بطانة السوء بين وهم المحبة ولذة الخداع
في العقد الثالث من فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك انتشر الفساد بكافة أنواعه وأشكاله ، وتردى المستوى الاقتصادي بشكل كبير، وأصبح الاتجاه نحو التوريث واضحًا جليًّا، وتصدر جمال مبارك وأحمد عز وغيرهم من البطانة السيئة المشهد السياسي الذي كان سببًا في اندلاع ثورة 25 يناير، التي اغتصبتها جماعة الاخوان الإرهابية أحد عناصر المخطط الصهيوني لإعادة تقسيم خريطة الوطن العربي، والسيطرة على المنطقة ودخولها في حروب، ولانشغال تلك البطانة الفاسدة بالمال والسلطة حجبت عن مبارك الحقيقة والواقع المتردي، وإقناعه بأن الأمور تسير على ما يرام، والشعب في قمة الانسجام، وأن ما يثار علي مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الفيس بوك مجرد مجموعة من الغوغاء الذين لا يتجاوزن عدد حبات السبحة وبإمكانهم السيطرة عليهم في أقل من ساعة، وهذا ما جعله يقول "خليهم يتسلوا" فكانت الإطاحة به.
وحظي عبد الحكيم عامر وشمس بدران بثقة الرئيس جمال عبد الناصر، وصوروا له الوضع علي غير الحقيقة دون صدق أو أمانة فكانت نكسة 67.
أعطت السفيرة الأمريكية في العراق أبريل غلاسبي "الضوء الأخضر" للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لغزو الكويت، لتكون المحافظة رقم 19من جمهورية العراق. حيث كان العراق يعاني آنذاك من أزمة اقتصادية خانقة وديون متراكمة عليه تقدر بنحو130 مليار دولار، وكان من تداعيات حرب 1991 والثقة في رأي السفيرة الأمريكية؛ أن تسبب في تدمير دولة كاملة بسبب هذا السلوك والتصرف الذي أدخل العراق في صراع وأزمات كثيرة وآخرها الاجتياح الأمريكي في عام 2003.
فكم من دول وإمبراطوريات وحضارات سقطت واندثرت بسبب خداع ونفاق ورياء وخبث بطانة سيئة للملك أو الحاكم أو الرئيس أو المسئول دفعته إلى الفشل والدمار، فالأمانة والإخلاص للحاكم أو المسئول يقتضيان من أفراد بطانته أن ينقل إليه الحقيقة كما هي لأن المستشار مؤتمن، إلا أن هذا النوع من البطانة لا يتورع عن قلب الحقائق وتزيين القبيح منها، ويوحي للحاكم أو المسئول أن كل شيء على ما يرام.
لقد نهى الله سبحانه وتعالى من اتخاذ البطانة السيئة "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالًا، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون"، وقال صلى الله عليه وسلم" ما استخلف خليفة إلا له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله"، وقال صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزيرَ صدقٍ، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزيرَ سوءٍ، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه".
فليس أضرّ ولا أخطر على المسئول ومؤسسته معًا من البطانة السيئة، فهي في الواقع غشاوة كئيبة تغطي وتحجب الحقيقة، وتنقل صورًا كاذبة خادعة قد يتخذ المسؤولين بمقتضاها قرارات مهمة وخطيرة، تبتعد عن إصابة الهدف، وتترك أثرها السيئ حاضرًا ومستقبلاً.
فهذه البطانة الخبيثة شديدة الحرص على تجاهل كل ما فيه المصلحة العامة ، تجري الخيانة في دمها وعقلها وتغير وتبدل وتحرف كل صالح إلى طالح والخير إلى شر.
وأبرز ما تتصف به البطانة السيئة "الأنانية"، فنفسه فوق كل شيء، يقدم مصلحته على كل مصلحة، ومنفعته على كل منفعة، وذاته على كل ذات، لا يهمه غريب ولا قريب، ولا صديق حميم، شعاره "أنا ثم الطوفان"، ولسان حاله يقول: "فلا جادت سحائب لم تنزل بأرضي"، وهو منافق من الدرجة الأولى يظهر الرحمة والورع والصدق والإيثار والعفاف والوطنية وحب الخير، وباطنه يعجّ بالقسوة والفجور والكذب والشر، فهو مثل الحية ملمس ناعم وسم زعاف.
إنه صاحب ألف قناع يلبس لكل حال قناعها، وفيه كل آيات المنافق التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
وهذا النوع من البطانة السيئة يحاول دائمًا، تصريحًا أو تلميحًا، أن يوحي للناس بأنه من أكثر المقربين للحاكم أو المسئول، ويحاول استغلال ذلك لمنافعه الذاتية، ولتخويف من يعتقد بأنهم أعداؤه، لا يهمهم تعطيل مصالح الناس، ووضع العقبات في طريق أصحاب الحاجات، وتطويع القوانين والأنظمة واللوائح لخدمة مصالحهم الخاصة، هذه الفئة تعرف القوانين جيدًا، وتجيد اللف والدوران، وهم أول من يقف عائقًا في وجه تطبيقها، فالبطانة السيئة تسعى بكل جهدها إلى عزل الحاكم أو المسئول عن الناس حتى لا يسمع إلا أصواتهم، تحت ستار الولاء الزائف، وهي لا تملك سوى التعتيم.
مثال بسيط لأحد المنافقين (ابن هانئ الأندلسي ) تملق الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وانظر إلى كلمات الإطراء والإطناب التي قد تصيب الحاكم أو المسئول في مقتل وتغيب عقله عن معرفة الحق فيُضلُ ويَضِلُ:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ وكأنّما أنصار كَالأنصارُ
أنتَ الذى كانتْ تُبشِّرنَا بهِ فى كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ.
جلس عمر بن الخطاب مع أصحابه، فإذا شخص أحب يحاول أن يتقرب منه, قال: (والله ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله! فنظر إليه نظرة مخيفة, وحدق في الجالسين واحداً واحداً, إلى أن قال أحدهم: لا والله! لقد رأينا من هو خير منك؟ قال: ومن هو؟ فقال: أبو بكر رضي الله عنه- فقال عمر: لقد صدقت, وكذبتم جميعاً, -أعتبر سكوتهم كذباً, شخص تكلم كلمة نفاق, سكوت الباقين كذب- والله كنت أَضل من بعيري, وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك)
اتخذ عمر بن عبد العزيز مستشارًا أحد العلماء, قال له: "راقبني, فإذا رأيتني ضللت, فأمسكني من تلابيبي, وهزني هزاً شديداً, وقل لي: اتق الله يا عمر, فإنك ستموت".
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا وحكومة، اللهم ارزق الرئيس عبد الفتاح السيسي البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.