وكالة أمريكية تتساءل: هل حادثة "قناة السويس" جانبا من الحرب الباردة بين أمريكا والصين؟
نشرت وكالة بلومبرغ للأنباء، تقريرا لللكاتبان ديفيد فيكيلنج وأنجاني تريفيدي، قالوا خلاله إن جنوح إحدى أكبر سفن الحاويات في العالم في قناة السويس، وغلقها لممر مائي عالمي بالغ الأهمية، أصبح مادة حديث على الأنترنيت بصورة أسرع من عرقلته لتدفقات البضائع الدولية.
وأوضح التقرير وفقا لترجمة موقع هسبريس المغربي، أنه ورغم ذلك، فإنه من الخطأ التهوين من خطورة الحدث؛ فإغلاق الممرات المهمة للملاحة العالمية يمثل خطرا اقتصاديا كان وراء التنافس بين الدول الكبرى طوال قرون. فهو الآن أحد العوامل الرئيسية للتوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين، التي تشمل كل شيء ابتداء من مبادرة الصين “الحزام والطريق” ودعمها لانقلاب ميانمار، إلى نشر أسطول بحري قبالة ساحل الفلبين والضجيج الذي يمثل تهديدا فيما يتعلق بوضع تايوان.
ويقول الكاتبان إن تدفق البضائع عبر البحر يمثل 70 في المائة من إجمالي حجم التجارة الدولية، وتعتبر الممرات الملاحية التي تضمها هذه الشبكة وراء الصراعات والتجارة الدولية منذ آلاف السنين. ورغم كل ما أسفر عنه استخدام الطائرات والاتصالات اللاسلكية من تحول بالنسبة للتجارة العالمية طوال العقد الماضي، ربما يعتبر التحكم في الممرات التي تمر عبرها الملاحة العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ إذ يتم عبر البحر نقل حوالي ثلثي تجارة النفط الخام الدولية، و80 في المائة من إجمالي منتجات البترول، ووفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ومؤسسة “إس أند بور جلوبال انتليجانس”، يمر حوالي 10 في المائة من إجمالي النفط الذي ينقل بحرا و8 في المائة من الغاز الطبيعي العالمي المسال و20 في المائة من حجم الحاويات عبر قناة السويس وحدها.
وأدت جائحة كورونا إلى أن تكون الممرات البحرية أكثر أهمية. وزادت الرسوم الملاحية إلى جانب الأحجام. ومع الاضطرابات في سلاسل الإمداد، بسبب الأحوال الجوية والطلب المفاجئ والزائد عن الحد، مما يسفر عن حالات نقص في مختلف القطاعات- تزداد أهمية العقبات مثل حادث قناة السويس.
وحسب الأرقام، تظل قناة السويس أحد أهم الممرات التجارية في العالم، خاصة بالنسبة لأسيا وأوروبا. ففي عام 2019، مرت حوالي 19 ألف سفينة عبر الممر، أو 1,25 بليون طن حمولة، وتعبر القناة كل أسبوع من آسيا إلى أوروبا والعكس مئات الآلاف من الحاويات على متن السفن تحمل آلات، وإليكترونيات، وسلعا وسيطة أخرى ومواد خامة.
وتابع التقرير "لقد قفزت صادرات كوريا الجنوبية إلى أوروبا بنسبة أكثر من 48 في المائة في فبراير الماضي، تصدرتها البضائع المتعلقة بالرعاية الصحية والسيارات على سبيل المثال. وواجه الطلب على مثل هذه السلع، بالفعل، مشكلات تتعلق بنقص الحاويات."
وزادت الحمولة التي تمر عبر قناة السويس أساسا، بسبب زيادة حجم السفن. فالسفينة إيفر جيفن، وهي إحدى أكبر فئات سفن الحاويات وقادرة على حمل 200 ألف طن، كبيرة للغاية وليس من السهل أن تمر عبر أي ممر غير مناسب لها.
أزمة سفينة قناة السويس
جدير بالذكر أن متوسط المرور اليومي عبر القناة في ازدياد منذ النصف الثاني من العام الماضي، مع زيادة أسعار الشحن وأحجام الحاويات بدرجة كبيرة.
وتسعى الشركات الملاحية إلى البحث عن طرق بديلة بين آسيا وأوروبا، مثل طريق رأس الرجاء الصالح الأطول أو طريق البحر القطبي الشمالي الأسرع. وأتاح الاحتباس الحراري وذوبان الجليد المرور بسهولة أكبر عبر البحار شمال صربيا؛ لكن هناك عقبات تنظيمية وجغرافية سياسية.
ولكن يمكن القول إن البحار ضحلة للغاية، ولا يمكن أن تتيح لسفن حاويات بحجم السفينة إيفر جيفن المرور عبرها. وبالنسبة إلى الصين، يعد هذا الأمر نقطة ضعف فريدة. فعلى خلاف الولايات المتحدة التي تعتبر دولة مصدرة للنفط هذه الأيام، تستورد الصين حوالي ثلاثة أرباع ما تستهلكه من النفط، وكذلك حوالي أربعة أخماس خام الحديد الذي تستخدمه لتنفيذ وتيرتها المحمومة لبناء المرافق الأساسية، ناهيك عن معظم صادرات السلع للحصول على العملة الصعبة لتسديد ثمن هذه السلع. وهذا يجعلها أكثر عرضة للخطر فيما يتعلق بأي إغلاق للممرات البحرية. فجغرافية شرق آسيا تعني أن مضيقي مالقا وسنغافورة، بالإضافة إلى أشباه المضائق التي تمر عبر امتدادات بحر الصين الجنوبي التي يمكن الملاحة فيها وتلك التي تفصل تايوان عن الفلبين، كلها عرضة للعرقلة في حالة اندلاع صراع.
ويرى فيكيلنج وتريفيدي أن جانبا كبيرا من السياسة الخارجية للصين، طوال العقد الماضي، كان وسيلة للتغلب على نقاط الضعف تلك؛ فالشركات الصينية تمتلك حصة تبلغ 65 في المائة في موانئ العالم الأكثر نشاطا، وفقا لما ذكرته شركة جافيكال دراجونوميكس للأبحاث. ويهدف ممر عبر باكستان، وخط أنابيب نفط عبر ميانمار وطريق سكك حديدية متعدد الوسائط عبر شبه جزيرة الملايو، وكلها عناصر أساسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية- إلى الحد من اعتماد الصين على مضيقي ملقا وسنغافورة.
وحتى الضغط القومي على تايوان يكتسي صبغة اقتصادية، إذ إن حوالي نصف ملاحة الصين عبارة عن نقل بين الموانئ المحلية على طول الساحل، وجانب كبير منها يتم في المياه التي تفصل تايوان عن جزيرة كينمين التايوانية، التي تبعد حوالي ستة كيلومترات عن مدينة كيامين التي تقع في البر الرئيسي.
ويختتم الكاتبان تقريرهما بأن كل ذلك يعد سببا مهما للنظر إلى حادث قناة السويس بجدية، حتى لو تم في غضون أيام قليلة عودة الأمور إلى حالتها الطبيعية. وإذا ما أعاد التاريخ نفسه، فإنه من المأمول ألا تكون الأحداث الهزلية الحالية “بروفة” لحدث أكثر مأساوية.