يُحقق أماني الأطفال.. كيف تحول المسحراتي من موظف إلى صانع للبهجة
يرتبط شهر رمضان الكريم في أذهاننا بعدة عادات متوارثة، يتناقلها جيل عن جيل، ولعل من أهم تلك العادات، المسحراتي، الذي يجول المناطق طارقًا على الطبلة مناديًا "أصحى يا نايم وحد الدايم قول نويت بكرة أن حييت الشهر صايم والفجر قايم أصحى يا نايم وحد الرازق رمضان كريم".
وبالرغم من أن التطور التكنولوجي الذي نشهده في عصرنا الحالي يُشكل تهديدًا واضحًا على مهنة المسحراتي، فالأطفال الآن يظلوا مستيقظين على شاشات التلفاز، والكبار يستخدمون المنبهات ليستيقظوا، إلا أن المسلمين مازالوا ينتظرون المسحراتي بلهفة وسعادة، فهو يُعد رمزا من رموز البهجة في الشهر الكريم.
بداية مهنة المسحراتي
ظهرت فكرة المسحراتي في العصر النبوي، حيث كان الصحابي بلال بن رباح وعبدالله بن أم مكتوم، يتولون أمر إيقاظ المسلمين للسحور وتنبيهم بإقتراب الآذان، فكان بلال بن رباح يطوف المكان مؤذنًا لإيقاظ الناس لكي يتناولوا السحور، وكان بن أم مكتوم ينادي للناس كي يمسكوا عن الطعام. فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ بِلَالٍ كَانَ يُؤَذِّنُ لَيْلًا فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الفجر" .
أصبح المسحراتي مهنة لأول مرة في عهد الفاطميين، حيث أمر السلطان الحاكم بأمر الله جنوده بأن يمروا على المنازل ويطرقون الأبواب قبل آذان الفجر كي يوقظوا النائمين، لأنه كان قد أمر المواطنين من قبل بأن يناموا عقب الإنتعاء من صلاة التراويح، ثم أصبح الحنود يستخدمون الدف والطبلة بدلًا من طرق الأبواب لإيقاظ الحميع مناديين "يا أهل الله قوموا تسحروا".
ودخل المسحراتي مصر لأول مرة في عهد الدولة العباسية في 832 هـ، وكان الوالي عتبة بن إسحاق هو من تولى تلك المهمة فنزل بنفسه يجوب الأراضي المصرية من مدينة الفسطاط إلى مسجد عمرو بن العاص سيرًا على الأقدام، ينادي "يا عباد الله تسحروا؛ ففي السحور بركة"، ولاقت فكرة المسحراتي القبول الشديد في مصر بسبب أن الوالي هو أول من عمل بها.
تتبع تاريخ المسحراتي
كادت مهنة المسحراتي أن تختفي في العصر المملوكي، إلا أن الظاهر بيبرس عمل على إعادتها مرة أخرى لإحياء التراث الإسلامي، فقام بتعيين صغار علماء الدين في تلك المهنة وأصبحوا هم من يمرون على المنازل ويطرقون الأبواب.
وفي عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، أصبح للمسحراتية طائفة ونقابة خاصة بهم، وشيخ يتولى أمورهم لُقب بشيخ المسحراتية، وكان أول من يتولى ذلك المنصب هو "ابن نقطة" الذي كان المسحراتي الخاص لابن قلاوون، والأب الروحي لتطور تاريخ المسحراتي، فهو من أدخل فكرة استبدال العصا بالطرق بطرقات منتظمة ومتتتالية في تناغم على الطبلة.
كان المسحراتي في البداية يمر على المنازل ويطرق الأبواب، ثم أصبح يستخدم الطبلة والدف ليطرق عليه بالعصا، ثم تطورت ليصبح المسحراتي يطرق على الطبلة وهو ينشد بالأشعار الدينية ويحكي القصص والملاحم، والآن نجده ينادي بأسماء الأطفال الذين يهللون من حوله وهو يطرق علي الطبلة.