ليس فقط الرجال.. طبيبات بيطريات يواجهن شراسة العجول والأبقار بـ"الإصرار"
ساعات صعبة قضتها الطبيبة البيطرية سارة زناتي، في يوم شديد الحرارة من شهر أغسطس، في محافظة الفيوم، في حصين المواشي، داخل عنبر العيادة البيطرية، انتهت بتعرضها لتمزق في ساقها اليسرى بسبب هجوم أحد العجول عليها.
ورغم صعوبة هذا المشهد على الكثير من الفتيات إلا أن سارة وغيرها من الطبيبات البيطريات اعتدن على هذه المعاناة، إذ ساعدهن العمل المستمر في التعامل مع المواشي والحيوانات على معرفة كيفية تجاوز أي صعاب يتعرضن له.
لا يجب أن يشعر الحيوان بخوفك
تقول سارة إنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لمثل هذه الهجمات، وكانت تجيد التعامل معها، لكن هذه المرة تسببت في تمزق أدى إلى مكوثها ما يقرب من شهرين لا تستطيع الوقوف عليها.
تعد سارة أول طبيبة بيطرية تعمل في مزرعة من مزارع القوات المسلحة، تنقلت ما بين حملات التحصين، التدريس في مدارس الزراعة، مشاريع للإنتاج الحيواني، لتثبت أن الطبيبة البيطرية هي دينامو، يستطيع العمل بلا هوادة.
"الحيوان لو شعر بخوفك هيعتبرك فريسة ويهاجمك"، مبدأ تتبعه سارة التي استطاعت أن تولي اهتمامها لمجال التعامل مع الحيوانات العنيفة منذ 9-سنوات، وتحب بشدة العمل الميداني والتجول بنفسها في حملات التحصين، لأنها ترى أنها يجب أن تقوم بعملها بنفسها، تتحكم في الجرعات وغيرها.
سارة ترجو النظر إلى مبدأ تكافؤ الفرص، وتوجيه الاهتمام إلى التنويع بين العمل المكتبي والميداني في أداء مهنة الطب البيطري، خاصة أن هناك طبيبات يفضلن الأولى.
قال الدكتور علي سعد، الأمين العام المساعد للنقابة العامة للأطباء البيطريين، إن عدد الأطباء البيطريين وصل حتى الآن لحوالي 71 ألفًا، وعدد المعينين لا يتجاوز الـ10 آلاف.
90 % إناث بمهنة الطب البيطري
وأضاف لـ"القاهرة 24" أن بداية من عقود 2008 والتعيينات في 2016 نسبة 90% إناث و10% ذكور، ولا يزال يلاحظ في حفلات التخرج فوق الـ95% من الخريجين إناث.
الدكتورة عبير محمد، تجمع بين تحضيرها لرسالة الماجستير، ومزاولة مهنة الطب البيطري منذ خمس سنوات، وتقطن في محافظة البحيرة.
تسرد الدكتور عبير ما تواجهه من صعوبة في مجال التعامل مع الحيوانات العنيفة، حيث ترى أنه مهما حاولت السيطرة عليهم، لديهم القدرة على الإفلات، مستطردة أن هناك مادة كاملة يتم تدريسها في الجامعات عن كيفية التعامل معهم باحترافية.
"كنت في قافلة طبية والحصان قطع الحبل وبدأ بالهجوم والتعدي علينا"، هذا أحد المواقف الذي تعرضت له، حتى تم السيطرة عليه.
الفلاح يفضل التعامل مع الأطباء الرجال
وتضيف في حديثها لـ"القاهرة 24" أنها في حملات التحصين تجوب البيوت النائية في أحلك الأوقات، قائلة: "كنا بنحصن في عز الشتا وننزل في رمضان لحد الفطار"، وتبدأ مرحلة إقناع الفلاحين بضرورة التحصين الذي يستغرق العديد من سبل الإقناع والوقت.
تشير عبير إلى أن الفلاح يفضل التعامل مع الأطباء، ولا يلجأ إلى الطبيبات إلا في حالة أثبتت خبرتها وشطارتها، لإيمانهم أن الرجل أجدر على التعامل مع الحيوانات العنيفة.
تأمل الطبيبة عبير بأن يتم توجيه الاهتمام للطبيبات وتعيينهن وتوفير بدل عدوى، مردفة أن هناك عجزًا في الوحدات ويتم إغلاقها بعد إحالة آخرين للمعاش، وأحيانًا تعمل الوحدة بعامل واحد.
أكثر من ربع قرن امتهنت فيها الدكتورة عزة فهمي، مهنة الطب البيطري، مؤمنة بأهمية وظيفتها، وأنها تساهم في حماية البشر قبل الحيوانات، فهو جزء لا يتجزأ من مهنة الطب البشري
التعامل مع الحيوان خطير جدا
تقول عزة إن أخطر مجال في الطب البيطري هو التعامل مع الحيوانات العنيفة، لما يلاقيه الطبيب من أمراض مشتركة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وآثارها على الإنسان، لذلك توجه بأخذ الحيطة والحذر دائما.
"في طبيبات عندها روح المغامرة، وناجحة في المجال"، بذلك ردت على سؤال هل تبادر الطبيبات للالتحاق بهذا المجال، مستطردة أن المعظم يكون للأطباء ممن يأخذوا العينات.
وأضافت أن أعداد الطبيبات أكبر، حيث يفضل أطباء العمل الخاص لتغطية تكاليف الحياة، عن الانتظار وتقاضي مرتبات حكومية ضئيلة.
"باجي على نفسي عشان مقصرش مع شغلي وبيتي" تروي لـ"القاهرة 24"، لتعود من عملها أحيانا العاشرة مساء، ومواجهاتها مع التجار، وحملات التفتيش اليومية، فهي تؤمن بأن المهنة في المقام الأول ضد فساد التجار وجشعهم.
"لو شخصيتك ضعيفة اللي قدامك ياكلك"، عبّرت بثقة عن خطاها في التعامل، أثناء حملات التفتيش، وأبرز ما واجهته حينما تعرض أحد كبار التجار بإغلاق المحل التجاري عليهم، عند محاولتهم رصد المخالفة، لتصر على مزاولة مهنتها مهما كانت الخسائر والتحديات.
تحصين 2200 حيوان من كورونا والإجهاض
استطاعت صابرين عمر، الطبيبة البيطرية، في عقدها الثالث، أن تحصن 2200 حيوان، حتى حدود محافظة بني سويف، على هامش الحملة التي نظمتها مديرية الطب البيطري بالفيوم، للتحصين ضد مرض الحمى القلاعية، وحمى الوادي المتصدع، التسجيل والترقيم للحيوانات غير المرقمة بجميع قرى ومراكز محافظة الفيوم.
واجهت الإصابة بكورونا وتعرضها للإجهاض.. شرحت صابرين في حديثها لـ"القاهرة 24"، كيف تعرضت للإجهاض أثناء عملها، حيث كانت تحصن مزرعة عجول بقري، واقترب منها أحد العجول، وبسبب وقوفها على مكان مرتفع، اضطرت للقفز، فتسبب في حدوث النزيف وأجهضت طفلها.
وذكرت صابرين أنها عاودت العمل بعد أسبوع فقط من الإجهاض، مؤكدة أنها وضعت مرتين ولم تحصل على إجازة، كانت تكتفي بيومين، وتعاود العمل مرة أخرى.
"أنا بحب المجال بتاعي، وبجد فيه متعة" هكذا بررت صابرين عملها المستمر مهما كانت متعبة، الذي استمرت فيه ما يقرب من 8 سنوات، وإيمانها بدورها في حماية الثروة الحيوانية، والحفاظ على المزرعة بلا أمراض، وترابطها مع أبناء قريتها التي لا تستطيع رفض طلبهم.