الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"نبتدي منين الحكاية"

الجمعة 02/أبريل/2021 - 07:27 م

• السيد اليوناني "ستامايتس مورايتس" هو واحد من قدامى المحاربين اليونانيين.. زمان في فترة الحرب من حوالي 80 سنة وفي واحدة من المعارك اللي خاضها للأسف أصيب إصابة قاسية في دراعه.. إصابة كانت محتاجة تدخل طبي عاجل لإنقاذها.. في التوقيت ده من بداية الأربعينيات ماكنش الطب طبعًا زي دلوقتي بس تظل الولايات المتحدة الأمريكية هي الوجهة الأولى لأى حد عايز يجيب من الآخر في علاج أي تعب أو مرض!.. هناك كانوا همّا الأجدر بتقييم حالتك الصحية واللي لو قالولك إن فيه أمل والعلاج كذا كذا؛ تتفضل تمشي وراهم وعينك مغمضة.. ولو قالولك لا خلاص فكك إنت كلهم كام يوم وتتوكل على الله يبقى ماتتعبش نفسك لا في علاج ولا غيره وتريح على سريرك وتنتظر لحظة موتك في سلام!.. قرر "ستامايتس" يروح يعالج نفسه هناك!.. سافر أمريكا سنة 1943.. عالجوه وتم إنقاذ دراعه بمعجزة طبية.. عظيم.. عم "ستامايتس" عجبه الحال والجو هناك وكان زهق من حالة الحرب والضغط العصبي المصاحب ليها فقرر إنه يستقر في أمريكا البلد اللي كانت وشها حلو عليه.. بس لازم يشتغل!.. وماله هشتغل أي حاجة وخلاص تجيب لي حتى قيمة إيجار البيت اللي هقعد فيه وتكفي أكلي وشربي.. بحث من هنا على بحث من هناك لحد ما لقى وظيفة متوسطة بتجيب له أجر متوسط وكان رغم بساطة عيشته لكنه في أسعد لحظات حياته.. مرت سنة والتانية والتالتة وسنين كتير كتير أوي والدنيا ماشية زي الفل لحد ما في يوم بيحس "ستامايتس" بوجع صعب شويتين تلاتة في صدره!.. وجع مش نافعة معاه أي مسكنات ولا أدوية بالعكس ده كان بيزيد.. والحل؟.. يروح يكشف عشان يجيب الناهية في عنده ده!.. راح لدكتور وقالهاله في وشه كده خبط لزق.. سرطان في الرئة!.. كلمة "سرطان" ورغم قسوتها على معظمنا حاليًّا لكن ممكن تتخيل من 80 سنة وبسبب تأخر الطب شوية عن دلوقتي كان وقعها بيبقى على الناس عامل إزاي!.. "ستامايتس" قال للدكتور إنت متأكد؟.. الدكتور بدون كلام كتير كان فاهم إن أى حد بيصاب بالمرض ده تحديدًا وخصوصًا لما يكون في سن الـ 75 زيه؛ بتجيله حالة من الإنكار في البداية فكان مستوعب صدمة "ستامايتس".. طيب "ستامايتس" يسكت؟.. لأ.. قال لك ده دكتور غبي مابيفهمش حاجة أنا هروح لحد تاني.. لحظة بس!.. مابيفهمش حاجة إزاي بس يا عم!.. مش دول أكبر وأهم وأشطر دكاترة في العالم واللي بسببهم سيبت بلدك وجيت تتعالج عندهم واللي برضه أساسًا أنقذوك من قيمة كام سنة فاتوا!.. أيوا بس هي تخصصات أصلها، وبعدين أنا ماقولتش إنهم مش بيفهموا بس الدكتور الغلس ده بالذات شكله كئيب ورخم.. أنا هشوف غيره.. شوف يا سيدي.. كشف عند دكتور تاني.. بس؟.. لأ.. وتالت ورابع وخامس ولحد ما وصل إجمالي عدد الدكاترة اللي راح لهم 10 دكاترة.. مش كده وبس؛ دول كلهم كمان أجمعوا على معلومة ماقالهاش الدكتور الأولاني خالص!.. إنت بالكتير هتعيش 9 شهور يا "ستامايتس"!.. مش أكتر من 9 شهور.. والحقيقة إن دي فرصة عظيمة عشان تلحق تودع أصدقائك وتعمل أي حاجة بتحبها ولو حيلتك فلوس تروح تتبرع بيها ولا تشوف هتعمل إيه.. تمام زي الفل.. لم "ستامايتس" حاله وعزاله وقرر يروح يعيش اللي باقي من عمره في القرية اللي هو منها في المكسيك بلده الأصلية.. أخد معاه مراته وسافروا.. آه بالمناسبة.. حتى مع انتشار قصة "ستامايتس" كان معظم الناس بيتجاهلوا أو مش بيذكروا دور مراته في حياته نهائي رغم أهميته.. بيوصلوا للقرية وبيقعدوا في البيت القديم اللي هما كانوا هاجرينه سنين طويلة!.. من أول لحظة تخطي فيها رجليهم للبيت و"ستامايتس" كان مستسلم استسلام رهيب ومُلفت للي جاي.. رقدة على السرير معظم اليوم.. دقن طويلة مازارهاش موس الحلاقة كذا أسبوع ورا بعض.. وش مكشر وعابس نسي شكل الضحكة.. هنا قررت مراته اللي كانت أقرب لستات البيوت عندنا هنا إن يكون ليها دور!.. والمقصود بكلمة ستات البيوت عندنا اللي هي الست اللي بتراعي بيتها وجوزها وأولادها وهما رقم واحد عندها لإنها مش بتشتغل في وظيفة وراضية إن شغلها يكون هو بيتها.. الست الهادية.. الطيبة.. واللي كل خلافاتها مع جوزها بتبقى في أنها بتدافع عن أولادها قدامه أو بتداري عليهم وهكذا.. يعني بالمختصر المفيد حاجة قريبة من صورة معظم جداتنا بتوع زمان أو أمهاتنا الكبار في السن شوية.. كان غريب إن مرات "ستامايتس" اللي نمط حياتها كان ثابت ومفيهوش جديد طول سنين جوازهم يتغير 180 درجة كده!.. بس اللي حصل إنها لما شافت جوزها في أزمة وحست إن ليها دور ممكن يصلح ده عملت كده فعلاً!.. الموضوع بدأ بإقتراح على "ستامايتس".. البيت اللي هما قاعدين فيه في القرية متحاوط بأرض فاضية كانت زمان زراعية!.. طب إيه رأيك ما تعالا نزرع الأرض تاني!.. نزرعها إزاي بس ولمين!.. نزرعها ليك وليا.. يا عم نزرعها ولما تموت وأنا أموت بعدك برضه نسيبها للناس الغلابة اللي في القرية ياكلوا من خيرها.. المهم إنها فضلت وراه لحد ما أقنعته إنه يزرعها لما حس إنه مش هيخلص من الزن بتاعها غير لما ينفذ طلبها.. ونفذه فعلاً!.. صحيح كان مجبر على كده في الأول بس الحقيقة إنه حب الموضوع جداً لما لقاه شاغل يومه كله، والحقيقة برضه إن وجود مراته جنبه وتنظيمها ليومه وتخطيطها معاه للشكل اللي هيزرعوا بيه الأرض سواء من ناحية نوعية المزروعات نفسها أو طرق زراعتها أو الري أو حتى صحيانها بدري ثم إنها تصحيه من بعد الفجر عشان يبتدوا شغل؛ كل ده حسس "ستامايتس" إن حياته بقى ليها معنى وإنه لو مات بكره الصبح مش بس بعد 9 شهور زي ما الدكاترة قالوا هيبقى مات وهو في قمة السعادة.. يوم جر يوم وأسبوع جر أسبوع وشهر جر التاني وكل يوم بتزيد الرغبة في نفس "ستامايتس" إنه نفسه القدر يديله فرصة عشان يشوف نتيجة مجهوده والزرع اللي زرعه على حياة عينه، وكمان عشان يحاول يعوض مراته العظيمة اللي كانت سبب بـ سندتها ليه إنه يشوف الدنيا بمنظور مختلف.. الشهور بدأت تتناقص وتقل والميعاد بيقرب!.. باقي 3 شهور.. باقي شهرين.. الزرع طرح وشافه.. الحمدلله حققت أمنيتي.. باقي شهر.. عدى الشهر!.. عدوا شهرين تلاتة وأربعة بعده ومفيش حاجة حصلت!.. الفكرة إن طول المدة دي كان الوجع اللي في صدر "ستامايتس" بيقل بالتدريج!.. مامتش وفضل عايش!.. قد إيه؟.. 25 سنة كاملة!.. لحد ما وصل عمره لـ 102 سنة بحالهم!.. قرر "ستامايتس" إنه يسافر أمريكا عشان يقابل الـ 10 دكاترة اللي قالوله إنه هيموت في خلال 9 شهور عشان يقول لهم إن كلامكم الطبي انهار قدام عزيمة مراتي ورغبتها إني أعيش وتشجيعها ليا.. الحاجة الغريبة إنه لما وصل هناك وبدأ يزور عياداتهم اللي كان فاكرها في ذاكرته فوجيء إن كلهم ماتوا!.. الـ 10 دكاترة ماتوا في سنين متعاقبة ورا بعض خلال الـ 25 سنة!.. "ستامايتس" كمان مات في سنة 2012 بعد ما رجع من أمريكا.. مات بهدوء على سريره في بيته اللي في القرية وهو سايب لمراته رسالة أشبه بالوصية بس وصية مختصرة فيها جملة من 4 كلمات بس!.. (بسببك سوف أحيا للأبد).. ماتت مراته بعده بأسبوع واحد وكإنها ماستحملتش تعيش بعده أكتر من كده لكن ماتت بعد ما ساهمت في رفع روحه المعنوية للدرجة اللي خلّته بعد إرادة ربنا يعيش 25 سنة في صحة، وتفاؤل، وحب.. وهو مين هيحتاج أكتر من كده عشان يعيش مبسوط!.. وهو مين برضه يقدر يعمل كده في حياة أى حد غير واحدة بتحبه!.

 

 

السيد "ستامايتس مورايتس" بعد زراعة أرضه

 

• من مميزات العمل الصحفي إنه بيديلك المساحة إنك تسافر كتير، والأهم تتعرف على ناس كتير، والأهم أكتر إنك بتكّون صداقات من جنسيات مختلفة بحيث مع الوقت بتقدر بقلب جامد تقول أنا ليا "فلان الفلاني" في بلد كذا.. في واحدة من السفريات الخاصة بيا واللي ليها علاقة بمهمة عمل بره مصر في دولة أجنبية قابلت "نورية".. بنت صحفية جميلة، وشاطرة من أفغانستان.. بعد أول يومين من الدورة اللي كنا فيها شاءت الأقدار إننا نكون في فريق صحفي واحد مكون أساساً من 3 أشخاص بس!.. أنا وهي وصديقنا "ياسين" من المغرب.. كُتر الوقت اللي كنا بنقعده سوا إحنا التلاتة عشان الشغل خلّى بينا مساحة من الود تسمح بالدردشة.. كده كده "ياسين" شخصية عملية بنسبة مليون% ومالوش في الدردشة وكان من البداية تواجده معانا مقتصر على الـ 5 ساعات بتوع الشغل فقط لا غير، وبعد كده في أوضته في الفندق لليوم اللي بعده!.. ليه يا عم هو إحنا في معسكر!.. حاولت كتير أخليه يخرج بس هو كان بيرفض وواضح إنه كان بيلاقي راحته في الوضع ده.. تمام.. أنا مش كده خالص.. أنا بحب أخرج واتكلم واسمع واتسمع.. اتعرفت أكتر على "نورية" اللي كانت بالنسبالي من منطقة مجهولة من العالم أصلاً!.. أفغانستان!.. سمعت منها عنها.. إنسانة بسيطة ومتصالحة مع نفسها، ورغم إن فرق السن بيني وبينها كان لصالحي أنا بـ 5 سنين لكن كانت بتتعامل معانا كلنا كـ أم مش زميلة.. أنا ببقى عارف لما بتكلم مع فلان أو فلانة ومن أول كام جملة إن أنا وهو أو هي هنبقى أصدقاء!.. وحصل فعلاً وفي وقت قصير!.. بحكم صداقتنا عرفت منها قصة غيرت كتير في مفهومي عن المرأة بشكل عام!.. ورغم إني عرفت القصة دي منها من حوالي 8 سنين إلا إني ماكنش ينفع أكتب عنها ولا مرة إلا لما أستئذنها وهو ده اللي حصل من 48 ساعة بترحاب كبير منها.. "نورية" كانت طفلة لأب بسيط خلف 8 بنات هو ومراته!.. لحد هنا الأمور عادية وبتحصل وبنشوف زيها في كتير من القرى عندنا في مصر.. فكرة العزوة والخلفة الكتير على أمل ييجي الولد اللي يشيل الإسم ويبقى ضهر للأب هي مش فكرة مصرية بس لكن اتضح إن في كل حتة في العالم فيه اللي مؤمنين بيها.. خُد بقى التقيلة اللي مش عادية.. في أفغانستان عندهم عادة اسمها "الباشا بوش".. يعني إيه؟.. يعني العيلة اللي كل خلفتها بنات؛ بييجي الأب والأم يختاروا بشكل عشوائي بنت من بناتهم ويقصولها شعرها ويلبسوها لبس أولادي ويسموها إسم أولادي ويبتدوا يعاملوها كـ ولد!.. وتتعاقب لو فكرت أو إتكلمت كـ بنت!.. هي المسؤولة عن إخواتها.. هي عين الأب والأم في متابعة تفاصيل البيت ومساعدتهم فيه.. ده بيستمر قد إيه؟.. لحد ما البنت توصل لسن الـ 20!.. وهو ده اللي عملته أسرة "نورية" لما أبوها اختارها بناءاً على "الباشا بوش" رغم إنها أصغر واحدة فيهم وعمرها كان 6 سنين بس!.. سموها "نوري" وقصولها شعرها عشان تقوم بدورها الجديد.. خلّوها تشتغل!.. في السن ده؟.. آه طبعاً إبننا "نوري" لازم يطلع راجل من صغره عشان يشيل حِمل البيت معانا!.. إبنكم مين قصدكم بنتكم "نورية"!.. لأ هو بقى ولد واسمه "نوري" خلاص.. متخيل إنك تحول بنتك اللي عندها 6 سنين لـ راجل!.. فضل الوضع ده مكمل لمدة سنتين.. مات الأب والأم سوا في حادثة عربية وهما راجعين من مكان المنجم اللي بيشتغلوا فيه.. كده خلاص المفروض إن القيد المفروض على "نورية" يبقى راح لحاله، وتتحرر منه بقى!.. لأ.. الفكرة إن فترة السنتين اللي فاتوا كانوا حولوا "نورية" لشخص مسؤول بيحب المسؤولية مش مجرد أمر مفروض عليه.. في نفس الوقت إخواتها اتحولوا لشخصيات تواكلية معتمدين عليها هي في كل حاجة.. على العيلة اللي عندها 8 سنين دي؟.. آه تخيل!.. يمكن التفصيلة الوحيدة اللي اختلفت إنها رجعت تسيب شعرها يطول تاني وبدأت تلبس ملابس بناتي وخرجت بره النمط الأولادي.. لكن فضل دعمها لإخواتها وسندتها ليهم مستمرة.. "نورية" كانت بتشتغل شغلانتين عشان تصرف عليهم وكان مرتبها من الشغلانتين رغم مش إنها الوحيدة اللي فيهم بتشتغل أكبر من مجموع مرتباتهم هما الـ 7!.. مع الشغل كانت بتذاكر وبتدرس.. رغم إن أبوها وأمها ماكنوش راضيين يخلّوها تتعلم أصلاً!.. لأ اتعلمت، وعلمت إخواتها معاها.. كانت بتطلع الأولى كل سنة، وبتتطور في شغلها يوم عن يوم، وواخدة بالها من البيت واللي فيه بكل التفاصيل.. اللي عنده مشكلة فيهم بيجري على "نورية".. واللي محتاج فلوس أكيد "نورية" هى الحل.. واللي بتفكر تتجوز تميل على "نورية" اللي بقى عندها 18 سنة عشان تسألها هنعرف نجيب فلوس فيكون الرد من أجدع أخت فيهم "طبعًا سيبوها عليا".. تمر السنين وتطمن "نورية" على كل إخواتها وتبتدي مشوار الصحافة اللي كانت متميزة فيه زي تميزها في باقي حياتها وعشان تثبت لكل الناس وليا أنا وأنا بسمع منها إن المرأة بدون ما تكون محتاجة لـ عادة "الباشا بوش"، ومهما كان سنها تقدر تشيل بيت ويعتمد عليها وتكون مطمئن بنسبة مليون% لو في حياتك واحدة بتحبك أيا كان تصنيفها سواء أخت، أو خطيبة، أو زوجة؛ إن ضهرك هيكون بيها محمي مش محني.

 

• لو سألت نفسك عن حكاية أى انتصار في حياتك هتلاقي وإنت مغمض إن بدايته كانت بسبب "إنسانة".. أم، زوجة، أخت، حبيبة، جدة، وبنت.. إنسانة هي اللي قلبت طاولة يأسك، وقدمتلك السند في أصعب لحظة، وخلّتك تشوف نقطة النور اللي إنت محتاجها.. طب واللي مابيشوفش ده؟.. يبقى أساسًا ماقدمش اللي يستاهل عشانه إنه يشوفه!.. الكاتب "ديل كارنيجي" قال: (الرجل الذي يريد المرأة ملاكاً عليه أن يكون لها جنة فالملائكة لا تعيش في الجحيم).. مفيش بنت أو ست ضعيفة.. حتى لو حصلت لحظات ضعف فبتبقى لحظات ضعف إنساني طبيعية زى اللي بتحصل للرجالة عادي ما هو كلنا في الآخر بني آدمين والدنيا ياما فيها اللي يهد جبال مش بس يكسر نفسيات؛ لكن لما بتقوم على حيلها محدش بيقدر يوقفها.. يا بخت اللي في حياته إنسانة بتحبه؛ ساعتها وبدون مبالغة هيبقى ضهره بيها محمي مش محني.

 

تابع مواقعنا