الأحد 17 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صدام الفكر.. "الواثق" يقتل ابن نصر الفارابي بسبب "خلق القرآن"

بورتريه - أرشيفية
ثقافة
بورتريه - أرشيفية
الأحد 28/مارس/2021 - 06:07 م

هوى سيف الخليفة العباسي الواثق على عنق أحمد بن نصر الخزاعي ففصل رأسه عن جسده، ولم يكتف الواثق بذلك بل أمر بصلب جسد الخزاعي في الجانب الشرقي من بغداد، فما الذي اقترفه الخزاعي ليستحق هذا العقاب؟!

 إن المسألة في مجملها مسألة فكرية فقد كان الخليفة العباسي الواثق يعتنق الفكر المعتزل الذي راج وانتشر حتى تمكن من مفاصل الدولة، وتقلد أعلى المناصب في دولة الواثق، وفِكر المعتزلة فكر يقدس العقل حيث يعطل صفات الله تعالى الثابتة له في الكتاب والسنة، وينفي المعتزلة عن الله ما نسبه لنفسه في القرآن والسنة حيث ينفون استواءه على عرشه، وينفون حقيقة اليدين وغيرها من الصفات.

 ويقول المذهب المعتزلي بخلق القرآن وهو ما يعني بالتبعية أن القرآن كسائر الخلق، خلقه الله تعالى، وأوجده من العدم، وليس قديما قدم الله تعالى، ومن ثم نفي إعجاز القرآن وفتح الباب التشكيك فيه.

 

 

 

 فيما يمثل أحمد بن نصر الخزاعي طرف النقيض مذهب أهل السنة والجماعة ويثبت لله الصفات التي أثبتها لنفسه في القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أنه عارض مسألة القول بخلق القرآن، مثبتا أن القرآن كلام الله الذي لا يمكن التشكيك فيه وضحى، ومن هنا أمر الواثق بالقبض على الخزاعي  وطلب منه أن يقر بخلق القرآن  فرفض قتله الواثق، وأمر بتتبع أصحاب الخزاعي والقبض عليهم والتنكيل بهم. 

ونستعرض الآن مشهرد ما قبل القتل

الواثق: ما تقول في القرآن؟

 أحدم بن نصر الخزاعي: كلام الله

الواثق: أفمخلوق هو؟

الخزاعي: هو كلام الله.

الواثق: أفترى ربك في القيامة؟ 

الخزاعي: كذا جاءت الرواية.

الواثق: ويحك يرى كما يرى المحدود المتجسم؟ يحويه مكان، ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ 

عبد الرحمن بن إسحاق ـ وكان قاضيًا على الجانب الغربي ببغداد فعزل (يرد):  هو حلال الدم. 

وقال جماعة من الفقهاء كما قال. فأظهر ابن أبي دؤاد الإيادي أنه كاره لقتله، فقال للواثق: يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقل، يؤخر أمره. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدياً لكفره، قائماً بما يعتقده منه، مضيفا: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها. ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد، وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه ومشى إليه حتى ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد، فنصب بالجانب الشرقي أيامأً، وفي الجانب الغربي أياماً، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس".

 وقد جاء ذكر أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي في كتاب سير أعلم النبلاء للذهبي أن كان جده أحد نقباء الدولة العباسية، وكان أحمد أمّارًا بالمعروف، قوالا بالحق. سمع من: مالك، وحماد بن زيد، وهشيم، وابن عيينةوروى قليلا، وقال عنه ابن الجنيدسمعت يحيى بن معين يترحم عليه ، وقال: ختم الله له بالشهادة، قد كتبت عنه ، وكان عنده مصنفات هشيم كلها، وعن مالك أحاديث. وكان يقول عن الخليفة: ما دخل عليه من يصدقه. ثم قال يحيى: ما كان يحدث، ويقول: لست هناك.

وفي قتله روي أنه عُلِّق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر ، دعاه الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ، ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة، فعجله الله إلى ناره. وكتب محمد بن عبد الملكوقيل : حنق عليه الواثق لأنه ذكر للواثق حديثا، فقال: تكذب . فقال : بل أنت تكذب. وقيل: إنه قال له: يا صبي، ويقول في خلوته عن الواثق: فعل هذا الخنزير . ثم إن الواثق خاف من خروجه ، فقتله في شعبان سنة إحدى وثلاثين، وكان أبيض الرأس واللحية . ونقل عن الموكل بالرأس أنه سمعه في الليل يقرأ: يس وصح أنهم أقعدوا رجلا بقصبة فكانت الريح تدير الرأس إلى القبلة، فيديره الرجل.

وخلق القرآن وتعطيل الصفات مسألة قديمة بذر بذورها الجعد بن درهم والجهم بن صفوان، اللذين اتبعهما المعتزلة بعد ذلك وتصدى لهم الخليفة هارون الرشيد، لكن المأمون من أعجب بالفكر المعتزلي، واعتنقه، وتضخمت فتنة خلق القرآن في عهد المأمون حيث عزل كل قاض لا يقول بخلق القرآن ونكل بالمعارضين لهذا الرأي، وأوصى أخاه الواثق بالفكر المعتزلي من بعده وتقريب أهله، وبلغت المحنة ذروتها في عهد الواثق الذي قتل أحمد بن نصر الخزاعي السابق ذكره.

ولم يكن الخزاعي أول من دفع ثمن تصديه للفكر المعتزلي بل هناك غيره كثيرون من أهل السنة والجماعة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل الذي لاقى في سبيل ذلك رهقا شديدا، وتم سجنه وجلده في وتعذيبه في عهد المعتصم، لكنه أبدا لم يتراجع ول يقل بخلق القرآن حتى أطلق المعتصم سراحه.

 

تابع مواقعنا