الداعية عمرو خالد يكشف سر العلاقة العجيبة بين اليقين في الله وحب العطاء
قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن اليقين يحقق صفة رائعة في الإنسان هي العطاء بحب، ويجعل قلبك يمتلئ بحب العطاء والخير.
وأضاف في الحلقة السابعة من برنامجه الرمضاني "منازل الروح": "من أقوى معاني اليقين: العطاء.. بذل الخير، وأنت موقن أن الخير سيعود إليك: "وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، "وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا".
وأحصى خالد ذكر الخير في القرآن 188 مرة، إذ لا بد أن نوقن أنه: "وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"، "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ".
وتابع: "لا بد أن تؤمن بقوة الخير.. وأن الخير عائد.. وعندما تكثر منه سيعود إليك بشكل أكبر.. كان أصحاب رسول الله إذا افتقروا تصدقوا، وهذا هو اليقين".
واستشهد بالحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
وبين أن الخير عمره طويل ممتد "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ"... الخير سواء كلمة أو صدقة أو مساعدة.. لماذا شبه الكلمة بالشجرة؟، لأن الشجرة عمره أطول من عمر الإنسان والجماد والحيوان.. عمرها طويل "تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ" .. اعمل الخير بيقين أنه عائد إليك.
وروى خالد قصة الشيخ الحصري، التي تبدأ مع رجل في صعيد مصر يحب عمل الخير، وكان يعمل في صناعة الحصر (الفرش)، وكان كلما سمع عن خير في البلاد يذهب إليه، توجد جلسة صلح بين عائلتين يحمل الحصر يذهب ويفرش المجلس، وإذا سمع أن هناك فرحًا يذهب ويفرش للناس، كلما سمع بخير يذهب إليه ويحمل بين يديه الحصر.
وفي يوم من الأيام نام الرجل، فرأى في المنام أنه يخرج من ظهره شعاع نور ينير للناس في الأرض، فكان تأويل الرؤيا أنه سيكون من ذرية هذا الرجل من يعلم الناس الخير والعلم.
وبالفعل بعد أعوام ولد الشيخ (محمود خليل الحصري) الذي علم الناس ولا يزال هو المسطرة التي تقاس عليه صحة التلاوة للقرآن الكريم.
وأشار خالد إلى أنه "لم يتوقف الخير إلى هنا، حيث قامت بعده ابنته الحاجة ياسمين الحصري بإنشاء المسجد ودار الأيتام وجمعية خيرية لخدمة الفقراء والمساكين، كل هذا بقوة خير الجد".
وذكر خالد قصة لحاج سعيد من المغرب، الذي يقول: أنا كنت مدخرًا "تحويشة العمر" من أجل الذهاب إلى الحج، كان يعمل إخصائي علاج طبيعي في مستشفى خاص كبير بالمغرب، مملوك لرجل من أغنياء المغرب.
يضيف: كانت هناك امرأة تحضر إلى المستشفى لعمل جلسات علاج طبيعي لابنها المصاب بإعاقة في رجله.. بدأت أسأل لماذا اختفت؟.. فقالوا إن زوجها تقاعد وليس معهم أموال لعلاج ابنهم.
يتذكر حاج سعيد: فجأة وجدت نفسي بين المال المخصص للحج والإنسانية، إنني أضع الأموال من أجل هذا الولد، فذهب إلى إدارة الحسابات، وأخرج نص مدخراته للحج، وقال لهم: علاج له لمدة 6 أشهر.
يضيف: ذهبت للأم، وأبلغتها بأن المستشفى حصل على منحة تستطيعين أن تعالجي ابنك فيها، ولم يقل إنه هو الذي دفع المال من جيبه، ففرحت المرأة بشدة.. لكن الرجل بكى، لأنه كان يمني نفسه بالسفر للحج.
وتابع خالد: "كما أخبرني صديق للحاج سعيد.. يقول: في اليوم التالي تلقى اتصالاً من سكرتير مالك المستشفى.. يسأله: هل لديك جواز سفر؟، فأجابه: نعم.. قال له أصل مالك المستشفى سيحج، لكن لديه مشكله في رجله، ولابد أن يكون معه أخصائي علاج طبيعي، فهل أنت مستعد للسفر معه؟
أجاب الحج سعيد: طبعًا مستعد.. فذهب إلى الحج دون أن يدفع مليمًا واحدًا، بل وحصل على مقابل مادي نظير عمله في خدمة مالك المستشفى، فعادت لي الأموال التي دفعتها للمرأة، التي كنت سأحج بها.. لا إله إلا الله .. اعمل خير سيعيده الله لك: إن تصدق الله يصدقك.. اعمل الخير بنية أن تؤدي الحج.
أوضح خالد استنادًا إلى الدراسات العلمية، أن صفة (العطاء) لاتتحقق إلا بشرط إلغاء توقعات لأي عائد مادي على هذا العطاء من البشر، وأن هذا الأمر صعب على الإنسان مالم يكن هناك عائد معنوي أكبر يتوقعه، ولذلك فإن اليقين في عطاء الله يزيد قدرة الإنسان على هذه الصفة "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا".
وذكر أن الفلاسفة اختلفوا كثيرًا في تعريفات السعادة، لكنهم كلهم أجمعوا أن لذة العطاء أحلى من لذة الأخذ، وأن العطاء للناس هو أكبر أسباب السعادة.. وهذا هو الشيء الأساسي الذي اجتمعوا عليه.. عندما نعيش لأنفسنا نولد صغارًا ونعيش صغارًا ونموت صغارًا.. وعندما نعيش للناس تمتد أعمارنا بعمر كل واحد أدخلنا السعادة عليه.
وشبه خالد الخير بالمغناطيس: "تضع الخير الذي معك فتجد خيرًا من كل مكان يتجمع وينجذب له.. حب الناس... مساعدة الناس.. تعاون الناس.. تخيل أنك مثل المغناطيس المتحرك، والخير يتجمع عليك، لابد أن تؤمن بقوة الخير وأنه يعود مضاعفًا أضعافًا مضاعفة".
وشدد خالد على أنه "لا يوجد إنسان لا يحب الخير، لكن الصعب هو وجود إنسان يمارس حبه للخير، هل أنت مؤمن أن الخير سيعود إليك حتى لو لم تكن تحب الشر؟.. الشيطان عندما يفشل بإيقاعك في الشر يلجأ إلى إقناعك بعدم جدوى فعل الخير".