بعد مبادرة أردوغان .. هل تستجيب مصر للغزل التركي؟
فوجئنا جميعًا في الأيام القليلة الماضية بتصريحات غير متوقعة أطلقتها تركيا تلمح فيها إلى إمكانية عودة العلاقات مع مصر، وهو الأمر الذى وقف أغلبنا أمامه مندهشين بسبب سنوات "النفخة" والعنترية الكاذبة التي كان يعيشها “أردوغان” الذي عودنا على خطابات العزة والكرامة للأمة الإسلامية، وكأنه يعيش عصر الإمبراطورية الإسلامية، مُنصبًا نفسه داخل عقله الباطن خليفة عثمانيًّا جديدًا يلتف حوله الراغبون في عودة الخلافة العثمانية، ذلك الحلم الذي رسمه في أذهان مؤيديه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بعد تصريحات أردوغان وأعضاء نظامه السياسي.. هل كان يخفي عليهم ما لمصر من مكانة كبيرة في الشرق الأوسط وكذلك تأثير إقليمي كبير؟ وكذلك ما هي أسباب مغازلة تركيا لمصر؟ ولماذا تغير الموقف فجأة؟.
وبالرجوع إلى الوراء نتذكر جميعا أن أردوغان لم يتعامل بمنطق الدولة والمصالح الاستراتيجية المتبادلة والإطار القانوني والميثاق الدولي الذي يحكم العالم أجمع، وتسير في إطاره التعاملات الدولية حتى في حالة العداء، فالرجل لديه أيدولوجية خاصة كانت نتيجتها “العزلة المحتومة”، وكانت سنوات العداء مع مصر من صناعته، حيث بدأت بالتزامن مع عزل الشعب المصري الرئيس الإخواني محمد مرسي العياط في عام 2013 بعد قيام ثورة 30 يونيو، بعد أن ثار المصريون جميعا ضد الإخوان وهم الامتداد الأيدولوجي للعدالة والتنمية فى تركيا حيث كان تنظيم الإخوان هو الجسر الذي سيعبر منه أردوغان إلى الخلافة بعد السيطرة ووضع اليد على أهم دول المنطقة.
وبعد أن بدد المصريون أحلام الفتى التركي بدأ الخطاب العدائي التي تسلسلت بعده الأحداث حتى وصلت إلى إمكانية نشوب حرب ومواجهات حقيقية بسبب التدخل التركي في ليبيا ومحاولة جعل المليشيات التابعة له هناك شوكة في خاصرة مصر بعد زعزعة الاستقرار بها على الجبهة الغربية والنيل من أمنها القومي، وهو ما رفضه الرئيس عبدالفتاح السيسي ملوحًا باستخدام القوة المسلحة ضد تلك المليشيات، وحدد في خطابه الشهير مدينتي سرت والجفرة خطًا أحمر لن يستطيع أحد الاقتراب منه وهو ما تحقق بالفعل فيما بعد.
وكغيري من المصريين لم أشك يوما في قوة وصلابة نظام الرئيس السيسي في مواجهة التحركات التركية، بعد أن رسم خارطة طريق يمشي عليها بخطى واثقة وسط كل التهديدات الحدودية التي واجهها بكل شراسة ما ضيق الخناق على كل من حاول تهديد أمن مصر ليس في الغرب فقط ولكن في الجنوب والشرق والشمال أيضا.
وكانت مصر بقواتها المسلحة على قدر المسئولية فى المواجهة من خلال مناورات على جميع المحاور والاتجاهات الاستراتيجية فى الجنوب والشمال والشرق والغرب باستخدام القوات المختلفة برية وجوية وبحرية ولا ننسى ذلك الخطاب شديد اللهجة الذى خرج به الرئيس السيسي ليحذر تركيا من محاولاتها المستمرة للنيل من مصر عن طريق ليبيا، فكان لمصر إطلاق مناورات فى البحر المتوسط ردا على تجاوزات تركيا، خاصة بعد الاتفاق الذى أبرمته مع حكومة السراج حينها.
وبعد سنوات من الزهو والتفاخر والإستهلاك المحلى للخطابات السياسية الجوفاء وجد أردوغان نفسه وحيدًا بسبب سياساته الخارجية والداخلية المتخبطة والتي أدت في النهاية إلى تدمير اقتصاده وعلاقاته مع دول الإقليم والعالم، فعلى المستوى الداخلي ضاق الخناق عليه بعد أن فقد حزب العدالة والتنمية شعبيته وعلى مستوى الأحزاب المعارضة أيضًا يوجد ضغط غير مسبوق فيما يخص التعاملات مع دول الجوار وعلى رأسهم مصر والتي يرى المعارضون الأتراك إن قطع العلاقات معها مسألة غير مقبولة وخسارة لا تعوض بأي شكل من الأشكال.
من جهة أخرى فشل أردوغان في ملف شرق المتوسط ولم يتبقى له سوى التودد لمصر لفتح صفحة جديدة، خصوصًا أن مصر طرف مهم ولاعب أساسي في هذا الملف متمنية في المستقبل توقيع اتفاقية بين الدولتين تضمن لأنقرة حصة من الثروات القابعة أسفل مياه البحر المتوسط.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية التركية والتي من المقرر أن تجرى في عام 2023، ومع تأزم الوضع الداخلي التركي وحالة العزلة التي تعيشها أنقرة؛ لم يكن أمام أردوغان سوى التودد لدولة قوية مثل مصر لها علاقات خارجية متزنة بين الدول الإفريقية والأوروبية.
فيما كان الرد المصري على لسان وزير الخارجية سامح شكري، مختصرًا وواضحًا ويشمل ضرورة احترام تركيا لسيادة الدولة المصرية وتعديل لهجة الخطاب العدائي الذي تتبعه منذ سنوات، وأظن أن مصر لن تقبل بأنصاف الحلول مع تركيا بعد أن اتخذت سياسة النفس الطويل وتحملت الكثير بسبب سياسة أردوغان العدائية وتنتظر الآن تقديم خطوات حقيقية.