مفعول كيس النفاق
يعرف النجاح من الأفعال وليس من الدعاية الموجهة، فأعمال الناجح لا تحتاج إلى من يذكرها أو ينوه بها، فهي تذكر نفسها أيا ما كان مجالها، يعرفها البشر من استخدامها فلا يحتاجون لمن يتحدث عنها، يثنون عليها دون مقابل، ويفخرون بها دون تردد.
عرف التملق حسب بعض القواميس المشهورة أنه الإفراط في المديح، والإطراء غير الحقيقي، كما عرف بأنه محاولة لإرضاء شخص ما من خلال الثناء المفرط، وكذلك عرف أنه ثناء كاذب ومبالغ فيه موجه إلى شخص ما، بهدف لفت الانتباه.
ينتشر التملق في وطننا العربي بشكل مبالغ فيه، وهو مربط فرس لأزمة يعيشها العرب منذ فترة طويلة بدءا من شعراء الملوك والأمراء نهاية بمجلس الفخر والرثاء، فيتقدم المدح والإطراء على الموهبة والإبداع، فينال صاحب المدح البديع أعلى المناصب ويتذيل صاحب الموهبة والمبدع أقل الفرص في الوظائف داخل المكان، لتهدم بذلك صوامعٌ وبيعٌ.
ويأتي التملق من أهم أركان النفاق بل أجده أعلى درجة فيه، فيوهم صاحب التملق نفسه أن ما يقوله هو نوع من المجاملة اللطيفة التي تجعله يتكسب، وهو ليس صحيحًا فهي مجاملة مفرطة يشوبها الكذب والمبالغة في الإطراء غير الحقيقي لشخص بهدف لفت انتباهه أملا في الحصول على شيء ما، أو مكسب سيكون وقتيا ولكن أضراره كبيرة.
في مصر ينتشر ذلك المفهوم كثيرا حتى بات لغةً سائدة في مجالات عمل مختلفة، بدءا من المؤسسات الكبرى وصولا لأعمال صغيرة للغاية، فصاحب التملق يعتبره مجاملة من الممكن أن ينال منها نصيبا، فيبالغ في تملقه أما بوجود مكاسب وقتية ينالها بشيء بسيط، ولكن الأدهى أن هناك من يقلدونه فينتشر التملق كالنار في الهشيم ومنها تبدأ بداية النهاية.
مصطلحات كثيرة يستخدمها المتملق في الثناء والإطراء فهي موهبة لا يعرفها غيره ولكل مقام مقال ولكل موقف حديث يُذكَر، فهو الموهوب في الملاحظات الدقيقة مكتشف الثغرات الجيد، يعرف متى يمدح وكيف، متى يتكلم وكيف، وكيف يأتي بالجديد في كل مرة، يوصلك لمرحلة الانبهار من أدائه، فهو الواثق في نفسه.
وفي مصر أيضا يعرف التملق بلفظ فيه نوع من العيب حتى أنهم صنعوا منها ألقابا كثيرة عرفوا بها من يريد نيل مكاسب بطريقة سهلة، وصنعوا منها كتبًا، ولتكن رواية الأديب الكبير يوسف السباعي "أرض النفاق" خير شاهد على هذه الأمور، مع أنها كتبت منذ عشرات السنين، في وقت كنا نترحم فيه على الماضي.
وعندما تم تجسيد الرواية إلى فيلم حققت ناجحا باهرا، وظل ذلك العمل السينمائي الأقرب إلى قلوب المصريين، حتى أنهم يستشهدون به في بعض الأحيان، ولا يعرفون أن مفعول كيس النفاق الذي ألقى به مسعود أبو السعد في النهر ما زال جارياً حتى الآن، بل ويظل المفعول مستمرا.
وقيل إن هذه الرواية فضحت معظم أشكال العوار الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة الحرجة، حيث كانت حرب 1948 حرب فلسطين على الأبواب والمجتمع المصري في حالة غليان داخلي، حيث يعتبر النقاد هذه الرواية واحدة من الروايات المبشرة بانتهاء العهد الملكي في مصر، حيث إن صدورها سبق ثورة بثلاث سنوات فقط.
مثل عربي
تواصلوا مع بعضكم كالأخوة، لكن اعملوا مع بعضكم كالغرباء