براءة نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي في واقعة تقاضيه رشوة
انتهت المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة، في القضية رقم 106 لسنة 62 قضائية عليا، إلى براءة نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب ببنك الاستثمار القومي، في واقعة تقاضيه مبالغ مالية تجاوز الحد الأقصى للدخل بالمخالفة للقانون 63 لسنة 2014، الذي قضى بأنه لا يجوز أن يزيد على خمسة وثلاثين مثل الحد الأدنى وبما لا يجاوز اثنين وأربعين ألف جنيه شهرياً صافي الدخل الذي يتقاضاه من أموال الدولة.
وقالت المحكمة ٔإن المخالفة المنسوبة للمحال أحمد عبد الرحيم الصياد، نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومي والعضو المنتدب السابق تتمثل في عدم رده المبالغ الزائدة عن الحد الأقصى المقرر بالقانون رقم 63 لسنة 2014، لدخول للعاملين لدى أجهزة الدولة أو من أموال الهيئات والشركات التابعة لها سواء كان العامل شاغلاً لوظيفة دائمة أو مؤقتة أو مستشاراً أو خبيراً وطنياً، وسواء كان ما يتقاضاه من جهة عمله الأصلي أو من أية جهة أخرى بصفة مرتب أو أجر أو مكافأة لأي سبب كان أو حافز أو أجر إضافي أو جهود غير عادية أو بدل أو مقابل حضور جلسات مجالس إدارة أو لجان المقرر.
ومفاد ذلك أن المسئولية عن الخطأ في صرف أي مبالغ بالزيادة عن الحد الأقصى للأجور أنما تقع على عاتق الموظف المختص بجهة صرف هذه المبالغ، وأن المشرع لم يُلزم الموظف الذي يتم الصرف لصالحه باتخاذ أي إجراء فيما يتعلق بهذه المبالغ، فهو غير مُلزَم بإخطار جهة عمله بما يتقاضاه من جهات خارجية أدى بها أعمالا بمناسبة وظيفته، ولم يرتب كذلك هذا القانون ومن بعده قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1265 لسنة 2014 بالقواعد التنفيذية له مخالفة تأديبية على عدم رد الموظف للمبالغ التي تصرف له بالزيادة عن الحد المقرر، وإنما ألزم الجهة التابع لها باستقطاعها من أية مبالغ تكون مستحقة له لديها أو لدى أية جهة أخرى وذلك في موعد غايته نهاية شهر ديسمبر من العام التالي لعام الصرف.
وأضافت المحكمة أن القانون لم يلق على المحال بأي التزام بإخطار جهة عمله بالمبالغ التي صُرفت له من جهات خارجية لقاء الأعمال الى أداها لها بصفته الوظيفية، وقد خلت الأوراق مما يفيد تدخل المحال بإرادته في سبيل منع تلك الجهات من إخطار جهة عمله بما تقاضاه، فضلا عن أن المحال لم يحرر بيانات غير صحيحة بشأن ما يتقاضاه، وهو ما تأكد بأقوال محمد أسعد السيد، الموظف بإدارة الحسابات ببنك الاستثمار القومي وعضو لجنة حصر المبالغ التي يتقاضاها العاملون بالبنك من الجهات الخارجية، والذي أفاد بأنه إزاء ما تكشف من مشكلات عملية في حصر ما يتقاضاه العاملون بالبنك من الجهات الخارجية نظرا لعدم الالتزام الكامل لتلك الجهات بالإخطار، فقد تم تعميم إعلان على العاملين بالبنك بمطالبتهم بتحرير إقرار بالمبالغ التي يتقاضونها من أي جهة خارجية، وكان هذا التعميم بتاريخ 8/5/2018 ـــ بعد تاريخ انتهاء خدمة المحال لبلوغه السن القانونية المقررة للإحالة للمعاش الحاصل بتاريخ 16/11/2017؛ ومن ثم ينتفي عن المحال القول بتدخله بعمل إيجابي أو مسلك سلبي لحجب المبالغ التي تقاضاها عن جهة عمله.
ومن ثم فإن امتناع المحال عن رد المبالغ المشار إليها تَمَسُّكا باستحقاقه تلك المبالغ، إنما هو ردٌ للأمر إلى ما يحسمه قانونا، مما لا يمثل في ذاته امتناعا أو مخالفة، ذلك أن مسئولية الموظف التأديبية تقع إذا ما قام بصرف مبالغ مالية وهو يعلم أنه لا يستحقها، بأن تقاضاها عن أعمال لم يقم بها فعلا، فيتعين عليه ردها وإلا صار مستحِقا لجزاء تأديبي، إلا أن هذا المبدأ في الوقت ذاته يغدو بلا محل حال وجود خلاف على أحقيته في صرف مبالغ مالية مقابل عمل أداه بالفعل دون ادعاءٍ عليه بأدائه منقوصا أو على نحو غير سديد، إعمالا لمبدأ أصولي مؤداه أن الأجر مقابل العمل، ومن ثم فإن نِسبة مخالفة للعامل بسبب ما تحصل عليه من مبالغ ومنازعته في ردها يتعين أن يقوم على يقين بتحايله في الحصول على تلك المبالغ حال عدم استحقاقها.
ويضاف إلى ذلك أن الثابت بأوراق التحقيقات أن حساب المبالغ التي تقضاها المحال بالزيادة عن الحد الأقصى المقرر قد شابها التضارب مما أثار لدى النيابة الإدارية التساؤل عن سببه، فوُجِّه السؤال لمحمد أسعد السيد، عن سبب التناقض الظاهر في تقدير المبالغ التي يتعين على المحال ردها، إذ قُدِّرَت بمبلغ مقداره (980.848.00 جنيها) في حين انتهى التقرير المـُعَد أثناء التحقيقات إلى أنه يتعين عليه رد مبلغا مقداره (1.686.630جنيها) وهو ما يوحي بتضاربٍ في تقدير المبالغ التي تقاضاها بالزيادة عن الحد الأقصى المقرر قانونا للأجور، ويدل في ذات الوقت على وجود خلل مرفقي لا يتحمل المحال وحده تبعاته.
وشددت المحكمة على أن قواعد تنفيذ القانون رقم 63 لسنة 2014 الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1265 لسنة 2014 قد حددت حصرا السبل القانونية المتاحة لجهة العمل لاسترداد المبالغ التي تراها زائدة عن الحد الأقصى المقرر للأجور توطئة لإيداعها الخزانة العامة للدولة، فتأبى العدالة أخذ المحال بالعقاب، إذ لم تُثبت الأوراق تدخله بغش أو تدليس أو إرادة إخفاءُ بيانات مالية، ويضحى تمسكه بحسم الأمر قضاءً قبل رد أي من المبالغ التي تقاضاها إنما هو تمسك بحق قانوني لا مراء في شرعيته حفظا لما رسخ في ذهنه من أنه قد تقاضاها عن حق مقابل عمل فعلي، فضلا عن أن مسلكه لا يُعد إمساكاً لدَين عليه مقرر قانونا لجهة عمله طالما حُدِّدَت لها سبل استيدائه؛ ومن ثم تبرأ ساحته مما نُسب إليه، وهو ما تقضي به المحكمة، ولذلك قضت المحكمة ببراءة المحال مما هو منسوب اليه.