"مدرسة الحياة"
• من حوالي 18 سنة كانت البنوتة الأمريكية "جانيت" عندها 8 سنين.. وقتها وهي في السن ده أمها وأبوها اتطلقوا.. أبوها فلسع وسابها هي وأمها لوحدهم في الدنيا لا ليهم سند ولا ضهر.. ده خلّى الأمان يغيب نسبياً عن مفاهيم البنت اللي لسه بتتعرف على الدنيا!.. بس مع كده جمال علاقة "جانيت" بـ أمها كان في كون الأم رفضت تتجوز بعد طلاقها من الأب، وقررت تبقى إتنين X واحد.. أب وأم مع بعض!.. اشتغلت 3 شغلانات في اليوم عشان تعرف تصرف على بنتها.. البنت كانت مقدرة ده ونفسها تطلع حاجة كبيرة عشان تعوض أمها عن البهدلة.. أم "جانيت" خلفتها وهي كبيرة تقريبًا 42 سنة!.. بدأت حياتهم تستقر وكانوا بيكملوا بعض رغم فرق السن اللي بينهم.. مرة 4 سنين بشكل هادي ولطيف؛ بس ولأن الدنيا فيها قسوة مش طبيعية فجأة وبدون مقدمات بدأت "جانيت" تتعرف على شلة من زمايلها أخلاقهم مش مظبوطة رغم صغر سنهم!.. للأسف إنشغال الأم عنها إدى فرصة للعيال دول إنهم يلعبوا في دماغ البنت.. كفاية إنك تعرف إن "جانيت" مثلاً وهي لسه سنها ماعداش 12 سنة شربت كحول، وكانت بتسهر لوقت متأخر بالليل!.. بدأ يحصل بُعد تدريجي منها لأمها.. الأم لاحظت!.. سألت بنتها وواجهتها.. البنت قالتها في وشها بمنتهى العنف إن أنا مبسوطة مع أصحابي دول ومحدش منهم بيفرض عليا حاجة عكس ما إنتي عايزة تعملي!.. الأم واللي كانت بسيطة في كلامها وشخصيتها طيبة اتكلمت مع البنت بـ حب إن إزاي أنا ماليش غيرك والوقت اللي بيضيع ده أنا وإنتي أولى بيه، وأصحابك دول مش هينفعوكي، ومفيش صاحب بيساعد على غلط!.. البنت كانت بتستقبل كلام أمها بإستهزاء وبترد عليها بكلام من نوعية إن أنا خلاص كبرت وبتاع!.. ماعداش على الموضوع ده أكتر من 3 شهور إلا واكتشفت الأم إن عندها سرطان في الثدي.. تم الإستئصال للثدي المصاب وبدأت رحلة العلاج!.. مجرد ظهور فكرة إن بين لحظة والتانية ممكن البنت تكون لوحدها كانت مرعبة.. ماكنش فيه أى تعاطف من زمايلها معاها في المحنة اللي أمها بتمر بيها!.. لقت إنهم بيخرجوا عادي ومش بيسألوا عنها!.. كانت واحدة من اللحظات الصعبة المرعبة اللي الواحد بيعرف فيها قيمته عند اللي حواليه!.. "جانيت" عرفت مقامها عندهم وإنهم كلهم قش وهوا.. مش عيب أغلط بس العيب أكمل في الغلط.. ده اللي قالته "جانيت" لنفسها، وقررت تصلح بُعدها عن أمها فوراً وبدون تردد.. فضلت جنبها ليل نهار بتراعيها في كل تفاصيل حياتها.. في يوم راحوا للدكتور اللي بيعالج الأم قال لها: (الشيء الذى أستطيع أن أؤكده لكي هو أنكِ ستفقدين شعرك قبل البدء في جلسة العلاج الثانية؛ لذا فنصيحتي لكي أن تحلقي رأسك من الشعر قبل أن يبدأ هو بالسقوط، وإن بدأ بالسقوط فستجدينه على فراشك، وفي طعامك بل وحتى في حذائك، فأحلقي رأسك وأنتي لا تزالين تملكين الخيار).. روحوا البيت والأم خرجت المقصات من درج دولاب الصالة وبعد كده جابت ماكينة حلاقة الشعر القديمة بتاعت جوزها عشان تحلق شعرها.. "جانيت" بتقول إنها حست إن اللحظة دي بالذات لازم تكون جنب أمها مش مهم بكره هيكون فيه إيه بس لازم تخفف عنها الموقف وتبين لها إنه عادي.. أمها بتحب الألوان .. "جانيت" جابت ملاية قديمة متقطعة وعليها رسومات ورود بألوان زاهية وفرشتها على الأرض.. بعدها جابت الكرسي اللي أمها هتقعد عليه وحطته فوق نص الملاية بالظبط.. قال لـ أمها بمرح: (دعي لي تلك المهمة).. جت أمها قعدت على الكرسي وقلعت هدومها وظهرت آثار الجرح بتاع الإستئصال في صدرها.. البنت حطت حوالين رقبة أمها فوطة عشان الشعر مايجيش على صدرها ولا جسمها.. الأم سألت بنتها: (هل يمكنك القيام بذلك حقًا؟).. "جانيت" ردت: (نعم، لكن لا أعدك بعدم البكاء).. أمها شوحت بإيدها وبصت لقدام وقالت: (هيا فورًا ولا داعى للبكاء؛ فأنتى تعرفين أننى لم أكن يومًا أحب شعري).. "جانيت" خدت نفس عميق وبدأت تشتغل بالمقص.. قصة من هنا على قصة من هناك بدأ الشعر الأصفر يقع فوق الملاية اللي عليها رسومات ورود بنفسجية لحد ما جه دور ماكينة الحلاقة القديمة بتاعت أبوها ولما "جانيت" بدأت تستخدمها الأم ماستحملتش صوتها الزعج فحطت في ودنها سماعات عشان تسمع مزيكا؛ فردة لونها أصفر والتانية أخضر.. ميكس ألوان مدهش في المشهد كله.. البنت كانت عايزة تبسطها بأى طريقة فبدأت تلعب وتكتب حروف على راس أمها بالمكنة.. "جانيت" بتقول: (أخبرت أمي بمدى روعة رأسها بعد إزالة الشعر لكنها لم تكن تسمعني، وأخبرتها بأن حلق الشعر كان عملية ممتعة لكنها لم تسمع، كما أخبرتها بأننى بخير ولم أبكِ ولكنها لم تسمعنى أيضًا) .. لمست بإيديها راس أمها فأنتبهت وبصت لها بعينيها الزرقا وسألتها: (كيف أبدو؟).. "جانيت" ردت: (جميلة كما هو الحال دائمًا؛ أنظري).. البنت جابت مراية وحطتها قدام أمها وبصوا هما الأتنين ناحيتها وكتفهم في كتف بعض.. وقتها و زى ما بتقول "جانيت" المراية عكست صورة إتنين ستات أكتر صلابة من المتوقع.. إتنين أقوياء واحدة بـ شعر والتانية بدون.. واحدة أم والتانية بنتها.. الإتنين بيضحكوا بدون ما يكون في المشهد أى دمعة!.. حتى بعد كده بـ 10 سنين ولما اتوفت أمها بسبب حادثة عربية فضلت "جانيت" مؤمنة بكلمة أمها اللي قالتهالها زمان واللي بسببها غيرت طريقة تفكيرها وهي إن مفيش صاحب أو عزيز بيساعد على غلط.
• قبل سنة 2005 ماكنتش بدخن.. حاجة طبيعية بالنسبة لطريقة تربيتي بتوقيع أبويا الله يرحمه واللي فيها بين اللين والشدة خط فاصل اسمه شوية ممنوعات مينفعش تقرب منهم، وأولهم "التدخين"!.. تمام زى الفل.. في بداية 2005 كان فيه إعلان صغير في واحدة من الصحف المصرية الكبيرة إن مطلوب شباب كُتاب عشان ينضموا لورشة كتابة مسلسل "ست كوم" جديد.. بمعايير الوقت ده كلمة "ست كوم" دي كانت جديدة ومش معروفة بالنسبة لواحد زيي لسه عينه بتتفتح على الدنيا في المجال.. اللي هو يعني إيه ده!.. مسلسل ولا فيلم ولا مسلسل إذاعي ولا إيه بالظبط!.. قدمت وبعتت لهم بالبريد نموذج لقصة قصيرة مكتوبة زى ما كانوا عايزين.. بعدها بإسبوع جاتلي مكالمة إنهم اختاروني واحد من 20 واحد عشان نحضر الجلسة التحضيرية للتجهيز للعمل.. كنت وقتها عايش في الصعيد.. سافرت.. أول اجتماع مع الورشة كان معظمنا في سن بعض نعتبر عيال صغيرة.. قبل ما يدخل المنسق اللي هنشتغل تحت إدارته فيه بنت من ضمن الشباب الموجودين قامت وعزمت على الكل بسجاير!.. كل اللي موجودين أخدوا!.. كان المنظر بالنسبالي وقتها غريب اللي هو إيه ده هو عادي كده!.. جت عندي وعزمت عليا فإعتذرتلها بشياكة.. واحد من اللي قاعدين جنبي ميل عليا وقال لي جملة فاكرها بالنص!.. قال: (على فكرة في العموم مينفعش تكسف واحدة بنت، وبشكل خاص مينفعش تكسف حد عزم عليك بسيجارة!).. طبعاً بالمفاهيم بتاعتي وقتها كنت فاهم إنه بيكلمني في الصح وإنه فاهم أحسن مني في الإتيكيت خصوصاً إن كل الموجودين شباب متفتح ومش هكون حابب إني أكون باين العيل أبو دماغ مقفلة اللي قاعد وسطهم بالذات إننا كلنا في نفس السن.. سألته اعمل إيه؟.. رد: إنده عليها واطلب منها سيجارة عادي.. عملت زى ما قال بالظبط.. كنت هكتفي إن السيجارة تبقى معايا وخلاص على كده بس فيه واحد تاني من اللي قاعدين مدلي إيده بولاعة!.. ولعت السيجارة والخطوة الجاية المفروض إني هدخن بقى ما أنا مش هسيبها كده!.. الفكرة إن أنا فعلاً معرفش يعني إيه تدخين!.. حطيتها في بوقي وسحبت نفس!.. ما أخدتش أكتر من 10 ثواني وحصل معايا زي ما بيحصل في الأفلام بالظبط.. كُحكُحكُح كُااااح كُح كُح.. كحة عنيفة متواصلة، ووشي بقى لون الطماطم، وأنقذوني بأعجوبة!.. طبعاً بعدها أخدت تريقة من كل الموجودين.. كلهم بدون استثناء.. كلام لطيف بقى من نوعية: (لما أنت مالكش في التدخين أُومال أخدتها ليه، دا أنت طلعت خفيف أوي، الواد ماستحملش نفس واحد!، دي البنات أجدع منك).. وطبعاً بعد كل جملة من دول حنفية كركرة وسخسخة منهم!.. ده من أصعب المواقف المحرجة اللي اتعرضت لها في حياتي!.. بعدها وكإن القدر كان عايز ينقذني من الموقف السخيف ده؛ دخل المنسق والمشرف اللي هيشرفوا علينا في الكتابة القاعة عشان يتعرفوا علينا ويقولونا إيه المطلوب.. طول القعدة كنت مركز بنسبة 50% بس، والـ 50% الباقية كانت لسه بواقي من دماغي بتفكر في اللي حصل من شوية ومنظري اللي كان مثار تريقة وتفكير هرد اللي حصل ده إزاي!.. ما هو العرق الصعيدي نقح، واعتبرت إن اللي حصل لازم أرد عليه وبنفس الطريقة.. من ضمن المهام اللي تم تكليفنا بيها إن كل واحد هيكتب 3 حلقات وهنتقابل تاني بعد شهر.. كانت فرصة عظيمة عشان أرجع الصعيد، ومايبقاش فيه داعي لاستمراري في القاهرة المدة دي كلها.. قبل ما نمشي إدونا كل واحد 1000 جنيه كـ عربون وده رقم كبير نسبياً بمعايير الوقت ده برضه!.. لما نزلت من القطر أول حاجة عملتها وقبل ما أرجع البيت رحت لـ محل بيبيع سجاير قدام بوابة المحطة الرئيسية، واشتريت منه سيجار مستورد!.. سيجار مش سجاير عادية.. كام واحدة؟.. 20 واحدة!.. بكام الواحدة؟.. بـ 20 جنيه!.. يعني بإجمالي 400 جنيه سيجار يعني طارت تقريباً نص الفلوس!.. والغرض؟.. أنا هتدرب على شرب السيجار طول الشهر ده.. عملت كده فعلاً ومن وراهم في البيت وبسؤال كذا واحد من أصدقائي اللي بيشربوا سجاير واللي بالمناسبة كانوا شايفين اللي بعمله ده جنان؛ عرفت اتعامل.. المصيبة مش في كده بس لكن اللي بيشربوا سيجار هيكونوا فاهمين الكلام اللي جاي ده.. جرت العادة في الغالب يعني إن محدش بيشرب سيجار كامل على مرة واحدة.. السيجار بيتشرب على كذا مرة.. تشرب جزء وتطفيه ثم تكمل الجزء الباقي على مرة أو مرتين كمان بعدين لإن السيجار تقيل على الصدر والواحدة الكاملة منه أصلاً = حوالي 10 سيجارات عادية.. لأ.. أنا كنت بشرب سيجار كامل في المرة!.. انتحار رسمي بمعنى الكلمة.. مر الشهر، وكتبت الـ 3 حلقات، وبقيت محترف في شرب السيجار.. في الاجتماع اللي حصل واللي كان نسخة مكررة من الاجتماع الأول بإستثناء إن الموجودين بقوا أكتر لُطفاً مع بعض بعد ما عرفنا بعض؛ فيه شاب قام يعزم على الكل بعلبة سجاير.. نسخة طبق الأصل من اللي حصل قبل كده بس الفرق إن ولد هو اللي قام يوزع.. طبعاً لما جه عنده تجاوزني لإنه زيه زي الباقيين لسه فاكرين المسخرة اللي كنت فيها.. بس أنا سبقته ورديت على عزومة هو ماعملهاش وطلعت من جيبي سيجار وقولتله: (شكراً بس أنا مش بغير النوع بتاعي).. المشهد كان كوميدي والكل تنح وهما بيبصوا عليا وأنا بولع السيجار بتاعي!.. واحد سألني: (أُومال إيه اللي حصل المرة اللي فاتت ده؟).. رديت: (ما أنا مش متعود على السجاير العادية التعبانة بتاعتكم دي).. قولتها وأنا بسحب أول نفس سحبة واحد معلم بقاله سنين بيشرب.. نظرات الإنبهار والدهشة اللي كانت في عيونهم كانت هي الثمن اللي خلاّني حسيت إني أخدت حقي.. مرت الأيام وللأسف بقى السيجار عادة عندي مستمرة معايا؛ لحد ما في مرة دخل أبويا الله يرحمه الأوضة عندي فجأة بدون ما يخبط مع إنه كان متعود يستأذن الأول؛ ولقاني بشرب!.. بمنتهى الثبات الإنفعالي وعلى عكس ما أنا كنت متوقع سألني إيه القرف ده؟.. حكيت له بالتفصيل، وإزاي إني قررت إن ردي على تريقة زمايلي يكون إني أتمرن على التدخين مش على"المارلبورو" أو الـ "إل إم" الخفيفة بتاعتهم دي لأ أنا هتمرن على السيجار الأتقل، الأشد، والأغلي.. سمعني للآخر وقال لي: (بقى يا حمار وقت ما تدخن تدخن سيجار!، وبعدين هو اللي عايز يقلد يقلد في الغلط!).. أبويا ما أخدش معايا أى رد فعل عنيف واكتفى بالنصيحة وبالراحة.. وأنا بقى مش أتلم واحترم ده.. لأ.. قولتله تمام هبطل وفضلت مكمل في تدخين السيجار عادي!.. لمدة قد إيه؟.. شهرين كاملين لحد ما بدأت تأثر على تنفسي وصدري تعب بسببها ووقتها بطلتها وأنا رجلي فوق رقبتي.. والنهاردة كل ما بشوف حد بيدخن بحكيله عن تجربتي اللي ماحبش إنه يمر بتفاصيلها.. الموقف اللي ممكن يبان عادي اتعلمت منه حاجتين.. لو حبيت تنافس وتقلد قلد في الصح مش في الغلط، وإن النصيحة لما تتقال قولها بهدوء لإن كده كده محدش هيتعلم غير لما الدرس يخرج من نفسه.
• مفيش حد كبير على العلام ولو هتتغير خلّي التغيير في السكة اللي ترفعك مش اللي تخسف بيك الأرض أو يبقى فيها تكملة لوضع ضرك قبل كده!.. ماتعملش تحت ضغط الناس اللي أنت شايفه غلط ومش مقتنع بيه حتى لو هتبان قدامهم كويس أو مطاوعتك ليهم هترفعك للسما.. الحب، الصح، الجدعنة، والرجولة مش حاجات مرتبطة بكتالوج محدد يا تتعمل كده يا بلاش!.. أنت ممكن تنجح وتبقى أحسن من الناس بس بطريقتك.