الإثنين 23 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حروب التكفير

الأحد 11/أبريل/2021 - 02:52 م

حروب التكفير التي نالت دعاة التفكير أكثر من أن تُحصى، فقد برز اسم محمّد أحمد خلف الله سنة 1947 إثر مناقشة رسالته للدكتوراه عن "الفنّ القصصي في القرآن الكريم" تحت إشراف أستاذه في التفسير بجامعة فؤاد الأوّل، القاهرة حاليًّا، أمين الخولي، حيث أثارت هذه الرسالة ردود فعل عدة رافضة لما جاء فيها وصلت حدّ التكفير؛ إذ اعتبرت ما أتى به خلف الله تقويضًا لقداسة النص القرآني ونزعـًا لصبغته الإلهيّة، وقد بلغ الأمر إلى درجة تكوين لجنة خاصة أعادت النظر في محتوى الرسالة وانتهت برفضها ومطالبة صاحبها بإعداد رسالة أخرى. إلاّ أنّ محمّد أحمد خلف الله لم يرضخ للحملة التي قامت ضدّه وضدّ أستاذه، ونشر رسالته سنة 1953 لتتوالى من ثمّ طبعاتها مرّات عدّة.

ومحمّد أحمد خلف الله من تلاميذ الأزهر وكلية الآداب بالقاهرة حيث تحصّل على الإجازة سنة 1939، وقد تخصّص في الدراسات القرآنيّة وتحصّل على درجتي الماجستير والدكتوراه، ومن أبرز أساتذته طه حسين ومصطفى عبدالرازق وأحمد أمين، فضلًا عن المشرف على أطروحته الشيخ أمين الخولي، الذي وجّهه نحو الاهتمام بالجانب اللغوي والبياني في بحثه مع الاستفادة من علمي الاجتماع والنفس، ومن مؤلّفات محمّد أحمد خلف الله نذكر: "القرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة"، و"القرآن والدولة"، و"القرآن والثورة الثقافيّة"، و"هكذا يبنى الإسلام"، و"محمّد والقوى المضادة" وهو في الأصل نصّ رسالته لنيل درجة الماجستير، وكان عنوانها الأصلي "جدل القرآن"، و"الأسس القرآنيّة للتقدّم"، و"مفاهيم قرآنيّة"، وغيرها من المؤلفات.

أما منصور فهمي (1886- 1959) فقد سافر إلى باريس للحصول على درجة الدكتوراه في الفلسفة من السوربون. كانت أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه لها صدى واسع وهي "أحوال المرأة في الإسلام" عام 1913 تحت إشراف ليفي برول.

على إثر هذا الجدل الذي أحدثته جذرية أطروحته، مُنِع منصور فهمي من التدريس بالجامعة المصرية آنذاك بعد عمله بها لمدة عام. ولم يعد إلى التدريس في الجامعة، إلا بعد ثورة 1919 وذلك في العام 1920. وقد تدرج في عمله الجامعي إلى أن كان عميدًا لكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم اختير مديرًا لدار الكتب المصرية، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، إلى أن أحيل إلى التقاعد عام 1946. وكان فهمي عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ إنشائه، وانتُخِب كاتب سره، وظل بهذا المنصب حتى يوم وفاته.

وإن كان قاسم أمين قد نال "قدرًا من اللوم اللفظي"، على حد تعبير المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، فإن منصور فهمي "لاقى حرمانـًا من حق التوظيف نتيجه الهجوم الذي شنه عليه التقليديون"، فقد عاد منصور ليدرس بالجامعة المصرية، ليجد نفسه محرومـًا من هذا الحق الطبيعي، حيث اتُهِم من قبل البعض بمعاداة الدين الإسلامي‏، حتى أن بعض الصحفيين الذين لم يطّلعوا على كتابه الذي لم يكن قد نُشِر بغير الفرنسية,‏ حرضوا الناس عليه، اعتمادًا على تقرير قُدّم إلى الجامعة يشكك في "نيات" منصور فهمي تجاه الشريعة الإسلامية، واستندوا شكليـًا إلى اسم الرئيس العلمي لأطروحته، المفكر وأستاذ الفلسفة ليفي برول الذي أشرف على أطروحته آنذاك‏.‏

انزوى فهمي بعيدًا عن الأنظار محتملًا جميع الضغوط النفسية والمالية والاجتماعية الرهيبة لمده تقارب سبع سنوات، حتى عاد الى التدريس في الجامعة,‏ لكن بعد أن كانت جذوة ذهنه العلمي المتقدة,‏ قد خبت‏. ولم ينتج، أو يشارك في الشأن العام، ولم ينشر بالإضافة إلى أطروحته التي صدرت بالفرنسيّة في باريس، إلا كتابـًا واحدًا هو "أبحاث وخطرات، دار المعارف، القاهرة 1930"، وهو فصول أدبية وفلسفية نشرها في الصحف ثم جمعها في هذا الكتاب. واضطر إلى انتقاد أطروحته بعد ذلك في عدد من المقالات.

والحق يقال إن مساهمة منصور فهمي "أحوال المرأة في الإسلام" إنما تعيد إلى الذهن الميراث الفكري الاعتزالي الذي تحتل فيه المرأة وضعية خاصة,‏ مقارنة بوضعيتها لدى أصحاب التيار السلفي التقليدي‏. لم يكن منصور فهمي إصلاحيـًا بالمعنى السابق، حيث يقدم في كتابه استقراء تاريخيـًا لأحوال المرأة قبل الإسلام وبعده، ناقضـًا الأسس التاريخية والاجتماعية والدينية التي انبنت عليها وضعية المرأة العربية عبر مراحل تاريخية عديدة.‏

لقد مايز فهمي في تناوله وضعية المرأة في الإسلام، بين الديني والدنيوي وبين الروحي والزمني، وفق منهج سوسيولوجي، يتبنى بشكل كلي منهجية علم الاجتماع التي تؤدي بالبحث الى استنباط نتائج حقيقية.‏ وقد تأثر فهمي كثيرًا هنا بأداء إميل دوركايم‏. توصل فهمي عبر هذا المنهج الى نتائج جريئة وصادمة للحساسية الدينية,‏ والعادات والتقاليد الشرقية الراسخة‏, فهو مثلًا لم ينظر إلى الماضي نظرة التقديس الملازمة لكل بحث ينطلق من فكرة أن ذلك الماضي هو "ماضيه" الذي ينتمي إليه، ومن ثم يجب إضفاء نزعة القداسة عليه عند بحثه وتداوله علميـًا‏.

وهنا رأى فهمي أن هذه النزعة قد أضفتها الطبقات العربية المهيمنة طوال تاريخها، لخدمة مصالحها التي يستمر استقرارها وتناميها ورسوخها باستمرار حراستها للماضي والظهور بمظهر المدافع عنه‏. وأشار إلى أن التقليديين كانوا دائمـًا "لا يخافون عدم التدين"، فهو بادٍ بشكل يومي وعبر تجليات عديدة,‏ فردية ومؤسسية، "إنما يخيفهم إعلان عدم احترام المناخ العام المحيط بالتدين". وهي الحقيقة الجارحة التي جعلته يبدو في نظر هؤلاء وقحـًا، وارتكب جرمـًا وهرطقة.

تابع مواقعنا