"اصحى يا نايم وحد الدايم".. قصة مداح الرسول "الحصري" أشهر مسحراتي في الفيوم (صور وفيديو)
"اصحى يا نايم وحد الدايم، اصحى يا نايم وحد الله، يا عباد الله، وحدوا الله، رمضان كريم، اصحي يا أم حسين، اصحي يا أم محمد، جهزوا السحور".. تلك الكلمات قد ترن في إحدى قرى الفيوم في ساعات متأخرة من ليالي شهر رمضان الكريم، صوتٍ كرواني نقي، كأنه يخرج من ميكروفون، له صوتٍ رنان ومُميز، قد تقشعر حقًا عند سماعه يمدح في الرسول.
يستيقظ أهالي الحارة على صوته القوي، ويطلون من النوافذ، ليرددون معه كلماته الشهيرة، ويلتف حوّله الأطفال، مرددين كلماته، مشهد جميل يتكرر ليالي رمضان، فقد يخرج هذا الصوت، من عم محمد عُثمان الحُصري، أقدم مسحراتي في الفيوم، وأقدم مسحراتي في قريته.
وبجلبابه المُميز، وشاله الذي يضعه حول رقبته، وشعره الأبيض، يطلّ علينا، العم حُصري، في ليالي شهر رمضان المُبارك، ويبدأ في مدح النبي، وكلمات أخرى، من أول رحلته حتى قبل سحوره بدقائق، مرددًا "يا رسول الله، يا عباد الله".
وفي بيت بسيط، مُعرّش بالألواح الخشبية، داخل إحدى حارات قرية جردو التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، يعيش هُنا، عم محمد عُثمان الحُصري، 72 عامًا، أقدم مسحراتي بالقرية، ومن أقدم المسحراتية في الفيوم، وأشهرهم أيضًا، يعمل مسحراتي مُنذ 50 عامًا، ومن كلماته الشهيرة، "يا عباد الله وحدوا الله".
منزل الحُصري، له روح رمضانية مُميزة، قد تشعرك بنفحات رمضان، عند دخولك المنزل الذي تصل له بعد صعود 6 درجات من السلالم المبنية بالأسمنت، تشبه سلالم المسجد في الشكل، تجد الطبلة والجلدة مُجهزة، والزينة مُعلقة على مدخل المنزل من الداخل، تشعر حينها بنفحات الشهر الكريم.
الحُصري، هو أب لخمسة أبناء، وبعد أنّ زَوّج أبنائه، فما زال يعوّل أسرهم أيضًا، لأن جميع ظروفهم المادية لا تسمح وغير مُيسرة، فبعد أن كان يصرف على 5 من الأبناء فقط، فيعوّل حاليًا أبناءه وأحفاده الصِغار، فضلًا عن زوجته، التي تعاني من عدة مشاكل صحية، غير مشاكله الصحية هو أيضًا.
الحُصري، يعمل على باب الله، "مورناشاتي"، يجوب القرية بصندوق خشبي، يحمله على كتفه اليمنى "لتنظيف الأحذية"، فهي مهنته الأساسية الذي يمارسها مُنذ 30 عامًا، خارج الموسم الرمضاني، ويجلس بين حارة وأخرى، لكن المهنة أصبحت لا تؤتي ثمارها له، فينتظر بين 12 شهرًا في السنة، شهر الكرّم، ليسترزق منه كـ"مسحراتي".
يخرج العم حُصري، في الساعة الواحدة ونصف صباحًا من منزله، ليوقظ الأهالي للسحور، يمسك الطبلة بيده اليسرى، والجلدة في يده اليمنى، ويجوب شوارع القرية، مادحًا في الرسول، وينادي الأهالي بأسمائهم، ليعود من رحلته في تمام الساعة الثالثة ونصف صباحًا، قبل الفجر بدقائق، وتكون في انتظاره زوجته "تعويضه"، ليتسحرا معًا.
قال محمد عُثمان الحُصري، مسحراتي الفيوم، لـ"القاهرة 24"، إنه يعمل في الأساس "مورناشاتي أحذية"، ولكن المهنة أصبحت لا تؤتي ثمارها، وينتظر شهر رمضان المُبارك، ليعمل مسحراتي، فينتظره الأطفال بين عام وآخر، فهو المسحراتي المُفضل للقرية، نظرًا لصوته المُميز الرنان.
وعن رمضان زمان، قال المسحراتي: "رمضان زمان اختلف عن دلوقتي، زمان كنت بقيد الشمعة داخل العلبة الصاج، لعدم وجود إنارة وقتها في القرية، وكنت أتجوّل في القرية، بالعلبة منورة، "الشمعدان"، وكنت أجوب القرية، حتى يستقيظ الأهالي على صوتي، وكانوا يستيقظون مُسرعين ويطلون من النوافذ، ويخرج الأطفال ويلتفون حولي فرحين بالمشهد".
وعن رمضان في الوقت الحالي، قال الحُصري، حاليًا أجهز "الطبلة والجلدة"، وأخرج من المنزل من الساعة الواحدة ونصف صباحًا حتى الثالثة ونصف صباحًا، لأعود منزلي، واتسحر مع زوجتي التي تجهز السحور، وتنتظرني على باب المنزل لحين عودتي قبل الفجر حتى نتسحر معًا".
وتابع الحُصري "أتمنى نظرة من المسؤولين لي.. البيت عاوز يتسقف، معرشينه بألواح من الخشب، والمطر بيدمر البيت وبيغرقه، وبينزل علينا ميه من الخشب، لا نريد سوى حياة ومعيشة كريمة، لي ولأبنائي، زوجتي بتتعب لما المطر يغرق البيت بتمسح لوحدها والميه مبتخلصش من على الأرض".
وأضاف المسحراتي “أنا مريض سُكر، ولدي مشكلات صحية أخرى، وحصوات، ولم أملك ثمن إجراء عملية تفتيت الحصوات، تناولت أدوية كثيرة، لكن أحتاج لعملية، ظروف المعيشة صعبة”، مُعبرًا: "أي حاجة بقت بـ10 جنيه، الـ100 جنيه بتكفي فرد، الجيران فيهم خير هادوني بسحور وبلح، بيتي مكنش فيه تلاجة أو بوتاجاز، الناس بتحسن عليا يا بنتي".
وقالت تعويضه مصري زكي، 63 عامًا، زوجة العم الحُصري، إنها تذهب كل يوم جمعة برفقة زوجها إلى المقابر، ليسترزقون من الزائرين هناك، ليعودون منزلهم مرضيين آخر النهار، "بنسترزق من المقابر عشان أجيب علاجي، وأساعد أولادي في ظروفهم".
وتختتم حديثها: “في الوقت الذي يخرج فيه الحُصري، لاستيفاظ الأهالي للسحور، أجهز السحور، وانتظره أمام المنزل، حتى نتسحر سويًا، ولا نريد سوى حياة سعيدة”، لافتة إلى أن شهر رمضان شهر الخير والكرّم شهر يجعل في قلوب الناس رحمة.