"50 قتيلًا ومصابًا".. التفاصيل الكاملة لعقار جسر السويس المنهار (صور وفيديو)
طقطقة في جميع أعمدة العقار، وميل واضح على جانبه الأيمن، وليس أمام السكان من الأمر شيء، فالجميع مستغرق في نومه العميق، وعقارب الساعة تشير إلى الثانية فجرا، فيستيقظ الجميع، على ارتطام أثاث المنزل وسط ظلام حالك، وسرعان ما ينتبهون إلى ميل العقار واقتراب تساقطه، فيهرول الجميع إلى الخروج، ولكن الميل حرك جميع الأثاث فانسدت الأبواب وانقطعت الكهرباء، فتحسس كل منهم الآخر فاحتضنه واحتمى به، حتى انهار العقار، ولقوا حتفهم.
عم الظلام وساد الهدوء والناس نيام بشارع الثلاجة، بمنطقة عمر بن الخطاب، ولكن قطع هذا السكون انهيار العقار بطوابقة الـ11، دون سابق إنذار، سوى ميل بسيط في أحد جوانبه، ظن الجميع أنه لن يؤثر على العقار أسوة بالعقارات المائلة بالمنطقة، ولكن حدث ما لم يتوقعه أشد المتشائمين وانهار العقار، ليقضي على أحلام 22 أسرة كانت تقطنه، فلقي 25 شخصًا مصرعهم بينهم طفل لم يتجاوز 12 عامًا، و8 أشخاص من جنسية سودانية، وأسرة كاملة لم ينجُ منها أحد، وحارس العقار الذي كتب له القدر أن يبيت أول ليلة في حياته داخل العقار، وأصيب 25 آخرون، بين جروح وكسور وكدمات وبتر ساق لأحد الأشخاص، ولم ينجُ سليمًا سوى أحد الأطفال الذي لم يتجاوز الـ3 أعوام وهو يحبو خارجًا من تحت الأنقاض، وعروسين لم يبيتا ليلتهما داخل العقار.
انتشال 25 جثة ونقل 25 مصاب إلى المستشفى
راح ضحية انهيار العقار 25 شخصًا، تم استخراج جثث 8 أشخاص منهم فور انهيار العقار، و17 آخرين استمرت قوات الحماية المدنية في انتشال جثثهم على مدار 36 ساعة متواصلة، لم يكلوا أو يملوا في رحلة البحث عن الضحايا، حتى تمكنوا من انتشال جميع الجثث، واستخراج متعلقات المواطنين قدر الإمكان، ومن ثم رفع آثار العقار.
طفل يحبو من تحت الأنقاض بعد وداع والدته له
من أكثر المشاهد حزنًا في انهيار العقار، هو مشهد الأم التي احتضنت طفلها أثناء انهيار العقار، وسقطا معها على الأرض، لكن الأم ظلت متشبثة بنجلها، فلم يصبه أذى وعندما هرول الأهالي إليها لإنقاذها وطفلها وجدوها تمتم بكلمات "الحمد لله إنك بخير" وفكت ذراعيها عنه" ليستمر في الحبو بعيدا عن الأنقاض، وتلفظ السيدة أنفاسها الأخيرة بعدما اطمأنت روحها على نجلها.
احتضنا بعضهما حتى ماتا
ولعل من أكثر المشاهد غرابة هو العثور على جثتين لفتاتيين في العقد الثالث من عمرهما "نادين" و"مونيكا" طبيبة ومهندسة، وهما يحتضنان بعضها، في وقت الانهيار لم يجدا ملجأ منه إلى إليهما، فاحتنضنتا بعضهما وسقطتا، وظلا في حالة الاحتضان حتى انتشلت قوات الحماية المدنية جثتيهما.
أول غفرة وآخر غفرة لحارس العقار
ظل حارس العقار عددًا من السنين في الغفرة الصباحية لحراسته، فقد كان يتوق إلى الاستيقاظ مبكرًا، ولا يتحمل سكون الليل وهدوئه، ولكن لظروف ألمت بصديقه صاحب الغفرة المسائية، اضطر للسهر بدلا منه، ولكنه لم يعلم أنها ستكون الغفرة الأخيرة في حياته، فقد انهار العقار فوق جسده، فقد تحمل حراسة العقار في وضح النهار لسنين، ولكن العقار لم يتحمله في ظلام الليل ولو لليلة واحدة.
وفاة 8 عمال سودانين
تركوا أسرهم وبلادهم من أجل لقمة عيش يلقونها في بلد آخر، فهبطوا إلى مصر وهنا تعرفوا على أحد الأشخاص المصريين، والذي تعهد لهم بتوفير فرصة عمل في أحد مصانع الملابس، وأودعهم عند رجل سوري يمتلك مصنعًا في العقار المنهار، فقرر تشغيلهم ووفر لهم شقة سكنية داخل العقار، وفي يوم الواقعة كانوا قد شرعوا في النوم بعد يوم طويل من العمل، ولكنهم لم يستفيقوا بعدها.
وفاة أسرة المقدم عمرو حلمي بالكامل
لم ينجُ فرد واحد من أسرة المقدم عمرو حلمي، فقد توفي هو وزوجته وأبناؤه الثلاثة، صبي وفتاتان لم يتجاوز عمرهم الـ 10 سنوات، وكان المقدم في أيامه الأخيرة يجهز نفسه للانتقال من المنطقة، واتخاذ عقار آخر سكنًا لهم، ولكن هبت الرياح بما لا تشتهي السفن.
نجاة عريس وعروسة في الليلة الأخيرة
وأنقذت العناية الإلهية العروسين سامح وإسراء، بعدما اعتادا قضاء ليلة الجمعة مع أسرهم، فانهار العقار أثناء وجودهم بالخارج، وعلما بالواقعة من مواقع التواصل الاجتماعي، فهرولا مسرعين إلى مكان العقار، وحاولا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقتنياتهم الشخصية، واستكمل الحظ طريقه إليهما، فقد كانا يسكنان الطابق الأخير، بشقة إيجار، وكانت ممتلكاتهم تطفو فوق الركام، فاستطاعا العثور على معظمها.
جشع صاحب العقار
استغل صاحب العقار الثورات التي مرت بها البلاد، وحالة الانفلات الأمني، وقام بعملية تعلية للعقار بالمخالفة ب 6 طوابق، بالإضافة إلى وجود ثلاجة بالطابق الثاني والثالث لحفظ المجمدات، أحدثت رشحًا ورطوبة بأعمدة العقار، فقد سمي الشارع محل العقار بشارع الثلاجة، نسبة إلى الثلاجة الموجود بالعقار مما يدل على إنشائها منذ سنوات عدة، ولم يكتف بذلك فقام بتأخير بدروم العقار، إلى أحد السوريين الذي أقام به مصنعًا لتصنيع الملابس، واستخدم الطابق الأول كمخزن للملابس، وأشيع أن الرجل السوري قام ببعض أعمال التعديل بالبناء، وقص بعض الأعمدة مما كان سببًا رئيسيًّا في انهيار العقار.
وأصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتشكيل لجنة فنية تختص بمعاينة المباني، والمحلات، والورش، والمصانع، بمنطقة عمر بن الخطاب، والشوارع الجانبية لها، وشارع جمال عبدالناصر، بمنطقة جسر السويس، والتأكد من السلامة الإنشائية للعمارات والمباني الكائنة بها وحالتها وتحديد مدى سلامتها.
وأشار القرار في مادته الأولى إلى تشكيل اللجنة، المشار إليها، برئاسة ممثل عن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وعضوية كل من: ممثل عن الكلية الفنية العسكرية، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، وممثل عن مركز بحوث البناء والإسكان، وممثل عن جهاز التفتيش الفني على أعمال البناء، إلى جانب اثنين من أساتذة كلية الهندسة بجامعة عين شمس يختارهما رئيس الجامعة، على أن تستعين اللجنة بمن تراه من ذوي الخبرة والمتخصصين لمعاونتها في المهام المسندة إليها.
ونصت المادة الثالثة من القرار على أن تعد اللجنة الفنية تقريرًا مُفصلا بنتائج أعمالها وتوصياتها وآليات تنفيذها خلال شهر من تاريخه، يعرضه رئيسها على رئيس مجلس الوزراء تمهيدًا لاتخاذ ما يلزم بشأنه، وألزم القرار الجهات المختصة بالتنفيذ.
وأمرت نيابة شرق القاهرة، بضبط وإحضار وليد صاحب مصنع الملابس، في عقار جسر السويس المنكوب لسؤاله حول الواقعة.
وأدلى رئيس حي السلام بأقواله أمام جهات التحقيق بشأن العقار المنكوب، قائلًا: “كنا ننتظر ردا من المحافظة للبت في العقار لأنه مخالف”.
وأمر النائب العام عقب انتقال فريق من النياية العامة، لمعاينة عقار جسر السويس المنهار بشارع ثلاجات منطقة قباء، وذلك بعد انهيار عقار مكون من 11 طابقا، مع استمرار البحث والتنقيب بواسطة أوناش لرفع الحطام والكتل الخرسانية.
كما كلفت جهات التحقيق بسرعة تحريات المباحث حول الواقعة، كما أمرت بتشكيل لجنة هندسية، لمعاينة العقارات المجاورة، وذلك لمعرفة مدى تأثيرها بالعقار المنهار من عدمه.
وانتقل اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة إلى مستشفى السلام، لمتابعة حالة المصابين فى حادث انهيار عقار جسر السويس بمنطقة قباء، ووجه بتقديم الرعاية الكاملة للمصابين، وصرف تعويضات عاجلة لهم.