في ذكرى ميلاده.. الإسكندرية محطة النضال الأولى لبيرم التونسي
فنان الشعب وشاعر العامية وهرم الزجل، تلك الألقاب حظي بها الشاعر الغنائي الراحل بيرم التونسي، الذي كان صاحب قصائد ذات منحنى نقدي سياسي واجتماعي، وجسدت قصائده هموم الشعب.
في مثل هذا اليوم الموافق 23 مارس، ولد الشاعر الكبير بيرم التونسي بالإسكندرية التي ما زالت تحتفظ باسمه على أقدم وأعرق مسرح فيها بطريق الكورنيش "مسرح بيرم التونسي، وظل طوال مسيرته حتى عام 1961 يقدم قصائد تعبر عن النضال الاجتماعي من أجل الوطن، وترك خلفه للأجيال إرثاً كبيًرا ومن القصائد والمسرحيات، وتجربة عريضة مليئة بالدروس.
نشأته
ولد محمود بيرم التونسي في 23 مارس 1893، في حي السيالة بمنطقة الأنفوشي بالإسكندرية، وهو أحد أحياء الإسكندرية الشعبية العريقة، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسيًّا عاش بالحجاز ثم جاء منها إلى الإسكندرية واستقر بها مع عائلته.
تجربة تعليمية فاشلة
بدأت رحلته التعليمية وهو في الرابعة من عمره، إلا أنها كانت تجربة قاسية أثرت في حياته، حيث أرسله والده إلى كُتاب الشيخ جاد الله للتعلم، وفي تلك المرحلة كان يتعرض للضرب من أجل التعلم على يد شيخه، مما جعله يفر بشكل دائم من الذهاب إليه، حتى أرسله والده إلى مسجد "المرسي أبو العباس" للتعلم في المعهد الديني التابع له، وهناك شغف بيرم بمراقبة الطلبة الأكبر منه سنًّا وبدأ يقلدهم ويشتري الكتب ويحاول قراءتها بنفس الطريقة.
وبشكل تدريجي بدأ "بيرم" طريقه إلى القراءة والتطلع، واهتم باقتناء كتب الأشعار وكان حافظًا جيدًا لكل ما يسمعه أو يقرأه، وبدأ يكتب مقتطفات من أشعار النقد السياسي والاجتماعي.
بداية شهرته
بدأت شهرته عندما كتب قصيدته "بائع الفجل" التي انتقد فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي غالى في فرض الضرائب الباهظة، وجاءت شهرته منها وتدرج إى أن أصبح ناقدًا غير مبالِ بما يمكن أن يحدث له، فطالما قرر أن يقول رأيه دون تزييف، حتى لو عرّضه ذلك للعديد من المشاكل في مسيرته الطويلة والتي وصلت للنفي خارج مصر.
صداقته بسيد درويش
وازدادت شهرة "بيرم" بعد أن بدأ في كتابة أشعار غناها الفنان سيد درويش، حيث اجتمع الاثنان في علاقة صداقة قوية وكوّنا ثنائيًّا فنيًّا كان يعبر عن الشعب بكلمات التونسي وغناء درويش، إلى أن أنشأ صحيفة "المسلة"، وظل يكتب فيها حتى وصل لقصيدة بعنوان "البامية الملوكي والقرع السلطاني" والتي انتقد فيها الحاكم، فتم على الفور غلق الصحيفة، فأصدر بيرم جريدة أخرى سماها "الخازوق"، وواصل هجومه فيها على الأسرة المالكة.
وتم نفي بيرم فى 25 أغسطس 1920 إلى تونس ومن تونس سافر إلى فرنسا، وعمل حمّالاً فى ميناء مرسيليا لمدة سنتين، ثم زوّر جواز سفر ليعود به إلى مصر، حيث كان يستقل باخرة مرت على "بور سعيد" وساعده أحد الركاب في النزول منها إلى مدينة بورسعيد، ويبدأ بيرم فى مصر حياة من الهروب والخوف التي كان يعيشها خشية أن يكتشف أحد أمره فيتم نفيه من مصر مرة أخرى.
وظل بيرم على هذا الوضع حتى وقّع الملك فاروق أمرًا بالعفو عنه بعد تدخل شخصيات كبيرة بإيعاز من الصحفي كامل الشناوي.
وللتونسي العديد من المؤلفات الأغاني والمسرحيات الغنائية، التي غناها أشهر مطربي مصر حينها وعلي رأسهم "أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزي".
وحصل بيرم على الجنسية المصرية فى 1954، وفي عام 1960 قام الرئيس جمال عبد الناصر بمنحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن، ولم يمر عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا في مايو 1961، بعد معاناة مع مرض الربو.
وأذاعت أم كلثوم خبر وفاة "بيرم" على الهواء مباشرة، بعد أن غنت آخر أغنية تغنت بها له وهي "هوه صحيح الهوى غلاب".