النيش المفخخ
خلق الله عز وجل الإنسان لكي يعمر في الأرض ويكون خليفته في مكان خُلق خصيصًا لمعيشة من سينجبون من نسله، فجعل الله ما على الأرض مهيئًا لتكون الحياة أسهل وأيسر، إلا أن الإنسان أبى ذلك التسهيل والتيسير ليخلق من موروثاته ما يصعب هذه الحياة البسيطة.
تقام الأفراح بعد تراضٍ من جانب أهالي العروسين، وبعد حب وجذب من جانب المتحابين، فيتفقان على الزواج ليجمع بينهما عقد يكون نبراسًا في حياتهما بما يقرران خريطتها، فهكذا عرف الجميع مراسم الزواج منذ بدء الخليقة وحتى نهايتها، أو حتى يرث الله الأرض ومن عليه.
في أبجديات البشر أجمع يختلف القاموس العربي عن نظرائه بجميع أنحاء العالم، فنجد العربي دون بقية خلق الله جميعًا يؤسس قاموسًا مختلفًا للزواج، ظلت الأجيال تتوارثه تباعًا فلم يغير ذلك المفهوم شيئًا، حتى التعليم نفسه لم يغير العقول، فنجد في بعض الدول طلب المهر مختلفًا، فمنهم من يطلب أموالًا، ومنهم من يطلب تسجيل ممتلكات، في حين أن الشريعة الإسلامية لم تحدد مقدرًا للمهر ذاته.
وفي مصر نجد قاموسًا من نوع آخر، فهو قاموس يطبق ما جاء في قواميس جميع الدول العربية، بل ويزيد عليها من الأشياء ما تجعل من الزواج معضلة صعبة للغاية، في زمان أصبح فيها الشاب مطالبًا بادخار مبالغ خيالية لإتمام زيجة الهدف منها إعمار أرض الله والتناسل لخلق مقومات الحياة الأساسية.
حسابات مادية تظل قائمة حتى دخول الزوجين عش الزوجية، فمن الخطوبة تبدأ مراحل فض الجيوب على موروثات إذا انفقت في مسارها الصحيح سيكون الأمر مختلفًا، فيجلب العريس من الأثاث ما يستخدم لأسرة مكونة من 7 أشخاص، في حين أنه وزوجته هما من سيستخدمان تلك الأشياء، حتى إن أدوات الطهي تكلف عشرات الآلاف من الجنيهات وتستخدم لشخصين فقط، إذ إننا وصلنا لمرحلة أن من يخفف في أثاث الزواج نحتفي به.
وما يزيد الطين بلة ذلك القائم متربعًا داخل صالون كل منزل، حتى أنه أصبح سمة يجب وجودها، وإلا من جهز شقة الزوجية يدخل في عداد البخلاء، ألا وهو "النيش" ذلك الموروث الذي يثير الغثيان داخل أمعائي، فلا فائدة من وجوده ولا جدوى من لمس ما بداخله، فهو تلك القطعة الفنية التي تضاهي نظيرتها من التوابيت الفرعونية.
وفي بعض الأحيان نجد من يتمسكون بوجود ذلك النيش ممن يتصورون أن عدم وجوده سيؤرق منامهم وسيجعل البقية من الأهل "يأكلون وشهم"، وإذا تأملنا قليلاً سنجد أنه إذا استبدلنا ذلك النيش بمكتبة صغيرة يكون أمعائها محشوة بمختلف الكتب في شتى المجالات، سيخرج الصغير من هذا البيت الذي به مكتبة مثقفًا بالفطرة جراء ذلك الاستبدال العظيم.
تكاليف الزواج في مصر أصبحت عائقًا ومعها ارتفعت نسبة العنوسة، ومعدل سن الزواج، وإذا اتجهنا إلى الصعيد فحدث ولا حرج بالنسبة لتكاليف الزواج التي تلتزم جوانب أخرى من إقامة ليالٍ أشبه بألف ليلة وليلة من ولائم وعزومات وغيره، ولا عزاء لشباب ذلك الجيل.
وفي آخر إحصائية عن متوسط سن الزواج الأول لكل من الذكور والإناث، خلال الفترة من "2010-2019"، ارتفع متوسط السن للذكور من 28.7 سنة عام 2010 إلى 30.6 سنة عام 2019، وارتفع للإناث من 23.8 سنة عام 2010 إلى 24.9 سنة عام 2019، ونسبة من لم يسبق لهم الزواج في الفئة العمرية 35 سنة فأكثر بلغ 3. 9% موزعة بواقع 2.4% للذكور و2.6٪ للإناث، وذلك من إجمالي الحالات الزواجية للفئة العمرية 35 سنة فأكثر في تعداد عام 2017.