حكايات مصور.. موكب المومياوات الملكية (الحكاية الثانية)
شهدت مصرُ مساء السبت 3 أبريل، حدثًا استثنائيًّا فريدًا من نوعه، خطفَ أنظار المصريين بل والعالم أجمع، مشهد جنائزي لم ولن يتكرر، بموكب أسطوري مهيب أطلق عليه الموكب الذهبي، والذي نقلَ 22 مومياء لأشهر الملوك والملكات، (ثماني عشرة مومياء لملوك وأربع مومياوات لملكات) من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، حيث يعد هذا التحرك والنقل هو الأخير لأعظم ملوك العالم القديم.
توجهتُ في هذا اليوم إلى ميدان التحرير، وصلت في تمام الثانية ظهرا لأقومَ بمهام عملي من تصوير ورصد وتوثيق لكل ما يحدث من استعدادات وتجهيزات وتحركات، فور وصولي انتظرت قليلا على بوابة الدخول مع عدد كبير من الزملاء المصورين والإعلاميين، وكنا جميعا في حالة من الشغف تدفعنا للدخول سريعًا لرؤية ما يحدث داخل (شارع العلم)، و هو الطريق المواجه لبوابة المتحف المصري الذي مرّ منه الموكب.
بعد فترة انتظار قليلة تم السماح لنا بالدخول، فور وصولي شارع العلم بدأت أشاهد تجهيزات على أعلى مستوى، أعمدة حديدية مرتفعة تحمل كشافات، أعمدة من طراز فرعوني على هيئة أعلام تزين جانبي الطريق، مجموعات كبيرة من عازفين عسكريين يرتدون زيًّا موحدًا يخطف الأنظار، فرسان يعتلون خيولهم يمرون في أفواج، يمشون بخيلاء، حضور كثيف لرجال الأمن، وقوات الجيش المصري حاضرة لتأمين المتحف المصري، وكانت داخل ساحته العربات مصرية الصنع (ماجروس)، التي نقلت المومياوات بعد إدخال بعض التعديلات الفنية عليها لتناسب الحدث، تتقدمها دراجات نارية تستعد للمشاركة بالموكب.
قمت بتصوير كل ما رصدته عيناي من استعدادت لانطلاق هذا الحدث التاريخي، وتوجهت صوبَ المنصة الخاصة بالإعلام المصري على أحد جانبي شارع العلم والذي كانت تتوسطه، وكانت أعدت منصة أخرى أعلى إحدى بنايات فندق نايل ريتز كالرتون وكانت مخصصة لمصوري وإعلاميي الوكالات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى استياء البعض لعدم تمكنهم من الصعود إلى المنصة الأعلى ارتفاعًا لتميزها في رصد مثل تلك الأحداث.
بدأ المنظمون في توزيع بعض المواد الغذائية على الحضور، وأيضًا زجاجات المياه وكمامات سوداء مطبوع عليها شعار الموكب.
يمر الوقت وتبدأ فرقة الموسيقى العسكرية بالخروج من ناحية المتحف المصري مرورًا بشارع العلم، متجهة إلى مجمع التحرير، حيث يوجد أمامه المسرح الذي سيعزفون عليه أثناء مرور الموكب.
ثم خرج بعد ذلك عدد كبير من الخيول في شارع العلم، حتى استقرت على جانب الطريق واصطفت فى مشهد رائع تتأهب لمرور الموكب.
حلّ الظلامُ والجميع يترقب الحدث العظيم في شغف وفرحة قد رسمت على وجوه جميع الحضور، وفي حالة من الفخر بتاريخ مصر القديمة وحضارة أجدادنا العظماء، بحلول السابعة والنصف وصل الرئيس السيسي إلى متحف الحضارة بالفسطاط، وشاهدنا مراسم الاحتفال هناك عبر شاشات البث الموجودة في التحرير، والذي نقل الأحداث بحرفية شديدة، الأمر الذي جعل الجميع يشعر أنه موجود في متحف الحضارة بالرغم من وجودنا في التحرير.
فور انتهاء الرئيس من تفقد وافتتاح متحف الحضارة ومراسم استقباله، أعطى الإشارة لتحرك الموكب من التحرير، وجلس في انتظار وصوله كى يستقبله في مشهد أشاد به العالم أجمع.
بداية الموكب
بدأ الموكب بالخروج من المتحف المصري تقدمته فرق الموسيقى العسكرية ثم اصطفوا على جانبي الطريق.
ثم خرج موكب من العارضين تقدمته العناصر النسائية في مشهد رائع خطف أنظار الجميع، وكانوا يحملون بلّورات مضيئة ترمز إلى قرص الشمس رع، الذي ينير الظلام ليضيء موكب الملوك والملكات، في رمزية لمراسم الدفن الجنائزي لدى قدماء المصريين.
ثم تتابع خروج العارضين، حاملين قطعًا من القماش الأبيض مستطيلة الشكل، ومن الأرجح أن تكون من الكتان كطقس من الطقوس الجنائزية لدى المصريين القدماء.
تم اختيار اللون الأزرق لإضاءة شارع العلم ليرمز إلى السماء، والذهبي يرمز إلى آمون معبود الشمس الذهبي، واختيار انطلاق الموكب في الغروب دلالة على الموت.
ثم انطلقت السيارات التي تحمل الملوك في تتابع وترتيب من الأسرة السابعة عشرة إلى الأسرة العشرين، واصلت السير في شارع العلم ثم طافت حول مسلة رمسيس الثاني والأربعة كباش، التي توسطت ميدان التحرير ثم اتجهوا إلى متحف الحضارة بالفسطاط.
بعد أن وصل الموكب إلى متحف الحضارة تم السماح لنا بالتحرك من شارع العلم قبل دقائق من فتح ميدان التحرير ورجوع الحركة المرورية بالميدان إلى طبيعتها، ذهبت مسرعًا من شارع العلم إلى وسط الميدان والتقطت صور المسلة والكباش وهي تبدو كلوحة فريدة رسمت عليها الإضاءة الصفراء على شكل هرمي أبهى الصور، أيضا التقطت بعض الصور لمبنى مجمع التحرير ومسجد عمر مكرم وفندق هيلتون رمسيس الذى وضع علم مصر بطول بناية الفندق وأيضا صورًا لبعض البنايات المضيئة التى تزين الميدان.
ثم انصرفت من الميدان وكنت أشعر بالفخر والاعتزاز بما شاهدته من تنظيم وتناغم لجميع الأحداث التى وثقت دقائق تحاكى بها العالم أجمع عن حضارتنا وأجدادنا المصريين القدماء.