"يا صديقي مد إيدك"
خلال الـ 72 ساعة اللي فاتت كان فيه قصة انتشرت لموقف مهم حصل في ساحة الحرم الجامعي في جامعة الأزهر وتحديداً في كلية التربية الرياضية.. اللي حصل إن الطالب "محمد" وقبل الإمتحان العملي اللي كان عنده؛ رجله اتكسرت! طبعاً موقف سخيف، وزاد من صعوبته كمان إن الطبيب المعالج كان كلامه واضح لـ "محمد" إنه ممنوع يدوس على الأرض برجله لفترة! بس استحالة تنفيذ الطلب كان سببها إن الإمتحان مهم، وماينفعش يتفوت!.. في نفس الوقت فشلت محاولات "محمد" إنه يتواصل مع الدكتور اللي بيدرس المادة على أساس إنه يعتذرله إنه مش هيقدر يحضر بسبب الظرف الطارىء ده؛ لإن عدد الدفعة بتاعتهم كبير وبالتالي فكرة إنه يقدر يكلمه كانت شِبه مستحيلة عشان محدش معاه رقمه.. طب والحل؟.. أنا هروح الإمتحان بالعربية، وخلاص.. تاني يوم ركب "محمد" عربية على أساس إنها توصله لحد باب الكلية لكن الأمن على البوابة منع العربية من الدخول بناءاً على تعليمات رئيس الجامعة إن مفيش عربيات تدخل لحد جوه!..
اضطر "محمد" إنه ينزل.. بس ماكنش ينفع يمشي لحد الكلية بتاعته لإنها بعيدة عن البوابة مسافة 4 كيلو!.. مين شافه واقف بره؟.. صديقه "مصطفى"!.. بعد كام جملة فهم "مصطفى" القصة، وبدون تفكير نزل على ركبته وقال لـ "محمد": إركب.. أركب فين يا عم!.. إركب على كتفي أنا هشيلك وهدخلك جوه.. مينفعش اللي أنت بتقوله، وده مستحيل، ومش هتستحمل!.. كل الكلام ده دخل من ودن "مصطفى" اليمين وخرج من الشمال وصمم يشيل صديقه!.. حصل فعلاً، وشال "مصطفى" صديقه "محمد" على كتفه مسافة 4 كيلو لحد باب المبنى بتاع الكلية!.. جمال الموضوع إنه كان بدون تجهيز وحصل فجأة وعبر عن محبة صديق لصديقه اللي مالهاش علاقة بـ تعب ولا ظروف!.. الجمال برضه إننا ماعرفناش القصة غير من باقي الطلبة اللي شافوا المنظر بتاع "مصطفى" وهو شايل "محمد" وطلعوا موبايلاتهم وصوروهم ونزلوها على السوشيال ميديا.. لما الموضوع انتشر اتعمل حوار صحفي مع "محمد" اللي قال عن "مصطفى": (قرر يشيلني على كتفه من بوابة الجامعة للكلية لأنه خاف عليا يحصل لي مضاعفات في رجلي أو أتأخر على ميعاد الامتحان.. حبيبي وعشرة عمري وطول عمره واقف معايا وفي ضهري و بيساعدني في كل الأوقات).
الفنان الكوميدي الراحل الجميل "روبين ويليامز" كان طفل تختوخ.. وزنه زيادة بشكل مبالغ فيه بالنسبة لـ طفل عمره 6 سنين.. نتيجة التُخن ده بقت بـ = نفور وبُعد تدريجى من الأطفال زمايله عنه.. حتى البنات ماكنش ليه فيهم صديقة مميزة أو حتى حبيبة بالمفهوم العيالي.. وللأسف معايير الوسامة زي الشعر الأصفر والعيون الملونة عنده ماعملوش أى شغل.. أصل مين اللى هيكون مهتم يصاحب أو يحب طفل تخين.. حركته بطيئة.. هادي زيادة عن اللزوم.. مش بيهزر..
وبعدين "روبين" كان أليط برضه والعنطزة واخدة حقها معاه.. حتى لما كان قلب زمايله يحن ويخلّوه يلعب معاهم لعبة كده شبه "الأستُغماية" ماكنش بيرضى يكون من الفريق اللي هيدور على التانيين.. لأ ده عايز يكون من اللي هيستخبوا!.. ولأن مسألة إيجاده أكيد هتبقى أسهل من إنك تلاقى إبرة في كوم قش؛ فطبعًا كان بيتقلش منهم وبيرفضوا يلاعبوه.. لما كان بياكل هو وأصحابه في مطعم ساندوتشات برجر قريب من المدرسة وكعادته كان بيقعد لوحده في ترابيزة منفصلة جنبهم بسبب تريقتهم عليه على طريقة أكله والكاتشب اللي بينزل على أطراف بُقه بدون ما ياخد باله وشكله وهو بيقربع كوباية الحاجة الساقعة على مرة واحدة!..
في مرة وهما في المطعم بيدخل طفل بسيط في نفس سنهم تقريبًا وباين عليه إنه غلبان معاه ورقة بـ دولار واحد مقطعة ومبهدلة.. الطفل مجرد ما دخل المطعم اتجه ناحية المكنة بتاعت البيبسي عشان يدخل الفلوس فتطلع له إزازة حاجة ساقعة.. بس اللي الطفل ماخدش باله منه إن المكنة مش بتقبل فلوس ورق لكن عملات معدنية بس.. وحتى لو بتقبل ورق فـ الدولار اللي معاه ده كإنه لسه طالع من بُق كلب.. متبهدل ومتقطع وجزء من لونه كمان رايح.. شوية بـ شوية وبعد كذا تجربة الطفل بدأ يفقد أعصابه ويخبط على المكنة جامد ويرزعها برجله وكإنه بيفقد أهم حلم في حياته.. شوية بـ شوية برضه بتبدأ تريقة العيال على الطفل..
كل مجموعة قاعدة على ترابيزة بقت ترمى كلمة.. الطفل بقى يلف دماغه يبص للترابيزة الفلانية ثم الفلانية ثم الفلانية.. الطفل بقى لعبة المكان حرفيًا.. ينتبه "روبين" للي بيحصل قدامه من أصحابه للطفل ويصرخ صرخة ألم وهو ماسك بطنه.. الصراخ يتحول يبقى وقعة وفرفصة على الأرض.. ضم ركبته من الوجع وصوته أرتفع أكتر وبدأ يتف حاجة بيضا من بُقه.. طبعًا الكل فهم إنه حصل له حالة تسمم.. المكان كله بلا إستثناء نظره وتركيزه راح على "روبين" وإتلموا حواليه عشان يشوفوا ماله!.. "روبين" اللي كان في عز وجعه وألمه مفتح نصف عين عشان يراقب الطفل اللي كان الناس بيشتغلوه من شوية..
الطفل اللي ملوش علاقة باللي بيحصل أخد بعضه وخرج من المحل بعد ما حلمه إنه ياخد حاجة ساقعة من المكان ضاع.. مجرد ما خرج الطفل من المحل؛ وقف "روبين" على رجله وهو بيضحك وبيقول لـ أصحابه ضحكت عليكم!.. كان بيمثل وعمل الحركة دى عشان يبعد نظرهم وتريقتهم عن الطفل ويخليهم يركزوا معاه هو لحد ما الطفل خرج!.. طبعًا أصحابه مسكوه ضربوه شوية ضرب محترمين عشان خضهم عليه بس هو ولا فرق معاه.. الطفل بعد ما خرج كان بدأ يبعد تدريجيًا وهو ماسك الدولار فى إيده ومش عارف رايح فين.. لحظات و كف إيد مكلبظ إتحط على كتفه..
إلتفت لقاه "روبين" بينهج وبيقول له: ( لا أعرف كيف تستطيعون السير بتلك السرعة).. الطفل زاح إيده وبدأ يمشي تانى.. "روبين" وقّفه تانى وناوله إزازة حاجة ساقعة وقال له بجدية: (لا تخبرني أنني فعلت كل هذا بلا طائل! إنها من ضمن وجبتي وسنقتسمها سويًا).. يتعرفوا على بعض ويعرف إن اسم الطفل "دين".. "دين" من أسرة بسيطة في الأساس وإنفصال والده عن والدته + جواز كل واحد منهم من حد تاني؛ خلّاه يبقى عايش مع جدته اللي حالها أبسط بكتير برضه..
"روبين" سأل "دين": (أتعرف لما أحببتك؟).. "دين" هز راسه بإستفهام.. "روبين" كمل وهو بيضحك: (لأنك "طيب"، لا يوجد إنسان شرير يضرب جهاز المشروبات الغازية بقدمه بهذا العنف ظنًا منه أنه سيستجيب).. "دين" يقول: (مممممم "طيب"!، تقصد مثلك!، فلا يوجد إنسان يمثل مسرحية هزلية بتلك السرعة والإتقان ليحمي غيره من الحرج إن كان شرير).. "روبين" يفكر في الكلام اللي قاله "دين" ويهز راسه وهو بيوافق عليه ويقول: (أنت على حق، وجود "الطيبين" هو ما يحفظ للأرض توازنها)..
من اللحظة دي بقى "دين" و "روبين" أصدقاء.. تبدأ موهبة "روبين" في التمثيل تكبر.. ينضم لـ مدرسة "جوليارد" وهي مكان مخصص لتعليم التمثيل والغناء وكذا نوع من الفنون.. بس مدرسة "جوليارد" محتاجة فلوس وأسرة "روبين" مش مقتنعين أساسًا بموضوع تمثيله.. يبتدي يعاني في دفع فلوس المدرسة..
يشتغل"دين" في تنسيق حدائق البيوت عشان يساهم بجزء من فلوس المدرسة لصاحبه.. "روبين" يكمل تعليمه ويبقى فنان كوميدي محترف في وقت قصير.. "روبين" مش بينسى"دين" ورغم إن الدنيا فرقتهم في المكان لما ظروف شغل كل واحد خلتّه يسافر ولاية مختلفة لكن فضلت صداقتهم الحلوة مستمرة .. في منتصف السبعينيات جمعت "روبين" علاقة صداقة برضه بالممثل "كريستوفر ريفز" الشهير بدور Superman.. لما تعرض "كريستوفر" لإصابة في ضهره إتسببت ليه في شلل وعدم قدرة على الحركة؛ كان "روبين" الصديق الجدع الطيب متوقع الحالة اللي ممكن يكون فيها صديقه من إكتئاب.. عشان كده قرر يسافر لـ مكان المستشفى العسكرية اللي بيتعالج فيها "كريستوفر" في روسيا واتنكر في هيئة طبيب روسى واستغل قدرته على تقليد اللكنات وإتقانه للغات عشان يحبك الدور!..
بقى يدخل المستشفى كل يوم ويعّرض حياته للخطر بدون ما حد يعرف مين ده لمدة شهر كامل.. والسبب ؟.. عشان يقول له نكت ويهزر معاه عشان يخرجّه من حالته، وده حصل فعلًا وبسببه اتحسنت حالة "كريستوفر" أسرع!.. كمان جمعت "روبين" صداقة قوية بالمخرج الكبير "ستيفن سبيلبرج" بعد تعاونهم مع بعض في فيلم Hook.. لما واجهت "ستيفن" مشكلة خنقة وإكتئاب أثناء تصويره لـ فيلم Schindler's List بسبب مشاكل إنتاجية ورغم إنشغال"روبين" لكن كان يتصل كل يوم بـ "ستيفن" بالليل من رقم غريب ويغير في صوته ويقول له كذا نكتة ويقفل السكة!..
كانوا شوية النكت اليومية من الشخص المجهول ده هي السبب في تحسن مزاج" ستيفن"! .. الجميل إن محدش عرف الموضوع ده غير بعدها بـ 7 سنين كاملة!.. من الحاجات العظيمة اللي عملها "روبين" برضه بسبب اللي شافه وواجهه طول حياته من متاعب وصعوبات قرر يخصص منحة لـ طلاب مدرسة "جوليارد" اللى إتخرج منها.. منحة ترعى الأطفال الموهبين خريجين المدرسة من الألف للياء في سبيل هدف واحد بس.. إن موهبتهم توصل لغيرهم وتنتشر.. من بين الفائزات بالمنحة كانت الممثلة المشهورة "جيسيكا شاستين" اللي قالت في حوار ليها: ( صديقي "روبين ويليامز" غير حياتي، وستظل روحه الكريمة تلهمني إلى الآبد لدعم الآخرين، كما دعمني هو)..
لما عرف "روبين" قبل موته بـ 6 شهور إن صديق طفولته" دين" عمل حادثة وبين الحياة والموت.. سافر بسرعة لـ الولاية اللي هو موجود فيها عشان يلقى عليه نظرة الوداع في سريره في المستشفى.. "دين" مسك إيد "روبين" وقال له: (قلت لي في الماضى أن وجود "الطيبيون" يحفظ توازن الأرض، تذكر هذا؟).. "روبين" هز راسه بالموافقة والدموع في عينيه.. "دين" قال: (وهل إن مت أنا الآن ستهتز الأرض؟).. "روبين" قال: (بالتأكيد سيخسر الجميع بغيابك يا صديقي).. مات"دين" وبعده بـ حوالى 7 شهور بيصاب "روبين" بـ مرض الشلل الرعاش ويكتئب وينتحر ويموت.. ماتقدرش تنفي إن غياب صديقه ماكنش أحد أسباب قرار "روبين" على الإنتحار.. ماتقدرش كمان تنكر إن إخلاص "روبين وليامز" لأصدقائه وجدعنته معاهم كانت من الحاجات المنورة في شخصيته.
"جبران خليل جبران" قال: (الصديق الحقيقي فرح واحد، وحزن واحد يحمله قلبان).. حسابات الوقت، الظروف، والتعب مش موجودة في قاموس الأصدقاء اللي بجد.. ماتشيلش هم أى حاجة، ولو الظروف حكمت كتفي موجود عشان أشيلك.. في نفس الوقت وزي ما بيقولوا في الهند اللي عنده صديق حقيقي مش هيكون محتاج لمراية يشوف فيها نفسه.. وأنت منور فيه ألف واحد هيكونوا جنبك بس في الوقعات فيه واحد بس اللي هيكون مهتم ينورك.. الكاتب "مارك توين" قال: (دور صديق هو أن يكون إلى جانبك عندما تخطأ لأن الجميع سوف يكون إلى جانبك عندما تكون على حق).