الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"رسائل أنشرها على الملأ لأني لا أعرف لكِ عنوانًا"

السبت 20/مارس/2021 - 08:50 م

لازلت اكتب إليكي هذه الرسائل، و أنشرها على الملأ، لأني لا اعلم لك عنواناً، صدقيني إن قلت لك أني مثلك، لا أحب ان أنشر رسائلاً شخصية على الملأ، لكن انقطاع السبل بيننا لم يترك لي اختيارًا سوى هذا الحل المجنون، لقد صرت كالمجذوب، أبحث عن عنوان أضعه على خطاباتي إليك، و حين يئست أن أجده، وجدت في الجنون وحده الخلاص من التعب، و هو ان أنشر رسائلي إليك على الملأ علها تصادف عينيك!

بالأمس كان يوماً عادياً، ختمته بجلسة مع أصدقاء لي على المقهى الذي تعرفيه، كان محور حديثنا هو إلى أي العالمين ننتمي؟ الشباب أم اننا صرنا كهولاً؟ ابتسمت من قلبي حين جاء دوري في الحديث، ثم قلت:
"أما عن الشيب فقد افتتح غزواته على شعري حين بلغت الثلاثين، وأما عن اللغة فهي تسمي من يبلغ الأربعين كهلاً، وأما القرآن فيقول أن الأربعين هو مبلغ الرجل أشده و اكتمال ذروة فحولته، أما عن حقيقتي أنا، فلا زلت أشعر أنني كما كنت في العشرين، لكن شبحاً له عباءة سوداء، صار يضع على بعض لحظاتي ظلًا من الكهولة و وداع الشباب و استقبال مرحلة أخرى لا أعرفها، و هي لم تزل تبدأ مداعبتي، حتى تتعرف عليّ ثم تستولي حتمًا علي،  و تصبح هي حقيقتي الحتمية".

هل أنشر رسائلي إليكي في الجرائد اليومية؟ لا بل في لوحات إعلانات الشوارع أفضل؟ لا، قد تكون مواقع الإنترنت الشهيرة اختيارًا أنسب!
فكرت في كل ذلك، لكن ليس هناك طريقة لاستوثق أنها قد بلغتك، إنها تماما كقراءة الفاتحة أمام ضريح السيدة نفيسة، تقرأها مكتفياً بالأداء و لا تتأكد حتماً من القبول.

"من خلق الله؟" هكذا باغتتني وأذهلتني ابنتي الصغيرة حين سألتني الليلة ذلك السؤال. هو سؤال شائك، عميق و يحتاج لحرص، لكنه سؤال متكرر لدى أصحاب المراهقة، شغل الأمر عقلها رغم أنها لازالت طفلة!
كان رد فعلي مثيرا لفضولها، اذ ابتسمت ابتسامة مضطربة، فتعلقت الصغيرة بالإجابة المرحة التي أضحكت أباها، لكنها لا تعلم أني، حين كنت في مثل سنها قبل ان أتم عامي العاشر، كان ذلك سؤالي المفضل الذي اطرحه على والدي كل ليلة، و أظل أفكر فيه ليال طوال، قبل ان أبلغ ما يبلغه الرجال من لذة جديدة مدهشة، تحيط بهم، فتلهيهم عن كل فلسفات العالم.

أين ستقرأين الرسائل؟ في بيتك أم في عملك؟ في الشارع أم في مطبخك؟ على ستار باكس أم في محطة القطار؟ هل ستكونين غاضبة حينها أم سعيدة؟ مريضة أم صحيحة؟ مسرعة أم متمهلة؟ كم دقيقة ستقضيها في قراءتها؟ ما الذي سيلفت نظرك إليها؟ و ما الذي سيذهلك عنها؟

أما اليوم فقد ابتلي الناس في سائر الأرض بوباء غريب، قيل أنه قادم من أقصى الشرق، ينتقل بينهم بلمسة أكفهم أو أنفاس صدورهم، التزموا بيوتهم واحتجبوا عن أشغالهم لزمن، ضاقت معايشهم و انصرفت هممهم لتأويل ما لا يعلمون، أهو غضب من الإله؟ أم أنه تأكيد على أننا أمة تابعة في العلم و الطب و عالة على الرجل الأبيض، أو ربما هو بلاء يسبق عاما فيه يغاث الناسُ و فيه يعصرون.
تعلمين؟ عشت أياماً رضية في وسط هذا الوباء ولا أدرك لذلك سبباً، كنّت على يقين من أنه لن يصيبني بإذن الله، وقد صدق الله حدسي كما يحدث في كل مرة.

هل ستقرأين رسائلي حقاً؟ هل ستعلمين أنها لكي دون غيرك؟ هل ستنفعلين بها أم ستمرين عليها كأي محتوى ممل وباهت من تلك التي صارت تملأ الحياة ابتذالاً وتصنعاً؟

دعيني أصارحك أني لا أعلم يقيناً إلى أين أسير في قادم أيامي، قديماً قال الشاعر:
لا تحسبن الزمانَ حين السكون بساكن..
و لكنه متأهب لوثوب.
إن حياة أقراني جميعاً قد استقرت، في العمل و الحياة، وحتى في آرائهم في الدين والسياسة وهموم الدنيا وتقلباتها اليومية، وأنا كما تعلمين شخص عادي في كل أموري، لست مغامراً ولا أحمل مهارات عظيمة ولا كفاءة فذة، لكنني دوماً أشعر أنني أقف على ناصية حدث عظيم، و أن زماني متأهب لوثوب إلى مجهول لا أعلمه. و أنا كما تعلمين أيضاً أكره الركود والثبات، ورتابة الحياة، وأميل إلى الوثوب، حتى ولو كان وثوباً إلى المجهول. ذلك المجهول الذي تسكنين فيه الآن ولا أعرف سبيلًا إليه.

تابع مواقعنا