبه البسيط لتذهب إلى مدرستها، "بالبدلة والطربوش".
استطاعت كريمة أن تكون أصغر وأول طالبة تنجح في شهادة البكالوريا أو الثانوية العامة حاليًا، ولتفوقها حصلت على منحة تفوق من كلية الحقوق التي التحقت بها، إلى جانب معونة الفقر لتدني المستوى المادي لأسرتها.
توجيه رئاسي
وتفعيلاً للاستحقاق الدستوري بالمساواة وعدم التمييز، وبمناسبة يوم المرأة العالمي، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أيام توجيهات لكل من المستشار عمر مروان، وزير العدل، ورئيس مجلس القضاء، الأعلى ورئيس مجلس الدولة، للاستعانة بالمرأة في الجهتين، تقديرًا لما تقدمه المرأة المصرية في كافة المجالات التي تعمل بها، وتأكيدًا على جدارتها في تولي كافة المناصب بما فيها القضائية.
العدل تبدأ في تنفيذ تكليفات الرئيس بالاستعانة بالمرأة في مجلس الدولة