السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

رش المية عداوة

الخميس 08/أبريل/2021 - 05:51 م

في القديم عرف المصريون ما سمي بـ"السقا" وهو الرجل الذي كان بديلا لمواسير المياه وقتها، فكانت المياه تصل عن طريق ما يحمله فوق ظهره، فيعطيهم منها ليأخذ ما لديهم من طعام أو قمح أو ما يجود به أصحاب المنزل، فلم يعرفوا إهدار المياه على الإطلاق لأن مواسيرها لم تصل إلى منازلهم.

علاقة الماء بالمصريين متشعبة منذ قديم الأزل، فقد عرف المصريون القدماء المياه منذ تركهم للجبال ليجدوا نهر النيل، ذلك النبع العظيم الذي كان يهبونه أجمل فتياتهم كل عام، رمز الخير بالنسبة لهم وكانوا رمز الوفاء له، حتى أنهم أعدوا جيشًا كبيرًا لحماية النيل، وهم أول من وضعوا نظامًا للري بالغمر في التاريخ.

وحديثًا نسي المصريون ما توارثه أجدادهم بأن المياه هي الحياة، فأصبح هناك نوع من الإهمال في التعامل مع ذلك المصدر الهام والحيوي، ليكون الإسراف لغة سائدة مع تدني أسعار وصول الخدمة إليهم، وخلقت عادات زادت من الإهمال كثيرًا، وتعامل الكثيرون مع نبع الحياة وكأنه شيء عادي يفيض بمجرد جريان الماء فيه.

كان المصريون القدماء يروون أراضيهم بأسلوب الغمر، وهو أسلوب قديم للغاية، فلم تكن هناك وسائل حديثة لري الأرض، ومع التطور الهائل في التكنولوجيا ظل ذلك الأسلوب يستخدم حتى الآن، مع أنه يهدر كميات هائلة من المياه، حتى أن هناك فلاحين يطلقون المياه لتروي أراضيهم ويذهبون لمنازل يأكلون وينامون حتى دخول أذان المغرب، وكلنا شهود عيان على إهمال الفلاحين للمياه، وكذلك عدم وجود خطة محكمة من وزارة الزراعة.

ومن العادات السيئة أيضا والتي تهدر الكثير من المياه؛ إلقاء القمامة في الترع الرئيسية لنرى ذلك المشهد القميء لأكياس بلاستيكية وزجاجات تطفو على أسطح الترع، لتخلق مشهدًا لا يليق بأصحاب حضارة هي الأولى في إقامة أول نظام للري في التاريخ، إلا أن الدولة تنبهت لذلك فعملت على تبطين الترع لحفظ المياه من عدة عوامل قد تعرضها للخطر، وإن كانت هذه الخطوة قد تأخرت كثيرًا جدًّا.

كما أن هناك عادة سيئة ما زالت تمارس في الصعيد حتى الآن، وهي رش المياه قبل إقامة المناسبات، فهي عادة بغيضة تهلك من المياه ما يكفي لسد احتياجات قرية بأكملها، ومع ذلك ليس هناك رادع، فأنا مع زيادة فواتير المياه في حالة ارتفاع الاستهلاك إلى أضعاف بسبب عدم عبء الكثيرين بأن الحروب المقبلة ستكون على ذلك المورد، والذي وجدناه يشح في بعض الدول.

قانون تنظيم المياه سيخلق نوعًا من تعظيم الاستفادة من الموارد المائية، فهناك بنود هائلة إذا طبقت بالشكل المطلوب سيترتب عليها خلق آثار طيبة لقلة إهدار المياه داخل مصر، ولكن يتبقى شيء آخر وهو الجانب الأخلاقي والسلوكي للإنسان فهو رقيب على نفسه.

وأيضا يجب على الدولة وضع حلول جدية، فمثلا لماذا لا تعين الدولة سباكًا يكون دوره المرور على المنازل للكشف عن حنفيات المياه المتعطلة، والتي ينتج عنها تسريب مئات اللترات من المياه يوميًّا بالمنازل، فيكون مثل كشاف الكهرباء أو الغاز وبدوره يعد تقريرًا عن الشقق والوحدات السكنية التي بها عيوب في مواسير المياه، ما يهمنا هنا الحفاظ على المورد، وليس دفع فواتير باهظة الثمن.

سباك الحي هكذا يكون اسم الموظف الحكومي، مع تعظيم دوره بإعطائه الضبطية القضائية، فيمكنه تحرير محضر ضد أي منزل مخالف، أو بها حنفيات تهدر المياه بشكل كبير، وبالتالي سيكون ذلك أكبر رادع، مع العلم أن قيمة تصليح حنفيات مياه لا يتعدى الجنيهات وتوفر على الدولة مئات الملايين.

“رش المية عداوة” مثل أطلقه المصريون، ومع ذلك لا يطبق بأي شكل من الأشكال، وأيضا على الجانب الديني سنجد حديثًا لرسولنا الكريم قال فيه: "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار"، فهلا عملنا على أن يكون تعظيم الاستفادة من المياه هدفًا ساميًا نحافظ عليه من أجل الأجيال القادمة. 

تابع مواقعنا