أفعالُنا صدقاتٌ جارية
في كل خطوةٍ نخطوها، في صباح كل يوم نستيقظ فيه لنفعل ما خططنا له مسبقا، هناك تخطيط دائم لفترات ينتهي معها ما خططنا لأجله، وهناك خطوات أخرى تمرّ أمامَ دروب يومنا لم نحسبها أو نفكر فيها، فنجد أنفسَنا حائرين في رد الفعل، وفي تنفيذ يصعب على العقول إدراك ما سيحدث بعده، وبين التخطيط والتدبر والتنفيذ ننسى بعدًا خفيًّا يمر أمام عقولنا دون وعي أو تأمل، أو بسبب ظروف انشغالنا بصعاب الحياة وصغائر الأمور، ننسى جانبًا مهمًّا وهو أن ما نفعله يوميًّا هو صدقات تحدثت عنها الأديان السماوية، وذكرنا بها رسولنا الكريم.
فنجد الرجلَ يخرجُ من المنزل يوزع الابتسامات يمينًا تارة ويسارًا تارة على من يقابله حتى يصل إلى مكان عمله، وفي كل مرة وزع فيها ابتسامة معهودة نال صدقة دون معاناة أو مشقة، ونجد آخر يمزج تلك الابتسامة بكلمات مفعمة بالحب، تساعد على نشر المحبة والتآخي فينال صدقة أخرى فوق صدقة الابتسامة فيدخل في تصنيف آخر أعلى مرتبة.
ولعل آخر يتدخل في زيجة كادت مشكلة بسيطة أن تنهيها، ولكن بكلمات طيبة ينهي المشكلة لينتهي الأمر ببيت سعيد يملؤه الحب والحياة، فتظل الصدقة الجارية تلاحق ذلك الشخص طالما هذا البيت يعمر في الأرض فيخرج أجيالاً صالحة تكمل مسيرة الحياة التي من أجلها خلق البشر.
كل ما نفعله في يومنا صدقات جارية بدءًا من الابتسامة في الصباح الباكر، وحتى العودة مرة أخرى إلى البيت، فالكلمة الطيبة وسط زملاء العمل صدقة جارية، مساعدة الآخرين صدقة جارية، إعطاء الفقير صدقة جارية فهو يأخذها ليأكل فيعطيها لصاحب المحل، ومن ثم تذهب في أجور للعمال، ومنها العمال ينفقون على منازلهم فتدور في تلك الدائرة التي لا تتوقف.
ما ينقصنا في معرفة ما نفعله هل سيكون صدقة جارية أم لا هو الإدراك، ذلك التدبر الذي يجعلنا نتميز عن غيرنا، موقف ما تنفذه يجعلك مرتاح البال ويعلي من الطاقة الإيجابية لديك، فخروج جنيهات من جيبك يشعرك بالطمأنينة في إسعاد آخر دون أن تدري أن ذلك سيكون صدقة جارية تظل حسناتها تعمل كثيرًا.
المتدبر لحديث رسولنا الكريم "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، سيجد أن الرسول الكريم ضرب مثالًا على أقل الصدقات تبرعًا من الإنسان فذكر الابتسامة التي تنير القلوب قبل الوجوه وهي من علامات حسن الظن، فمن منا لا يحب من يبتسم كثيرًا، حتى إننا ضربنا به المثل فقلنا: شخص لا تفارق الابتسامة وجهه.
لقد خلق الله البشر كي يعمروا الأرض، وجميع الديانات السماوية تذكرنا بالصفات التي خلقنا من أجلها، كما أن كثرة الصفات الحسنة تجعل البشر يفضلون شخصًا عن آخر، فالتفضيل يأتي من حسن الخلق، والصدقات الجارية تأتي من الأفعال الطيبة دومًا.
ولذلك يجب أن نملأ يومنا بالصدقات الجارية، وحتى لو لم نملك مالًا نجعله صدقات، فهناك أشياء أخرى تحتاج فقط إلى التأمل والتدبر قبل تنفيذها، هناك أفعال في يومنا نستطيع أن نجعلها صدقات جارية تدخل السعادة على الآخرين من حولنا.