عاملات المنازل.. رحلة البحث عن "حياة كريمة بلا مذلة" وقانون يؤمن مستقبلهن المجهول
مع طلوع نور الفجر وفي مشهد متكرر يوميًا، تبدأ سلمى يومها متجهة إلى "المعدية" لتعبُر من جزيرة الوراق، حيث مكان منزلها متجهة إلى عملها في إحدى صالات الجيم كعاملة نظافة براتب ألف ومئتي جنيه شهريًا إذا لم يخصم لها صاحب العمل منها، وبعد ما يقرب من 8 ساعات عمل وبجسد مُرهق تذهب جاهدة إلى أحد المنازل كعاملة منزلية كي تستكمل قوت يومها بعدما أصبحت العائل الوحيد لأسرتها، قائلة: "الشغل اللي بشتغله مش مقويني وقليل بالنسبة لـ3 عيال ومصاريف وبيت".
سلمى لم تكن الوحيدة فقط التي اتجهت إلى العمل في خدمات تنظيف المنازل بسبب عدم امتلاكها أي شهادة جامعية تستطيع من خلالها أن تمتهن مهنة أخرى، ليُسدد ضرائب العمل عن طريق الإهانات التي يتعرضن لها أو تدهور الصحة أو حتى عن طريق الابتعاد عن أولادهن واللجوء إلى تشغيلهم.
تعيش الثلاثينية صراعًا بين احتياجها للمال وكرهها لعملها بسبب ما تتلقاه من إهانة ومعاملة سيئة، فضلًا عن تعرضها سابقًا للتحرش في أحد البيوت، مُتذكرة إحداهن وهي تقول لها "أنت يا حيوانة"، وأخرى "هو أنا ابني هيبصلك إنتي!"، وآخرون تسمعهم وهم يقولون "إزاي واحدة شغالة عندنا ونضيفة"، وبصوت يغلب عليه الحزن ردفت: "هي دي الشغلانة اللي أقدر اشتغلها لأني معنديش أي مؤهلات تانية"، مُستكملة: "مبحبهاش بس مضطرة أظبط بيها الدنيا عشان أعلم ولادي".
"مستقبلنا مش متأمن".. تسرد العاملة المنزلية سلمى في حديثها مع "القاهرة 24"، أن دخلها غير ثابت وغير مأمن، فممكن أن ينقطع عملها مع أحد البيوت أو الأماكن التي تعمل بها دون سابق إنذار، وبلسان يتجلى فيه اليأس تقول: "بيتقالي متجيش عندنا تاني، وناس تتصل النهاردة ومتطلبنيش تاني"، فضًلا عن انتظامها مع أحد البيوت وبسبب النقل السكني لا تستطيع أن تُكمل معهم، ومع امتلاكها فن ترتيب شقق العرائس الذي نال إعجاب العديد منهم، تتمنى سلمى أن تكون تلك المهنة هي مصدر رزقها الأول والأخير، مُختتمة حديثها بجملة "نفسي أبطل بهدلة لأن شغل البيوت بيتعب".
"كرامتها هي كل ما تملكه"
في بيت صغير تعمل شربات هي وزوجها كحراس إحدى عمارات أحياء القاهرة، تُلبي واجباتها تجاه حقوق سكانها، ومع رغبتها في تعليم أولادها وتوفير احتياجات المعيشة، قررت أن تستقطع وقتًا على حساب راحتها لتذهب في عمل آخر كعاملة منزلية، وبصوت يغلب عليه حنين الأم قالت: "بيكون ضغط عليا بس كله يهون قصاد أن ولادي مبسوطين ومش محتاجين حاجة".
"محدش بيفكر فينا ونتعامل كخادمات ليست لنا حقوق".. تحكي العاملة المنزلية شربات في حديثها مع "القاهرة 24" أنها قررت ألا تعمل إلا في البيوت التي تثق في أهلها ومعاملتهم، وجاء ذلك بعدما تعرضت لنظرات مُهينة من قبل، بجانب خوفها أن تتعرض للمواقف السيئة التي حدثت مع زملائها، ساردة: "بسمع من زمايلي أنهم بيروحوا البيوت ويحصل معاهم حاجات مش كويسة"، وعلى الرغم من أن القرار يعود عليها بالضرر لاحتياجها إلى المال في الوقت التي ترفض فيه فرصة العمل، إلا أنها بلسان يتجلى فيه قلة الحيلة، ردفت: "اه رزق لعيالي وليا وبكون محتاجاه بس بخاف أروح وأتأذي منهم أو كرامتي تتهان".
على مدار 15 عامًا، تذهب السيدة الأربعينية لمساعدة أصحاب المنازل، تحاول جاهدة أن توازن بين العمل وبيتها وأولادها، مسترسلة: "بقف على رجلي من أول اليوم لحد آخره"، مُفضلة الصمت على أن تبوح بحقها المادي، وحينما تحصل على حق أقل من المُستحق، كانت إجابتها: "بحتسبه عند الله يعوضهولي في صحتي وعيالي ومش بروح للبيت ده تاني"، وبنهاية الحديث تقول شربات: "المعاملة الكويسة والتقدير بتخلينا لو تعبانين مبنحسش بالتعب".
"اعتزل ما يؤذيك"
منذ عدة أعوام، قررت رضا أن تترك بلدها، مركز العياط بمحافظة الجيزة، وتذهب لتعمل كحارسة عمارة، ومع مرور السنوات واحدة تلو الأخرى، كان هناك صوت بداخلها يعلو دائمًا ليقول لها أن تعود من حيث جاءت، إلى أن تركت عملها بالفعل، وبلهجتها ردفت: "مش مستاهلة أروح مصر تاني راضية بعيشتي هنا ولا حد يذلني تاني.. شغل العماير ذل".
تحكي الأربعينية، أن عملها كحارسة عمارة كان راتبه المادي غير كافٍ، وعلى النقيض الآخر لم تستطع الذهاب للعمل في المنازل في الوقت الذي تحتاج فيه إلى المال، وذلك بسبب رفض سكان العمارة، رادفة: "كنت عاوزة أشوف رزق عيالي وكانوا بيمنعوني وعاوزين عيالي كمان يشتغلوا عندهم ويتحكموا فيهم"، وهو الأمر الذي جعلها تتجه إلى عمالة أبنائها بعيدًا عنهم، مسترسلة: "تحكمات سكان العمارة زادت فقولت كفاية والعيشة هنا في بلدي رضا".
تسرد السيدة رضا في حديثها مع موقع "القاهرة 24"، محاولتها لأكثر من 10 سنوات في الموازنة بين عملها وأولادها وأيضًا بين قضاء مصلحتها، وبصوت هادئ قالت: "عمر الشغل ما بيتعب التحكمات هي اللي بتتعب"، وعلى الرغم من رضاها بعملها كفلاحة في الوقت الحالي ببلدها وإصرارها على عدم العودة مرة أخرى للعمل، إلا أنها اختتمت حديثها بلسان يتجلى فيه اليأس قائلة: "محدش بيجيب حق حد، وأمام الحكومة إحنا دايمًا غلط".
"مشروع قانون العمالة المنزلية"
وفي سياق متصل، صرحت النائبة هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر بمجلس النواب، بأنها انتهت من إعداد مشروع قانون العمالة المنزلية، بشأن تنظيم العلاقة بين عامل المنزل وصاحب العمل، كما حددت حقوق وواجبات كلا منهم، لافتة إلى أن مصر ليس لديها تشريع أو مظلة قانونية لهم.
وعلى غرار هذا، قالت هالة أبو السعد، في تصريحاتها مع "القاهرة 24"، إنه بالتزامن مع الوضع الاقتصادي الراهن والانكماش الاقتصادي على مستوى العالم، أصبحت هناك سيدات في مصر حاصلة على شهادة جامعية وتعمل في المنازل، وذلك بناءً على الاحتياج للعمل ومتطلبات الحياة اليومية، مُشيرة إلى حقهن في تنظيم هذا العمل بشكل جيد، بعدما استطاعن خلق فرصة عمل لنفسهن دون تكلفة الدولة، وذلك من خلال توفير تأمين صحي ومعاش لهن جميعًا حتى وإن كن غير مُتعلمات، لأنه بالنهاية إذا فقدت العمالة قدرتها على العمل، فإنها لن تستطيع الحصول على قوت يومها لتربي أولادها وتعيش من خلاله.
أشارت أبو السعد إلى أن الانتهاكات التي لا زالت ضد العمالة المنزلية كانت الدافع الأكبر لعمل صورة تعاقدية بين صاحب العمل والعامل، بالإضافة إلى الحفاظ على حق العامل من أي تشوه، مؤكدة أنه مع تطبيق القانون سيتم الحصول على إحصائية بعدد العمالة المنزلية في مصر، وذلك ما تم توضيحه في القانون وهو أن تكون هناك ثلاث نسخ من العقد، ليتم إثبات النسخة الثالثة في أقرب مكتب تضامن، والإخطار عنها لحصر أعدادهن التي لم تُحصر بعد.
تنتظر النائبة هالة أبو السعد تحويل مشروع القانون من الجلسة العامة إلى اللجان المختصة ومناقشته فيها، مُتمنية حصولها على موافقة 20% من المجلس ومن ثم يتحول إلى اللجان الفرعية، مُشيرة إلى أن الدور الآن على مجلس النواب والأغلبية، لأنه في النهاية الديمقراطية بحكم رأي الأغلبية، لافتة إلى أن دور الإعلام في دعم ذلك المشروع سيمثل فارق كبير لتنفيذه، حيث يُعد تقديمها للمشروع هو المرة الثانية لها أمام مجلس النواب بعدما تعطل خلال الفصل التشريعي السابق، وبسبب تزاحم الفصل التشريعي وخروج أكتر من 800 قانون، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القوانين والبيئة التشريعية، نتج عن ذلك تعطيله في اللجان المختصة.
كما أنها أوضحت أن هناك عددا من السلبيات ستظهر مع تطبيق القانون، وهو وجود شريحة لن تقبل بسهولة أن يُكتب في بطاقتها عاملة منزلية، مُضيفة أنه على النقيض الآخر من خلال دراستها ومعايشتها مع العديد منهن، أكدت وجود شريحة كبيرة تريد أن يكون لها تأمين صحي ومعاش.